لبنان
النص الكامل لمؤتمر النائب فضل الله حول ملفات الفساد 8-5-2020
.. بعد عامين على إطلاق الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الحرب ضدَّ الفساد، وكما سبق والتزمنا قبل أكثر من عام أمام اللبنانيين، باللجوء إلى محكمة الرأي العام، نقدِّم جردة حساب للشعب اللبناني، لتبيان ما قمنا به، لأنَّ حق شعبنا علينا أن نصارحه بالحقائق والوقائع والمستندات.
كنَّا ندرك منذ البداية صعوبة الحرب التي نخوضها ضدَّ الفساد في لبنان، فهي أصعب من الحرب مع الاحتلال الاسرائيلي، لتشابك التعقيدات الداخلية، ولاستشراء الفساد في مختلف مؤسسات الدولة، ولأن الفاسدين لن يتركوا سلاحًا طائفيًّا أومذهبيًّا إلَا وسيلجأون إليه وسيتحصنون بالحمايات السياسية لمنع محاسبتهم، واستعادة ما سرقوه من مال الشعب، ولن يكفوا عن تسييس مكافحة الفساد وتصويرها تصفية حسابات خلافًا للحقيقة والواقع، وسيجدون منتفعين وإعلاميين واحيانًا أناسًا بسطاء يدافعون عنهم بذريعة حماية رجالات الطائفة والمذهب والجهة السياسية التي ينتمون إليها.
وكنَّا ندرك أيضًا أننا لسنا بوارد أن نتولَّى بأنفسنا محاسبة الفاسدين، وأنَّ المقاومة التي يثق بها شعبها لن تستخدم الوسائل نفسها التي استخدمتها ضد الاحتلال لإختلاف طبيعة الحرب وأدواتها، وأنَّه لا يمكن أيضًا إنشاء محاكم ميدانية، ولن تكون لدينا محاكم ثورية بصلاحيات استثنائية، ففي ظل نظام طائفي معقَّد سنحتكم إلى سلطة قضائية جرى تركيبها على مدى عقود من الزمن. تبوأ بعض قضاتها مواقعهم استنادًا إلى تبعيتهم لسلطة سياسية سلبت القضاء استقلاليته، لتمرير مشاريعها ومنافعها، وقد تحالف بعض هؤلاء القضاة مع الفاسدين داخل تلك السلطة، بل كان أشد فسادًا من السارقين أنفسهم، وفي المقابل كنَّا على ثقة أننا سنجد قضاة شجعانًا يلتزمون قسمهم ومستعدين لخوض هذه الحرب الوطنية ضد الفساد مهما كانت التبعات، وهم موجودون اليوم وسنكون معًا دفاعًا عن مال الشعب.
كنَّا أمام خيارين:
ـ إمَّا أن نترك البلد تحت سطوة منظومة الفساد العميقة، ونكتفي بتسجيل مواقف الإدانة أو توجيه إتهامات عامَّة، لرفع العتب ليس إلَّا، وهو ما لم يعتد عليه حزب الله في سياساته اتجاه شعبه وبلده
وإمَّا أن نتحمل المسؤولية الوطنية والشرعية، ونخوض الحرب ضدَّ الفساد بالوسائل القانونية المتوفرة مع ما فيها من صعوبات وعقبات.
قررنا خوض هذه الحرب دفاعًا عن شعبنا المظلوم والمنهوب، ونحن على دراية كاملة أنها ستكون حربًا طويلة، وأنَّ هناك من ينتظر نتائج فوريَّة، أو من سيعتبرها ورطة، أو حربًا لا طائل منها.
قررنا خوض هذه الحرب بمعزل عن أي كلام آخر مهما كان ومن أيٍّ كان، ومنذ بدايتها شهدنا ونشهد تغييرات كثيرة ظهرت تباشيرها في تراكم الوعي الشعبي ضدَّ مظاهر الفساد والفاسدين، وصارت الملفات معروفة وتحت مجهر المتابعة الشعبية والإعلامية الدَّائمة، وهو ما أسهم ويسهم في ردع الفاسدين أو كشف فسادهم ليحاسبوا أمام محكمة الناس قبل حكم القضاء.
قررنا خوض هذه الحرب من خلال القانون فهو السبيل الوحيد المتاح، وعبر مؤسسات الدولة، فهناك المجلس النيابي والحكومة والقضاء والأجهزة الأمنية والرقابية، وفوق هذه السلطات والمؤسَّسات جميعها هناك الشعب، فالناس المخلصون هم شركاؤنا أيضًا في هذه الحرب، ونحن اليوم ندعوهم ليكونوا يدًا بيد معنا، فوجعنا واحد، ومطالبنا المحقَّة مشتركة، وجميعنا نعاني من هذا الخطر المحدق ببلدنا، فالحرب ضد الفساد هي حرب شاملة تحتاج إلى القوانين وإلى القضاء وبقية أجهزة الدولة وإلى القوى السياسية المخلصة وإلى الناس وإلى الإعلام.
ولأننا نكافح الفساد من خلال القانون وجدنا أنَّ ما هو متوفر من تشريعات غير كافٍ، فبدأنا ورشة تشريعية، وقدمنا اقتراحات قوانين بعضها أقر في المجلس النيابي مثل تعديل قانون الموظفين بما يسمح بالملاحقة، وسعينا لإقرار قانون تعديل قانون المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بما يرفع الحصانات عن الوزراء، لكن لم يمر في آخر جلسة تشريعية لاعتبارات غير مفهومة، ولو أقر، لكان هناك وزراء سابقون أمام قضاة التحقيق اليوم، وتعاونَّا مع كتل ونواب للدفع باتجاه إقرار قوانين مكافحة الفساد، وحين تقدَّم زملاء لنا باقتراحات لدينا مثلها اكتفينا بما تقدَّم لأن هدفنا هو وجود القانون بمعزل عن من قدَّمه.
إنَّ واحدة من العقبات التي واجهناها هي تذرَّع بعض القضاة بنصوص قانونية، كالحصانات، وغيرها الكثير، وهي نصوص نعمل على تطويرها لتتلائم مع أولوية مكافحة الفساد، مع العلم أن بعض القضاة يُماطل أو يُخفي ملفات في الأدراج أو يتواطئ مع الفاسدين، ومسؤولية التحقيق معهم ومحاسبتهم تقع على عاتق هيئة التفتيش القضائية، وفي هذا السياق نحن ندعو مجلس القضاء الأعلى رئيسا وأعضاء إلى تطبيق مضامين قسمهم وإحقاق الحق للشعب من خلال الدفع باتجاه البت بجميع ملفات الفساد المقدمة للقضاء من أي جهة كانت وفي أي قطاع من القطاعات بعيدًا عن أي استنسابية أو تسييس أو ضغوط من أي جهة جاءت. وندعو القضاة إلى انتفاضة حفيفية ضدَّ الفاسدين داخل الجسم القضائي وضدَّ أي تدخل سياسي في عملهم خصوصًا في مكافحة الفساد، ونحن معهم لتحصين القضاء واستقلاليته وهو ما نعمل عليه في المجلس النيابي.
لقد انطلقنا في خطواتنا العمليّة من مجموعة ضوابط ومعايير دينيَّة وأخلاقية وقانونيَّة، سبق لأمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أن شرحها في مناسبات عديدة، وهي لا تتبدَّل بتبدُّل الأوضاع الظروف، ولا تتغيَّر على وقع الصخب الإعلامي والسياسي، أو محاولة التشكيك والتثبيط، لأننا نؤدي تكليفنا وواجبنا ونتحمَّل مسؤوليتنا أمام الله أولًا، وأمام شعبنا ثانيًّا.
أعيد التذكير بأبرز هذه الضوابط
1ـ تحديد مكامن الخلل الأساسية في مال الدولة، والعمل على الملفات الكبيرة، وعدم الاستغراق في الجزئيات، فهناك مئات الشكاوى عن رشاوى في هذه الدائرة أو تلك وعن تلزيمات صغيرة تشوبها ثغرات وعن متعهدين يغشون في المواصفات وعن موظفين يقومون بممارسات خلافا للقانون وهي جميعها حالات فساد تقع مسؤولية ملاحقتها على الهيئات رقابية وجميع ما وردنا من شكاوى في هذا المجال تابعناه مع الجهات المعنية.
2ـ إعتبار الحرب على الفساد قضية وطنية نتعاون فيها مع جميع المخلصين والجادِّين، بمعزل عن الاصطفافات والخصومات السياسية، وعدم المنافسة مع أحد في فتح ملفات الفساد، فكل ملف جرى تقديم إخبار عنه من آخرين وأصبح في عهدة القضاء، من الطبيعي أن يتصدَّى له من تقدَّم به، ونحن بدورنا نتابع ونواكب، ونطالب القضاء البت به وفق الأصول.
3 ـ لأنَّ هدفنا هو مكافحة الفساد، وليس تسجيل نقاط أو الانتقام أو تصفية الحساب، فإننا نلتزم عدم التشهير بأحد ممَّن عليه شبهات فساد، أو ممَّن وردت أسماؤهم في الملفات التي قدمناها للقضاء، فأسماء هؤلاء الأشخاص من وزراء وموظفين ومتعهدين كبار ومؤسسات صارت في عهدة القضاء، وعليه وحده تقع مسؤولية تحديد من هو المتهم ومن هو البريء، والقضاء هو من يحكم على الفاسد ويسوقه إلى السجن، فلسنا نحن أو أي جهة أخرى من يحقِّق، ويُصدر الأحكام، ويُطالب بأنَّ عليه أخذ الفاسد إلى السجن، وكذلك لسنا بوارد التشهير حتّى بمن حكم القضاء عليهم أو إدعى، وكل الكلام عن ضرورة تسميتنا للفاسدين هو من باب المزايدة أو محاولة تسجيل النقاط أو لفشة الخلق، أو لإيجاد معارك سياسية لا طائل منها، ولن يدفعنا أحد في مواقفه في الإعلام او وسائل التواصل للخروج عن قيمنا وعن القوانين المرعية الإجراء في مثل هذه الحالات. مع العلم أن كل الاتهامات والتسميات التي وردت على لسان سياسيين أو وسائل إعلام لم تؤدي إلى إدخال فاسد إلى السجن، وكان رد المتهمين هو اللجوء إلى القضاء.
بناءً على هذه الضوابط سلكنا مسارًا واضحًا على خطين:
الأول: التشريعات والقوانين لسدِّ الثغرات وإلغاء الحجج والذرائع وهذا مستمر من قبلنا في المجلس النيابي
الثاني: تتبع ملفات الفساد الأساسية، وفق توزُّع الكتل المالية للدولة وهي على الشكل الآتي:
الأموال العامَّة
تتوزع الأموال العامَّة على الجهات الآتية:
ـ الموازنة العامة( النفقات والإيرادات)
ـ المصرف المركزي
ـ المؤسسات العامة: مثل، الاتصالات، الكهرباء، المرفأ...الخ
ـ البلديات
أي مال عام منهوب أو مهدور لا يخرج عن موضع من هذه المواضع، والجميع في لبنان يطالب اليوم باستعادة الأموال المتأتية من الفساد والمصطلح عليها الأموال المنهوبة.
إن جزءًا أساسيًّا من المال المنهوب سيطَّلع عليه اللبنانيون من خلال ما سنعرضه أمامهم اليوم
أولًا: الموازنة العامة
تتضمن الكتلة المالية الأكبر للدولة، والمال المنهوب منها هو من مدخلين:
ـ الحصول على أموال من الإنفاق بطريقة غير مشروعة وخصوصًا عبر التلزيمات
ـ حرمان الخزينة من الإيرادات، وخصوصًا من خلال التهرب الضريبي أو التهريب أو احتلال أملاك عامة
لذلك كان تركيزنا المحوري على الموازنة، حيث تبين وجود ثغرات جوهرية لا تستقيم مالية الدولة من دون معالجتها ومنها إعادة تكوين الحسابات، وإقرار قطع الحساب السنوي، والدفع باتجاه أن يكون هناك موازنة سنوية لوقف الانفاق على أساس القاعدة الإثني عشرية، والعمل لإدخال إصلاحات جوهرية على الموازنة، مع العلم أن كتلتنا كانت على الدوام في موقع المعترض على الموازنات منذ العام 1992 لخلوها من الإصلاح ولم توافق إلا على موازنتي 2019 و2020 لتضمنهما بعض مطالبها الإصلاحية.
أود أن أشير إلى أنَّ لدينا مطلبًا أساسيًّا في بند الموازنة وهو دعوة الحكومة إلى التدقيق المالي في الإنفاق على الصناديق والمجالس سواء أكان التمويل محليًّا أم أجنبيَّا، وهو أمر سيكون محلَّ متابعة من قبلنا.
ثانيًا: المصرف المركزي
سبق وطرحنا في المجلس النيابي ملف هدر كبير في المصرف المركزي، واستفادت منه بالدرجة الأولى المصارف، وهو ملف الهندسات المالية،التي نفذها المصرف المركزي بقرار فردي ومن دون التشاور مع أحد من المعنيين، وكذلك إعطاء فوائد مرتفعة لمصلحة المصارف، والمبلغ المقدَّر هو أكثرمن 25 مليار دولار، وعلى سبيل المثال فإنَّ إيرادات المصارف على مدى ثلاث سنوات (2016 ـ2017ـ 2018) بلغت 23 مليار دولار من الهندسات الماليَّة وشهادات الإيداع وسندات الخزينة.
أحد مداخل المكافحة الجدية للفساد تبدأ من معرفة الخسائر التي تكبدها المصرف المركزي والأسباب الحقيقية، ومن استفاد؟
قدَّرت الحكومة الفجوة المالية للمصرف المركزي بـ 63 مليار دولار، وقررت التدقيق المحاسبي، لقد سلك هذا الملف مساره القانوني ونحن كما بقية اللبنانيين ننتظر هذا التدقيق المالي وسنتابعه بجدية عالية وبوتير سريعة لمعرفة من أخذ أموال اللبنانيين، ومن تسبَّب لهم بهذا الوضع، ومن سجن ودائعهم بدل سجن الفاسدين ، ومن تسبَّب بانهيار سعر عملتهم الوطنية والغلاء الفاحش والجوع. نحن نطالب الحكومة بتحديد سقف زمني لهذا التدقيق، وأي تأخير غير مبرَّر.
ثالثًا: المؤسسات العامة
الإنفاق الأكبر على المؤسَّسات العامَّة هو على مؤسسة كهرباء لبنان، وكما سبق وطرحنا في المجلس النيابي فإنَّ المبالغ التي أنفقت من المال العام كانت تكفي لشراء محطات كهربائية على الطاقة النووية تُغذي لبنان وتسمح له بتصدير الكهرباء. لأنَّ ملف الكهرباء موجود لدى القضاء وهناك شكاوى وإخبارات قدمها آخرون، فإننا من موقع مسؤوليتنا الوطنية نطالب القضاء بالقيام بدوره الكامل في هذه القضية، ونريد للتحقيقات في هذا الملف أن تصل إلى نتيجة حاسمة كي تخرج القضية من السجالات والمزايدات السياسية، وتُكشف الحقائق كاملة في هذا الملف الذي استنزف ويستنزف خزينة الدولة من دون ان تتوفر الكهرباء.
الملف الآخر الذي لا يقل أهمية وهو ملف الفساد في قطاع الاتصالات الذي يشكِّل أحد الموارد الأساسية للخزينة سنعرضه في سياق هذا المؤتمر
هناك ملفات فساد في قطاعات أخرى لن نتعرض لها في هذا المؤتمر، لأن جهات عديدة تقدمت باخبارات حولها ومن بينها الهدر والفساد في الجمارك ، والتهريب على المعابر الشرعية وغير الشرعية، الوظائف الوهمية والوظائف غير الشرعيَّة، الأملاك البحرية.. وغيرها، ونحن اليوم نطالب القضاء بالبت بهذه الملفات، بل نحمل المسؤولية القانونية لكل قاضٍ جرى تقديم شكوى أمامه ولم ينهها وفق الأصول ونعتبر أي تسويف أو مماطلة هو تواطئ مع الفاسدين.
في ملف الأملاك البحرية ندعو الحكومة إلى تطبيق القانون والمسارعة إلى استرجاع هذه الأملاك فورًا ممَّن تخلَّف عن تطبيق القانون ومهله الملزمة.
منهجية جردة الحساب هي وفق الآتي:
عنوان الملف ، الإجراءات القانونية، قيمة الهدر المالي، الجهات المسؤولة، النتائج القانونية.
ما سيرد في الملفات التي نعرض مستنداتها جميعها في عهدة القضاء، وهي مستندات رسميَّة .