لبنان
الحريري لم يعتذر.. وبرّي: أقنعوني بالبديل عنه!
تستمر الأزمات في بسط ظلّها على امتداد القطاعات في لبنان، والتي كان آخرها أزمة الدواء إضافة للمحروقات وطوابير الذلّ على المحطات، والتي يجري الحديث عن حلّ مؤقت لها بتسليم كميات من البنزين اليوم، إلا أن العبرة تبقى بالتطبيق.
حكوميًا، ورغم كثرة الحديث عن توجه الرئيس المكلف سعد الحريري إلى الاعتذار بعد زيارته دار الفتوى، إلا أن هذه الخطوة لم تحصل، فيما أكد رئيس مجلس النواب تمسكه بمبادرته وأنه لا يوجد بديل مناسب عن الحريري.
إلى ذلك، تجاوز سعر صرف الدولار 15000 ليرة لبنانية، ووسط الصورة القاتمة اجتماعيا واقتصاديا، تحدث البعض عن الآلية التي يدرسها الرئيس الفرنسي لضمان استمرار الخدمات العامة للبنانيين، مع فرض قيود معينة على تطبيقها.
"الأخبار": الحريري يتريّث في الاعتذار… وبرّي «لن يُسلّم البلد لعون وباسيل»
دخلَت البلاد في مدار الفوضى على كل الأصعِدة. لم تنتهِ ثلاثية الحوار بينَ الثنائي الشيعي ورئيس التيار الوطني الحرّ بشأن مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى «لا شيء»، وحسب. لو اقتصرت على ذلِك، لكانَ الأمر أسهل. أفضَت المداولات إلى أبواب جديدة للتعقيدات، بدلاً من التمهيد لفتح نافذة أمام حلول للأزمة الحكومية. لا تتطلّب وقائع الأمور عناءً كبيراً لاستخلاص أن الفشل لا علاقة له بوزيرين واسمين وحقيبتين، بقدر ما هو نتيجة لمحاولات طرفيْ الصراع الأساسييْن استيلاد نمط حكم جديد وقواعد سياسية جديدة تعيد ترسيم نفوذهما. وعليه، فإن فائضاً من التشاؤم ساد في الساعات الأخيرة، بعدَ أن ثبت بالمعطيات أن الرئيس المكلّف سعد الحريري حسمَ قراره بالاعتذار، قبل أن ينقل قراره إلى حالة «وقف التنفيذ» بناءً على طلب رئيس المجلس الذي «صارَ مقتنعاً بأن لا فرصة متاحة تسمح للحريري بالتشكيل، خارجياً أو داخلياً»، بانتظار «الاتفاق على بديل». ولو أن مؤشرات مستجدة برزت تقول إن الحريري، ورغم أن فكرة الاعتذار لا تزال تراوده، إلا أن حركته نهاية الأسبوع الماضي هدفت إلى تكريس صورته كزعيم أوحد للطائفة السنية من خلال اجتماعه مع دار الفتوى، واللقاءات التي عقدها مع شخصيات سنية، حتى إن بعضها غير مقرّب منه، وأنه تقصّد فعل ذلك للتخفيف من جدية الأجواء التي سُرّبت عنه أخيراً في ما خص الاعتذار. مردّ هذه المفارقة، وما تضمره من تحول سريع في «تكتيك» الرئيس المكلف، أن الظروف المتوافرة التي تمنع اعتذاره لا تقل عن تلكَ التي تمنعه من التأليف.
صحيح أن الحريري مُنيَ بنكسة جديدة بعدَما أطيحت مبادرة عين التينة التي عوّل كثيراً عليها كفرصة أخيرة، لكن مصادر معنية بالمفاوضات الحكومية أعادت تريّثه من جديد إلى أسباب عديدة. أبرزها:
أن الرئيس برّي طلبَ اليه ذلِك، وهو يُصرّ على ربط الاعتذار بالتوافق مع الحريري على بديل، على أن يحظى البديل بغطاء الطائفة السنية لئلا تتكرّر تجربة الرئيس حسّان دياب. كما أن رئيس المجلس، على ما تقول المصادر، «لا يريد تسليم البلاد لميشال عون وجبران باسيل»، ولا إعطاءهما فرصة للظهور بمظهر المنتصر. كما لا يريد أن يكون البديل واحداً من الأسماء التي اقترحها عون وباسيل، فيكونان قد حققا مبتغاهما وفرضا ما يريدانه. حتى إن بري يعتبر، بحسب المصادر، أن الحل لا يُمكن أن يكون بتسمية رئيس حكومة من فريق 8 آذار لا يحظى بالتوافق والغطاء السنيّ الكامل، لأن هذا الأمر لن يساعد في إخراج البلد من الأزمة، لا بل سيزيدها تعقيداً.
ثم إن الحريري الذي كانَ قد كشف أمام من التقاهم من مسؤولين وشخصيات سنية أن خيار الاعتذار وارد، فوجئ بمعارضة واسعة لم يكُن يتوقعها، على اعتبار أن «هذا القرار لا يُمكن أن يتخذه وحده، وأن هذه الخطوة هي بمثابة إعلان هزيمة أمام عون وباسيل وتراجع لحساب ما يريدانه، وهو ما سيفتح أمامهما الطريق لتنفيذ مشروعهما للسيطرة على رئاسة الحكومة».
وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن ثلاثي رؤساء الحكومات السابقين من أشد المعارضين لقرار الاعتذار، لكن أعضاءه لم يحضروا اللقاء في دار الفتوى، لأنهم، وفقَ ما أفادت المصادر، حرصوا على عدم «إعطاء صبغة طائفية للخلاف، وكأن هناك انقساماً بطابع سنّي - ماروني».
وفيما لم تُسجل في الأيام الماضية أي اتصالات على صعيد الملف الحكومي، خاصة بعدَ السجال الإعلامي بينَ باسيل والنائب علي حسن خليل الذي عكس التوتر بينَ عين التينة والبياضة، لفتت مصادر مطلعة إلى أن برّي منزعج من طريقة التعامل مع مبادرته، بينما سيتسغلّ الحريري الدعم الذي حظي به سنياً لتحصين نفسه من محاولات انتزاع التكليف منه، طوعاً، ووضع عوائق أمام أي شخص يطمح إلى خلافته، حتى لو عاد واعتذر.
فوجئ الحريري بمعارضة سنية واسعة لقرار اعتذاره
التريّث في الاعتذار، عكسته تصريحات شخصيات في تيار المستقبل، ومنهم النائب السابق مصطفى علوش الذي أشار إلى أن «خيار الاعتذار مؤجل، وأن المزاج الشعبي عند تيار المستقبل 90 في المئة يعارضه». حتى الحريري نفسه، ظهرَ في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية أنه يتمهّل، وقال إنه «لن ينفرد باتخاذ أي خيار من هذه الخيارات، سواء في استمراره في مهمته التي استمدها من البرلمان أو في الاعتذار عن التأليف من دون العودة إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري والمجلس الشرعي الإسلامي ورؤساء الحكومات السابقين». وكانَ لافتاً في كلام الحريري تشديده على علاقته الممتازة برئيس المجلس، قائلاً «سعد الحريري يعني نبيه بري، ونبيه بري يعني سعد الحريري». وقال عن برّي: «إنه الشخص الوحيد الذي وقف إلى جانبي منذ اللحظة الأولى لتكليفي بتشكيل الحكومة؛ لم يتركني أبداً، ولم أسمع منه أو يُنقل عنه أي حرف أو كلمة توحي بأنه تخلى عني». وفي هذا الإطار، فسّرت أوساط سياسية كلام الحريري وكأنه «موجّه ضد وليد جنبلاط، لأن الحريري يعتبر أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لم يقف إلى جانبه كما ينبغي».
في جميع الأحوال، يُمكن تلخيص حصيلة الأسبوع الماضي بتأكيد أن البلاد ستكون على موعد مع أسابيع ملتهبة، وهناك خشية من أكثر من عامِل تقاطعت عندَ رسم أفق قاتِم: استعصاء الولادة الحكومية. تجدد الانقسام الحاد بين بري - الحريري من جهة وعون وباسيل من جهة أخرى، بعدَ أن حاول رئيس المجلس أن يلعب مؤخراً دور الوسيط. موقف حزب الله الذي على ما يبدو أنه سيكون محرجاً ما بينَ ضغط بري و«عناد» باسيل، فضلاً عن ارتفاع منسوب الغضب في الشارع على وهج استمرار الدولار بالتحليق فوق عتبة 15 ألف ليرة في السوق، ومعه أسعار غالبية السلع، مع احتمالية انفجاره قريباً.
"الجمهورية": إتصالات ومشاورات في كل الإتجاهات
وبحسب "الجمهورية".. للمرة الأولى منذ تكليف الرئيس سعد الحريري يتقدّم خيار الاعتذار على خيار الاستمرار في التكليف، وبدأ النقاش الجدّي في إيجابيات كل من الخيارين وسلبياته، خصوصاً مع وصول معظم المعنيين إلى إقتناع بأنّ العهد يفضِّل استمرار الفراغ مع حكومة تصريف الأعمال على تأليف حكومة مع الحريري، وكل العِقد القديمة والمُحدَثة تؤكّد ان لا رغبة في تأليف حكومة، وانّ الرئيس المكلّف أمام خيارين: الاستمرار في التكليف على رغم ضغط الوضع المالي والشعبي والسياسي والمرشّح إلى التصاعد مع تفاقم الأزمة المالية، او الاعتذار وترك العهد يتخبّط بأزمته ويتحمّل مسؤولياته، لأنّه حاول الخروج من هذه الأزمة من خلال الحكومة المستقيلة وفشل، واي محاولة جديدة لن تختلف عن سابقاتها. ولكن، في مقابل هذين الخيارين، سادت امس معطيات عن احتمال انكشاح العراقيل، بما يؤدي الى ولادة الحكومة هذا الاسبوع. وذلك في ضوء اتصالات ومشاورات ناشطة يجريها رئيس مجلس النواب نبيه بري في كل الاتجاهات.
يتعامل الحريري مع خياري الاستمرار او الاعتذار على انّهما ليسا ملكه وحده، ولن يلجأ إلى الاعتذار قبل التشاور مع حلفائه، وفي طليعتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، لأنّ لكل خيار تداعياته السياسية في موازاة الوضع المالي الحرج جداً، وذلك في ظل وجود وجهة نظر لا تحبِّذ ان يضع العهد يده على آخر حكومة في ولايته، ويواصل من خلالها إمساكه بمفاصل السلطة بعد انتهاء هذه الولاية، الأمر الذي يجعله في موقع القادر على ابتزاز الجميع ومقايضتهم، ويتحوّل سلطة القرار الوحيدة في البلد، ومن هنا أهمية التأليف مع الحريري لإدارة مرحلة الفراغ الرئاسية، التي تؤكّد كل المؤشرات انّها طويلة ومتشعبة.
فالتأليف لا يصطدم فقط في عِقَد الحقائب والتسميات والتوازنات، إنما يصطدم في شكل أساسي بدور هذه الحكومة في ثلاث محطات أساسية:
ـ دورها أولاً في الانتخابات النيابية في حال حصولها ولَم تؤجّل.
ـ دورها ثانياً في الانتخابات الرئاسية في حال استمرت بفعل التمديد النيابي.
ـ دورها ثالثاً في مرحلة الفراغ الرئاسي وانتقال السلطات التنفيذية إليها.
ويُضاف دور رابع له علاقة بالإصلاحات والخطوات التي ستعتمدها الحكومة.
ومن هنا أهمية الحكومة العتيدة التي لا يمكن ان تؤلّف من دون اتفاق سياسي على دورها، ومن دون لقاء يجمع الرئيس المكلّف ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ولكن الحريري ليس في وارد اللقاء مع باسيل ولا إبرام تسوية معه حول دور الحكومة العتيدة في الاستحقاقات الدستورية التي يعتبرها باسيل مفصلية لمستقبله السياسي. ولذلك، إما ان يستمر الفراغ مع كل انعكاساته السلبية مالياً وشعبياً، وإما ان يعتذر الحريري، فاتحاً الباب أمام مرحلة جديدة إن في دوره، او في مسار الحكومة.
هذا الاسبوع
وفي هذه الاثناء، قالت مصادر قريبة من الحريري لـ«الجمهورية» أمس، انّه خلافاً لما يُشاع، فإنّ الرجل ليس في وارد الاعتذار، وانه يعوّل على المساعي التي يبذلها رئيس مجلس النواب، والتي ستنشط اليوم، من اجل تذليل العقَِد التي تعترض ولادة الحكومة، خصوصاً لجهة تسمية الوزيرين المسيحيين، ومنح تكتل «لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل الثقة للحكومة.
واكّدت هذه المصادر، انّ الحكومة ستصدر مراسيمها هذا الاسبوع، وعلى الارجح بعد غد الاربعاء. وخصوصاً بعدما تبين للمعنيين انّ اعتذار الحريري سيزيد الاوضاع السياسية تعقيداً، وستنعكس سلباً على العلاقات بين مختلف القوى المعنية بالاستحقاق الحكومي، وكذلك سيزيد الازمة الاقتصادية والمالية تدهوراً.
وتعليقاً على محاولات دفع الحريري الى الاعتذار، قال بري لـ«الجمهورية»: «من هو البديل عنه؟ هل لديهم بديل مقنع وحقيقي قادر على مواجهة تداعيات الازمة الاقتصادية والاجتماعية ومخاطر الانهيار؟».
ولفت بري الى «انّ مسألة تغيير الرئيس المكلّف هي أكثر تعقيداً مما يفترض البعض»، مضيفاً: «عليهم ان يقنعوني بالبديل، ويقنعوا أيضاً الأخ السيد حسن نصرالله والمجلس الشرعي الإسلامي والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ونائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي».
وأكّد بري انّ مبادرته ستستمر، مشدّداً على أنّ «لا خيار سواها. وبالتالي انا متمسك بها».
تريث
ولكن في رواية أخرى، قالت مصادر مطلعة، انّه على مسافة أيام قليلة من الحديث عن إمكان اعتذار الحريري، فرملت أحداث ليل الجمعة ـ السبت ويوم السبت الخطوة من دون ان تلغيها. فبعد تمني بري بداية ليل الجمعة على الحريري تأجيل خطوته الحاسمة لثلاثة ايام، تلاحقت المواقف التي تناغمت مع هذه الرغبة من دون اي تنسيق مسبق.
وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية»، انّ ما شهده اجتماع المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وحضور الحريري، شكّل محطة إضافية لدعوة الحريري الى التريث في خطوة اعتذاره قبل الإعلان عن انتهاء مبادرة بري. فبعد ساعة ونصف الساعة على المناقشات التي تلت مداخلة الحريري، الذي استهل بها اللقاء بعد كلمة للمفتي دريان وشرحه للظروف التي املت مشاركة الحريري فيه شخصياً، انتهت الى فرملة خطوات الرئيس المكلّف من دون ان تلغيها نهائياً، وهو ما تجدّد في اللقاء الذي جمعه في «بيت الوسط» بعد ظهر اليوم عينه مع رؤساء الحكومات السابقين.
خطوات مشتركة
وفي معلومات «الجمهورية»، انّ الاتصالات لم تتوقف في الساعات الماضية بين «بيت الوسط» و«عين التينة». ولا يُستبعد ان يُعقد اجتماع بين بري والحريري في الساعات المقبلة، يمكن ان يشكّل بوصلة المرحلة المقبلة، وخصوصاً انّ هناك من يتحدث عن سيناريو التزامن بين إعلان بري انتهاء مبادرته ويلاقيه الحريري باعتذاره في اول ترجمة لها.
لقاء دار الفتوى
واستند اصحاب هذا السيناريو الى مضمون كلمة الحريري في اجتماع المجلس الشرعي، حيث شدّد على «أنّ كل الخيارات مطروحة على الطاولة، وأنّه لن ينفرد باتخاذ أي خيار من هذه الخيارات، سواء باستمراره في مهمته التي استمدها من البرلمان، أو بالاعتذار عن التأليف من دون العودة إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري والمجلس الشرعي الإسلامي ورؤساء الحكومات السابقين»...
وما شجع على هذا الاعتقاد، انّ الحريري افاض في حديثه عن التعاون مع بري لمواجهة سلسلة العراقيل التي يمكن ان تنهي مبادرته، لتلقى مصير المبادرات السابقة، حتى تلك التي حملتها الديبلوماسية الفرنسية على مدى الأشهر الثمانية الماضية. فهو اكّد في اللقاء عينه على انّ بري هو «الشخص الوحيد الذي وقف إلى جانبي منذ اللحظة الأولى لتكليفي بتشكيل الحكومة؛ لم يتركني أبداً، ولم أسمع منه أو يُنقل عنه أي حرف أو كلمة توحي بأنّه تخلّى عني». كما لفت الى لقاء قريب معه لاستعراض المراحل السابقة التي جعلته يتراجع عن تركيبة الـ 18 وزيراً الى الـ 24، بهدف تذليل العقبات، ولكن ما طرحه باسيل من شروط لاحقاً أدّت الى ما نحن فيه اليوم».
وانتهى الحريري في مداخلته الى التحذير مما يمكن ان تصل اليه البلاد، وسط استعدادات لمعارضيه، اعاقوا تشكيل حكومة «تحاكي مطالب المجتمع الدولي وخريطة الطريق الى اعادة الاعمار والإنقاذ»، بأنّهم يسعون الى تحميله المسؤولية، متناسين انّهم هم المسؤولون ومعهم حكومة تصريف الاعمال. واي محاولة لتحميل الرئيس المكلّف تشكيل حكومة لم تولد بعد، امر لا يستجدي الصدق والمنطق من اي مكان.
"البناء": اجتماع دار الفتوى وسجال باسيل – خليل يعقّدان المشهد الحكوميّ المعقّد
المشهد الحكومي المعقد الى المزيد من التعقيد، بعد اجتماع دار الفتوى الذي رسم إطاراً مذهبيا لموقع رئاسة الحكومة وربط به أي تكليف وتأليف، وما أشيع عن نيات الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري الذهاب للاعتذار عن تأليف الحكومة، ثم تراجعه نزولاً عند رغبة رئيس مجلس النواب نبيه بري، بينما رأت مصادر سياسية في الاجتماع وما رافقه من حشد لخطباء الجمعة والمجلس الشرعي للطائفة رسالة للسعوديّة بمثل ما هي رسالة لرئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسيّ عنوانها، أن الحريري مرشح وحيد لرئاسة الحكومة، وجاء السجال بين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل ليزيد على التعقيد تعقيداً، ما استدعى من رئيس مجلس النواب تمديد المهل أملاً باستعادة مناخ التهدئة لاستئناف مساعيه.
على المستوى المالي تجاوز سعر صرف الدولار الـ 15000 ليرة، بينما بقيت المنصة التي أعلن عنها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حبراً على ورق، وفي ظل انفراجات مرتقبة في ملفات الكهرباء والمحروقات، تفاقمت أزمة فقدان الأدوية وحليب الأطفال من الصيدليات، بينما كان وزير الصحة حمد حسن الذي نجح بتنظيم مارتون التلقيح للمرة الثانية، قد نجح بمداهمات لمستودعات معدّات طبية أظهر معها التسعير المتضمن أرباحاً فاحشة للتجار، وإخفائهم البضائع في مستودعاتهم.
طُويت صفحة اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري، بعدما روّجت أوساط مقربة للتيار الوطني الحر هذا الخبر مرفقة إياه بالترويج لاحتمال تكليف إحدى الشخصيات السنية الطرابلسية تأليف الحكومة، وفي المعلومات فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري تمنى على الحريري عدم الاعتذار عن التأليف خاصة أنه مستمر في مبادرته التي يأمل أن تصل الى خواتيم سعيدة. وبحسب معلومات «البناء»، فإن الرئيس بري لن يقف مكتوفي الأيدي، ففي حال استجاب المعرقلون لمبادرته وجرى الاتفاق على تأليف حكومة برئاسة الحريري كان به وإن بقيت الأمور على ما هي عليه، فعندما سيضع رئيس المجلس الأمور عند نصابها خاصة وإن للصبر حدوداً. ولفتت المصادر الى ان التيار الوطني الحر وعلى عكس ما يصرّح رئيسه النائب جبران باسيل أنه جاهز للتعاون مع الرئيس الحريري، يتعاطى مواربة مع ملف التأليف ويواصل وضع العراقيل وطرح صيغ من شأنها أن تعطيه الثلث الضامن.
في المقابل، تؤكد اوساط التيار الوطني الحر لـ «البناء» ان النائب باسيل أعطى الرئيس المكلف الكثير من الفرص، مشيرة الى ان مواقف باسيل ورئيس الجمهورية في شأن التأليف تنطلق أولاً وأخيراً من ضرورة تطبيق الدستور وعدم تجاوزه واحترام الميثاقية والشراكة الوطنية التي للأسف يحاول الحريري مدعوماً من قوى سياسية تجاوزها والقفز فوقها وهذا ما لا يمكن السماح به.
أما على خط تيار المستقبل، فإن الأمور على حالها، وتشير إلى أن الرئيس المكلف لن يعتذر في الوقت الراهن لا سيما وأنه يحظى بغطاء سني واسع ومن ثنائي حزب الله وحركة أمل، لافتة إلى أن الحريري قدم كل ما لديه وأكثر وباتت الكرة في ملعب العهد الذي عليه أن يلاقي الرئيس الحريري ومبادرة الرئيس بري في منتصف الطريق بدل الاستمرار في سياسة المكابرة والتعديل التي تضرّ جميعاً. واعتبرت المصادر أن تيار المستقبل لن يقبل المسّ بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف معتبرة أن محاولات البعض اللعب على وتر النعرات الطائفية لن تنفع، فالجميع على دراية أن العهد لن يحقق أي إنجاز يبنى عليه في حين أن الأزمات من كل حدب وصوب والبلد يكاد يصل إلى الفوضى وهو يواصل النكايات السياسية ولا يريد تسهيل تأليف الحكومة إلا مقابل تسوية جديدة توصل باسيل إلى رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس عون.
وفيما وصل إلى بيروت الوسيط الأميركي John De Rosher امس، ليستأنف المحادثات المتصلة بمفاوضات الترسيم البحرية مع المعنيين بالملف، نصح مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق دايفيد شنكر لبنان أن يكون ليناً في ملف ترسيم الحدود. وأكد أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل «يريد الثلث المعطل لطموحات رئاسية وتحديداً ليعزز حظوظه للانتخابات الرئاسية المقبلة». وشدد شينكر أنه «يجب البدء بتشكيل حكومة في لبنان ويبدو أن لا نية لذلك، والبلاد اقتربت من الانهيار المحتم، والإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن أطلقت حملة عقوبات على الفساد لمكافحته، وآمل أن تفرضها على قادة فاسدين في لبنان». واشار الى أن «لبنان بوضع اقتصادي حرج وترسيم الحدود سيغيب أرباحاً ضخمة، وعلى ما يبدو أن السياسيين لم يروا مصلحة لهم لذلك لا يتساهلون بالمفاوضات».
ودعا البطريرك الماروني بشارة الراعي الدولة إلى التحرّك نحو الدول الشقيقةِ والصديقة وتتفاوض معها لمساعدةِ لبنان اليومَ قبل الغد. وقال: لقد حان الوقت لخروج الدولةِ من لعبةِ المحاورِ الإقليميّة، وتعيدَ النظرَ بخِياراتها التي أثبتَت التطوّراتُ أنّها لا تَصبُّ في مصلحةِ البلادِ والاستقلالِ والاستقرارِ والوِحدةِ والازدهار، وأنّها قَضَت على عَلاقاتِ لبنانَ العربيّةِ والدوليّة. لقد ضَربت هذه الجماعةُ السياسيّةُ سُمعةَ لبنان الدوليّة، فيما كان اسمُ لبنانَ رمزَ الإبداعِ والنهضةِ والازدهارِ في بلاد العربِ والعالم.
وأضاف هناكَ من يَمنعون تنفيذَ الحلولِ كما يمنعون تأليفَ الحكومة. هناك مَن يريدُ أن يُقفلَ البلاد ويَتسلَّمَ مفاتيحَه. هذه رهاناتٌ خاطئة، معتبراً أن لبنان يحتاج إلى قيادةٍ حكيمةٍ وشجاعةٍ ووطنيّة تُحبُّ شعبَها. وإذا لم تتوفّر هذه القيادة، فمسؤوليّةُ الشعبِ أن يَنتظمَ في حركةٍ اعتراضيّةٍ سلميّةٍ لإحداثِ التغييرِ المطلوب، ولاستعادةِ هوّيةِ لبنان وحياده الناشط ومكانه في منظومةِ الأمم، وصداقاته، والدورةِ الاقتصاديّةِ والحضاريّةِ العالمية، ودوره في الإبداع والسلام».
الى ذلك يبدأ اليوم توزيع المحروقات على كل المحطات بالتزامن مع اجتماع سيعقده موزّعو المحروقات اليوم للبحث في الحلول المطروحة لأزمة المحروقات.
وقال ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا إلى أنه: «على الدولة أن تحسم أمرها برفع الدعم أو ترشيده»، معتبراً أنهم «لم يعد باستطاعتهم كأصحاب محطات وموزعين تحمل هذه الأزمة أكثر من ذلك». وكان عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس تمنى أن يكون توزيع مادة البنزين اليوم الاثنين من قبل الشركات المستوردة الى السوق المحلي بكميات كافية لتباشر بتخفيف الطوابير امام المحطات للتوصل الى الانتهاء منها. ولكن يبقى المطلب الرئيسي ان تصل هذه الكميات فعلاً الى المحطات، لان البنزين لن يصل الى المواطن إلا من خلال المحطات. وطلب تأمين وصول هذه المادة الى محطات الأطراف وخاصة في الجنوب وعكار والبقاع المحرومين منها بالتوازي مع إجراءات صارمة للتأكد من وصول هذه الكميات الى خزانات المحطات وإلا لن نصل الى حل لهذه الأزمة.
"الديار": الرئيس الفرنسي يدرس آلية لضمان استمرار الخدمات العامة
وفي سياف متصل، فإن فرنسا وبعلاقاتها التاريخية والثقافية مع لبنان، تنظر بقلق إلى انسداد الأفق السياسية التي تمنع تشكيل حكومة والقيام بإصلاحات مُموّلة من المُجتمع الدولي، وبالتالي يأتي تحرّك الرئيس الفرنسي من منطلق هذا الدور التاريخي. ويعتبر إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤشراً خطراً لما ستؤول إليه الأمور في المرحلة المُقبلة مع تحرير كامل لسعر صرف الليرة مُقابل الدولار الأميركي – وهو ما يُسمّى بـ «رفع الدعم» – حيث من المتوقّع أن ترتفع الكلفة على المواطن اللبناني بشكل مُطرد ومعها سترتفع نسبة الفقر إلى 90% ويتأكد بذلك القضاء على الطبقة التي تقبع في الفقر المُدّقع! أضف إلى ذلك، قد تشهد المرحلة المقبلة تزايدا في رفض بعض المصارف المراسلة فتح إعتمادات للمصارف اللبنانية لأسباب مالية (تراجع الكتلة النقدية بالدولار الأميركي) أو سياسية (ضغوطات خارجية).
في خضم هذه الصورة القاتمة، السؤال المطروح هو: ما هي الآلية المالية التي يعمل عليها الرئيس الفرنسي مع شركاء دوليين لضمان استمرار تأمين الخدمات العامّة؟
عمليًا فرنسا وشركاؤها الدوليون، سيقومن بعملية «دعم» بكل ما للكلمة من معنى، أي سيدفعون من موازنات دولهم لمساعدة المواطنين اللبنانيين في الحصول على الخدمات الأساسية وعلى رأسها المواد الغذائية، الأدوية، الكهرباء والمحروقات. لكن السؤال: ألن يقوم التجّار بتهريب المواد كما يفعلون الآن؟
بالطبع أثبت التجّار جشعهم المُفرط مع غياب المحاسبة (إهمالاً أو تواطؤاً) حيث أظهرت المداهمة التي قام بها وزير الصحّة أن تجار المُستلزمات الطبية يشترون مثلا قطعة مُعينة بسعر 27 دولارا أميركيا ويبيعونها بسعر 600 دولار أميركي وهو ما يُمثل أكثر من 2000% أرباحًاعن غير وجه حق! هذه النسبة هي قبل احتساب أرباح فروقات سعر الصرف على سعر السوق ناهيك بالتهرّب الضريبي المتمثّل بقبض الثمن نقدًا وهو ما لا يُمكن لوزارة المال كشفه! مثال أخر صارخ لغياب المحاسبة والرقابة على عمل التجار، الاتهام الذي وجّهه مصرف لبنان لأحد مستوردي المحروقات بقبضه 28 مليون دولار أميركي لاستيراد محروقات لم تصل حتى الساعة إلى لبنان.
بالطبع، فرنسا والشركاء الدوليون يعرفون كل هذه الألاعيب، وبالتالي لن تُعطى الأموال للتجّار بحكم أنهم فشلوا فشلا كاملا وخانوا ثقة الشعب والمُجتمع الدولي. من هذا المُنطلق تعمل فرنسا على آلية تسمح بإيصال الخدمات للشعب اللبناني من دون المرور بالطريق التقليدي. وباعتقادنا، إن هذه الآلية قد تكون من الأمور التي تمّ طرحها مع قائد الجيش العماد جوزف عون خلال زيارته الأخيرة لفرنسا، نظرًا إلى الثقة الدولية بالجيش حيث سيكون له دور محوري في المرحلة المُقبلة.
إقتراح لألية دعم خارجية
أظهرت التجربة الماضية أن التهريب شمل 50 إلى 70% من الدعم الذي قدّمه مصرف لبنان للتجّار! أضف إلى ذلك أن هؤلاء قاموا ببيع السلع والبضائع الباقية على سعر دولار السوق السوداء وأحيانًا أعلى من سعر السوق السوداء (حالة السوبرماركات التي كانت تبيع على سعر 14500 في حين أن السعر في السوق كان 12000 ليرة للدولار الواحد والمواد المدعومة كانت على سعر 3900 ليرة للدولار الواحد!). هذا الأمر شمل بالتحديد المواد الغذائية والمُستلزمات الطبّية. أما في ما يخص المحروقات والأدوية في الصيدليات، وبسبب فرض سعر رسمي، فقد قام التجّار بتهريب قسم كبير منها أو احتكارها لحين إرتفاع الأسعار من جديد.
إذًا هناك قيود يتوجّب فرضها على الآلية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولا – تخصيص المواطنين اللبنانيين بهذا الدعم من خلال منصّة يتمّ تسجيل العمليات عليها وتسمح بمُعدّل استهلاكي لكل عائلة من المواد الغذائية الأساسية والمحروقات، والأدوية، والكهرباء. هذا الأمر ليس بعنصرية ضد أي نازح أو لاجئ لكون النازحين واللاجئين على الأرض اللبنانية يستفيدون من برامج دعم دولية، سيما أن إحصاء هذه الأعداد ورصد المعونات إليهم من صلب عمل هذه الجمعيات من جهة، ومن جهة أخرى لتجنب ازدواجية الاستفادة لدى هؤلاء بحيث يصير النزوح عملية ربحية لا حاجة إنسانية؛
ثانيًا – يتمّ الدفع للتجّار على أساس حجم السلع والبضائع المدعومة التي تمّ شراؤها وطرحها في الأسواق خلال الشهر؛
ثالثًا – توقّع المتاجر المُهتمّة ببيع المواد المدعومة عقدًا مع الجيش يتمّ على أساسه الإشتراك بالمنصّة وتسمح بتسجيل العملية عند حصولها؛
رابعًا –تجري مواكبة السلع والبضائع المدعومة من قبل غرفة مُشتركة بين الجيش والأجهزة الأمنية على أن يتمّ التأكّد من عدم وجود احتكار وتهريب؛
خامسًا – يتمّ تحويل الأموال إلى التاجر من خلال مصرف لبنان ومصرف التاجر؛
سادسًا – تُنشأ وحدة خاصة مُشتركة بين الجيش ومصرف لبنان تكون مُهمّتها مراقبة عمل المنصة وإجراء المُقتضى في حال المُخالفة؛
هذه الإجراءات الأولية تسمح بإيصال المواد الغذائية، والأدوية، والمُستلزمات الطبّية، والمحروقات، والكهرباء إلى اللبنانيين بحدّها الأدنى دون السماح للتجّار بالإحتكار أو التهريب تحت رقابة وطيدة من قبل الجيش اللبناني.
ويبقى السؤال الأهم في هذه العُسرة: ماذا ستكون ردة فعل أهل السلطة إذا ما تم تطبيق هذه الإجراءات؟ وهل سيبقى توظيفهم في الدولة اللبنانية نافذا، وعلى أي أساس؟ وما حكم رواتبهم ومخصصاتهم العالية غير المنتِجة؟
إقرأ المزيد في: لبنان
22/11/2024