نقاط على الحروف
الحرب الأهلية: حنين من طرف واحد
ليلى عماشا
لم يغادر طيف الحرب الأهلية ذاكرة اللبنانيين بعد، فالمشاهد المهولة تأخذ حيّزًا واسعًا من حكايات الناس، من ذكرياتهم، من طريقتهم في قراءة الأحداث الحالية. المجازر، قصص النجاة من القتل على حواجز الهوية، وتلك التي تحكي فظاعة موت من لم تُكتب له النجاة، الخطف والتعذيب، التهجير، سرقة الأرزاق والبيوت، وكثير من الويلات لم يتسنَّ لها أن تدخل بعد طيّ النسيان. ليس لتعلّق الناس بها، وإنّما لأن ثمّة من يصرّ على التصرّف بحنين إلى أيّام كان فيها قادرًا على دخول البيوت التي تخالفه وقتل أهلها، وثمّة من لم يقتنع بعد أنّ الزمان تغيّر وأنّ زعامته المبنية فوق أطنان من الجثث والدم والنفايات السامة لا يناسبها كلّ ما يشير إلى السلم الأهلي، ولأن ثمّة من يحاول استعادة هذا الزمان المرّ وإحياءه في كلّ مناسبة، غافلًا عن حقيقتين ساطعتين، أولاهما أنّ السعي الأميركي الذي يوظفه فشل في جرّ البلاد إلى معارك أهلية رغم استنزافه كل أوراق تظهير المشهد الخلافي كمشهد مذهبيّ أو طائفيّ، وما عحزت عنه مساعي رأس الأفعى لن يتحقّق بمساعي الذيل، وثانيتهما أنّ هذا الذيل غارق اليوم في عجز يجعل "أعلى ما بخيله" هو ارتكاب جرائم الغدر المتفرّقة ليستدرج ردًّا مشابهًا.
كثيرًا ما يتساءل اللبنانيون، ماذا لو كانت القوة العسكرية التي يمتلكها حزب الله بيد أيّ مكوّن من مكوّنات أحزاب الحنين إلى الحرب الأهلية؟
الإجابات مرعبة والاحتمالات كثيرة. فهؤلاء الذين يسوؤهم اليوم أنّ الحزب مجهّز بكل الأسلحة المناسبة لمواجهة العدو الاسرائيلي، يتحسّرون على أيّام امتلكوا فيها سلاحًا متطوّرًا بالتعاون المباشر والعلنيّ مع حليفهم الإسرائيلي، وما زالوا إلى اليوم يطالبونه بالتدخّل أو على الأقل يلوّحون باستعدادهم لتلقّي مساعدته لمواجهة حزب الله، أي يبدون استعدادًا لإشعال حرب أهلية جديدة، دفاعًا عن مشروعهم القديم المتجدّد والساقط منذ سنين طويلة: المشروع الصهيوني في لبنان!
هم يؤدون دورهم الوظيفي تمامًا كما في أيام الحرب، وإن صعّب السلم الأهلي القائم عليهم مهامهم وأصابهم بخيبات متتالية: هم عاجزون اليوم عن صناعة مشهد ١٩٧٥ جديد رغم التقاطعات الكثيرة بين اليوم وأوائل السبعينيات، والسبب في ذلك هو وجود قوّة وازنة تمتلك ما يكفي من الأخلاق كي لا تسمح بالدم في الشوارع، وما يكفي من الجهوزية الحكيمة التي تردع بسرعة كلّ هذه المحاولات بالتوازي مع عضّها على الجراح المتفرّقة لمنع انزلاق الوضع إلى حرب أهلية أو حتى مواجهات أهلية جديدة، لا سيّما مع مساعي عالم الشرّ كلّه لمذهبة الصراع السياسي والأخلاقي القائم منذ نشأة لبنان.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024