آراء وتحليلات
هل تنجح واشنطن بتمديد حظر الأسلحة على إيران؟
شارل ابي نادر
"إن كلام وزير الخارجية الأميركية بأن واشنطن لا تعتزم تنفيذ الالتزامات الواردة في الاتفاق النووي بل تريد الاستفادة من حقوقها في القرار 2231، هو في الواقع كلام غير مسؤول ومثير للسخرية". قد يكون هذا التصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأكثر تعبيرًا عن المحاولات الاميركية غير المنطقية وغير القانونية في طرحها مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي، يتعلق بتمديد حظر الأسلحة على ايران.
فالقرار 2231 والذي صدر عن مجلس الامن بالاجماع في 20 تموز عام 2015، أكد ابرام خطة العمل المشتركة والمتعلقة بالمسألة النووية الايرانية (الاتفاق النووي الايراني)، بالاضافة الى تأكيده على اعتماد آلية عقابية على كل دولة في حال اخلالها بالتزاماتها المنصوص عنها في الاتفاق.
من خلال متابعة سلوك واشنطن في مقاربة الاتفاق النووي مع ايران، والذي يرعاه القرار 2231 المذكور، يمكن القول إن ادارة الرئيس ترامب تتعامل مع القانون الدولي بطريقة غريبة، لم تعتمدها اية دولة منذ تأسيس المنظمات الاممية، فهي من جهة تضرب بعرض الحائط القرارات الدولية وتتجاوز التزاماتها بها، ومن جهة أخرى تريد أن تطبق هذه القرارات، ولكن ليس عليها بل على الأطراف الأخرى، وعليه جاء تصوير وزير خارجية روسيا للأمر بهذه الطريقة غير المألوفة بين الدول الكبرى.
في الواقع، ليست المرة الأولى ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، التي تتجاوز فيها واشنطن أي اتفاق ذو طابع دولي، ولكن، من غير المنطقي أن يكون هذا التصرف الأميركي مبنيًا على مناورة مبيتة، ترمي من ورائها واشنطن لتحقيق أهداف أو مصالح معينة. فالى ماذا تهدف من طرحها اليوم لمشروع القرار الرامي الى تمديد حظر الأسلحة على ايران في الوقت الذي تعلم فيه أنه سيكون هناك حكمًا فيتو روسي أو صيني أو الاثنين معًا؟ خاصة وأنها قد انسحبت من الاتفاق النووي والذي يرعاه القرار الدولي 2231، والذي تستند عليه في طرحها مشروع القرار المذكور.
عندما انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي مع ايران، لم تفعل ذلك لأن الأخيرة خالفت أي بند من التزاماتها بالاتفاق، بل كانت حجة الرئيس ترامب حينها، بأن طهران قد خالفت روح الاتفاق لناحية تطوير القدرات الصاروخية الباليستية، والتي اعتبرتها في مكان ما، ذات قدرة تأثير عسكرية وردعية، توازي أو تضاهي تلك الناتجة عن امتلاك سلاح نووي، ومن هنا بنت واشنطن أسس مشروعها المقترح لتمديد حظر الاسلحة على ايران، من خلال اعتبارها ان عودة استيراد ايران للأسلحة النوعية، أو للتجهيزات المكملة لهذه الأسلحة، سوف يقوي حتمًا موقع الأخيرة لناحية القدرات الردعية الاستراتيجية.
من ناحية أخرى، من الطبيعي أن ايران، وبعد السماح لها باستيراد الأسلحة وتجهيزاتها، سوف تكون كل من روسيا والصين الموردان الرئيسان لتلك التجهيزات، وهناك أكثر من مثال على ذلك، ومنها، تقنيات منظومة الدفاع الجوي الايرانية "باور 373 الصاروخية"، والتي تتشابه الى حد بعيد وتتفوق ربما في مميزاتها وامكاناتها على المنظومة الروسية المماثلة اس - 300، ومنها أيضًا، تقنيات الصاروخ ساحل - بحر "نور" الايراني، والمشابه للصاروخ البحري الصيني سي- 802، والذي استهدف حزبُ الله بصاروخ شبيه له، البارجة الاسرائيلية ساعر اثناء العدوان على لبنان عام 2006.
من هنا، وحيث هناك أكثر من مثال عن امكانية استفادة ايران من تقنيات وتجهيزات عسكرية لتطوير قدراتها واسلحتها النوعية، والتي سوف ترفع من مستوى قدرتها الردعية الاستراتيجية، جاء الطرح الاميركي لعرقلة اية امكانية لايران نحو تطويرهذه القدرات.
هذا لناحية استهداف واشنطن للقدرات الايرانية، ولكن، يحمل مشروع القرار الأميركي ايضًا استهدافًا مباشرًا لكل من الصين وروسيا، لناحية تجارة توريد الأسلحة، والتي تعتمد عليها روسيا بشكل كبير، خاصة أنها الآن تعاني من انخفاض في تمويل موازنتها جراء انخفاض سعر النفط، كما ان الصين تعتمد على هذا الموضوع ( توريد الاسلحة ) من ضمن مروحة واسعة من الصادرات الصناعية.
انطلاقًا اذن من مصلحة روسيا والصين في تطبيق القرار 223 لناحية انهاء حظر توريد الاسلحة لايران (ينتهي الحظر في 18 اكتوبر 2020)، بالاضافة الى موقف الدولتين المبدئي حول عدم الغاء الاتفاق النووي مع الأخيرة.
وحيث أن هناك "فيتو" مزدوج (روسي - صيني) مؤكد، ينتظر مشروع القرار الاميريكي المذكور، وواشنطن طبعًا تتوقع ذلك.
وحيث يُعتبر الاميركيون قد فشلوا في مناروة الانسحاب من الاتفاق النووي، لناحية عدم قدرتهم على فرض انسحاب الدول الأخرى منه، أو لناحية عدم خضوع ايران للضغط وثباتها على كافة مواقفها التي استُهدفت بها، وخاصة المتعلقة بموضوع الصراع مع العدو الاسرائيلي او بموضوع موقف وموقع كافة أطراف محور المقاومة.
فمن الطبيعي أن واشنطن، ومن خلال طرح مشروع القرار المذكور، تعمل على مناورة أخرى، يمكن تلمس عناصرها كالتالي:
- في إثارة الموضوع اليوم، وعبر اشتباك ديبلوماسي دولي بمستوى مرتفع من التشنج، وكلام وزير الخارجية الروسي، خير دليل على ذلك، تكون واشنطن قد أعادت الى ملعب التفاوض والمباحثات، ملفًا مرتبطًا بشكل مباشر بالاتفاق النووي مع ايران، تعيد طرحه للتفاوض مع كل من روسيا والصين، المعنيتان الرئيستان بالموضوع، غير ايران طبعا.
- ايضا في اثارة الموضوع تحت عنوان حظر توريد الاسلحة وتجهيزاتها لايران، تكون واشنطن قد أعادت ربط النزاع بموضوع التفاوض حول الصواريخ الباليستية الايرانية، والتي سيكون لها حتما، حصة وافرة من الجزئيات أو التجهيزات المرتقب استيرادها من روسيا أو من الصين.
وتكون بذلك واشنطن، قد خلقت ثغرة ديبلوماسية وسياسية، سوف تستغلها لإعادة البحث في موضوع الاتفاق النووي مع ايران.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024