آراء وتحليلات
تداعيات "اشتعال" أسعار المحروقات: أين بدائل رفع الدعم؟
د. محمود جباعي
استفاق الشعب اللبناني الاربعاء على ارتفاع كبير في أسعار المحروقات حيث ارتفع سعر صفيحة البنزين 30%، ليصبح سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان 302700 ليرة بزيادة وصلت الى 59000 ليرة، وسعر صفيحة البنزين 98 أوكتان 312700 ليرة بزيادة وصلت الى 62000 ليرة. من الناحية العملية إن رفع الدعم المطلق اصبح واقعًا وهذا ما كان متوقعًا بعد عامين من استنزاف ودائع اللبنانيين من دون جدوى، ولكن الصادم في هذا المجال هو عدم ايجاد أي بديل للمواطنين.
من الطبيعي عندما تقوم دولة ما باتخاذ قرارات تقشفية تشكل خطرًا كبيرًا على حياة شعبها أن تسعى الى تأمين بدائل عملية ووقائية تساهم في تخفيف حدة المخاطر الناتجة عن اتخاذ هكذا قرارات من أجل حماية الطبقتين الوسطى والدنيا. لكن في لبنان لا سلطة تسمع ولا زعماء يأبهون بحياة المواطنين لأن كل همهم هو مصلحة فئات رؤوس الأموال الذين يشكلون الجزء الأكبر منها. أما الشعب فهو آخر أولوياتهم واهتماماتهم لمعرفتهم المسبقة أنهم يستطيعون السيطرة عليه بشحن طائفي من هنا وعبارات رنانة من هناك "وبالاخر ما بتروح الّا على الفقير".
أين البدائل عن رفع الدعم؟
تغنت السلطة السياسية في الفترة الماضية بانجاز وهمي صوّرته للطبقات الفقيرة على أنه حبل الخلاص من الأزمة المعيشية ألا وهو البطاقة التمويلية. ولكن على مثال كل وعودهم الكاذبة لم تبصر هذه البطاقة النور بانتظار استعمالها في الوقت المناسب أي قبل الانتخابات النيابية بفترة معينة علها تكسبهم بعض الأصوات النيابية غير آبهين بوجع الناس اليومي ومعاناتهم المعيشية.
كيف تسمح سلطة لنفسها أن تقتل شعبها خدمةً لأصحاب الكارتيلات. لماذا الى اليوم لم تأخذ هذه السلطة أي قرار يسمح بتوسيع المنافسة في الاستيراد؟ علمًا أن ذلك كفيل بتخفيض الأسعار بنسبة لا تقل عن 30 بالمئة. أين السلطة من العروض الخارجية في مجالات الطاقة والمحروقات والتي من شأنها أن تقدم بديلًا عمليًا ومقبول للشعب اللبناني.
نتائج اشتعال أسعار المحروقات
الحد الأدنى للأجور يبلغ 675000 ليرة أي ما يعادل 33 دولارًا تقريبًا وثمن صفيحة البنزين 16 دولارًا وقارورة الغاز 12 دولارًا بما يعني أن الباقي هو 4 دولارات، على المواطن أن يوزعها على باقي حاجاته الشهرية. وإذا افترضنا أن المعدل الوسطي لأجور الموظفين في القطاعين العام والخاص هو مليونا ليرة شهريًا، أي ما يعادل 100 دولار أميركي تقريبًا، فهذا يعني أن راتبه سيكفيه فقط لتعبئة 6 صفائح بنزين يحتاجها بالحد الادنى للذهاب الى عمله شهريًا دون احتساب باقي الحاجات لأنه أيضًا سيتبقى له 4 دولارات عليه أن يقسمها على شراء الامور الاخرى.
هذه المقاربة البسيطة توضح لنا حجم الكارثة القادمة إذا لم تجد السلطة بديلًا عمليًا وسريعًا لدعم الطبقتين الوسطى والدنيا.
اذاً اليوم أصبحت كلفة الحياة في لبنان لعائلة صغيرة لا تقل عن 10 ملايين ليرة شهريًا أي ما يعادل 500 دولار أميركي بينما معظم العاملين في القطاعين العام والخاص ويتقاضون بالليرة اللبنانية لا يزيد راتبهم عن 5 ملايين ليرة كحد أقصى. علمًا أن معظمهم يتقاضون رواتب أقل من 3 ملايين ليرة ونسبة ليست بالقليلة منهم لا يزالون يتقاضون رواتب أقل من مليوني ليرة.
الحلول الممكنة
رغم حجم الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد إلا أنه يمكن للقوى السياسية أن تأخذ خطوات سريعة من أجل التخفيف من حدة الازمة المعيشية الناتجة عن اشتعال اسعار المحروقات، وهذه الاجراءات يمكن تلخيصها بما يلي:
1- الاسراع بتفعيل البطاقة التمويلية لكل من يحتاجها من الشعب اللبناني مع اجراء تعديلات عليها تضمن عملية وصولها لمن يستحقها.
2- فتح الأسواق على المنافسة من خلال الغاء الوكالات الحصرية مما سيؤدي حتمًا الى انخفاض الأسعار بعد توسيع دائرة الاستيراد دون قيود.
3- تخفيض الدولة الضريبة على المحروقات وكذلك تخفيض نسبة أرباح الشركات المستوردة.
4- اقرار بطاقة تموينية مختصة بتأمين المحروقات بأسعار مدعومة للموظفين بحسب حاجات كل موظف.
5- دعم النقل العام وتفعيله بما تيسر حتى انشاء شبكة مواصلات حديثة.
6- دعم السائقين العموميين وتسليمهم صفائح المحروقات بأسعار مدعومة وذلك من أجل تخفيض تسعيرة النقل على المواطنين.
المواطنون اللبنانيون باتوا اليوم في وضع مأساوي لا يمكن لأغلبهم تحمل مشقته، لذلك أصبح لزامًا على كل من لديه حس الوطنية في هذا البلد السعي بجدية لايجاد حلول سريعة، والتي نرى أنها موجودة في معظم العروض الخارجية المقدمة للبنان وإلا سوف ينتهي بنا المطاف جميعًا الى كارثة معيشية واجتماعية لن تحمد عقباها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024