آراء وتحليلات
العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا: عمليات الدونباس وتحرير بلدة أُودي في خاركوف
عمر معربوني | باحث في الشؤون العسكرية والسياسية .
ـ مواضيع العرض | لماذا استعاد الجيش الروسي السيطرة على بلدة "أُودي"؟
ـ ما هي أهمية تحرير بلدة "بيسكي" في دونيتسك؟
شهد الأسبوع الفائت عمليات تقدم ملموسة للجيش الروسي في مقاطعتي خاركوف ودونيتسك، وعلى الرغم من تباطوء العمليات الاّ انّ تحرير المنطقتين يشكّل نقلة مهمة في اتجاهين :
الإتجاه الأول: ميداني بحت ويرتبط بجبهة دونيتسك بشكل مباشر والذي تمثّل بتحرير بلدة "بيسكي" غرب مدينة دونيتسك.
الإتجاه الثاني: لوجستي ويهدف الى حماية نقاط التجمع وخطوط الإمداد والذي تمثّل باستعادة وتحرير بلدة "أُودي" شمال غرب مدينة خاركوف وهي من المناطق التي انسحبت منها القوات الروسية بعد التوصل الى اتفاق لم يُنّفذ الا من الجانب الروسي في تركيا.
مسألة أخرى مستجدة وتتمثل بتنامي العمليات التخريبية للإستخبارات الأوكرانية والذي يمكن القول انه على الرغم من اكتشاف أغلب العمليات الاّ ان الإستخبارات الأوكرانية تحقق بين الفينة والفينة اختراقات لم تؤثر حتى اللحظة في مسار العملية العسكرية ولكن يمكن وصفها بعمليات التشويش على إنجازات العملية.
تحرير بلدة "أُودي"
تقع البلدة شمال غرب مدينة خاركوف وتبعد عنها مسافة 40 كلم كما تبعد البلدة 36 كلم عن مشارف مدينة "بيلغورود" الروسية والتي تُعتبر من أهم نقاط التجمع والإمداد للوحدات الروسية التي تقاتل في الدونباس.
في بدايات العملية الروسية كانت بلدة "أُودي" ضمن نطاق سيطرة الجيش الروسي لكن وحدات الجيش الروسي انسحبت منها كما انسحبت من مناطق واسعة في مقاطعة خاركوف وسومي وتشيرنيغوف وكييف بعد التوصل في تركيا الى شبه اتفاق تراجعت عنه كييف.
وعلى الرغم من إرساء الجيش الروسي لمعادلة قصف مراكز القرار الأوكرانية في حال تعرض الأراضي الروسية لقصف اوكراني اتبعت كييف سياسة القصف المتقطع على البلدات الروسية القريبة من خط الحدود والتي تشكل نقاط تجمع ومرور لوحدات الجيش الروسي.
انطلاقاً من هذه التهديدات استعاد الجيش الروسي السيطرة على البلدة لتأمين نطاق آمان لحركة وحداته بالقرب من خط الحدود الروسية ـ الأوكرانية واستعادة قاعدة ارتكاز مهمة في حال اتخاذ القرار بتطوير العمليات مستقبلاً في مقاطعة خاركوف وهو أمر حتمي بالنظر الى التصريحات الصادرة من رئيسي جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك وتصريحات العديد من المسؤولين الروس، خصوصاً ان بلدة أُودي تقع في منطقة مهمة لتنفيذ أي عمليات مستقبلية.
ـ بالنسبة لعمليات قوس الدونباس والتي باتت محصورة بجمهورية دونيتسك بعد تحرير كامل أراضي جمهورية لوغانسك والتي يمكن وصفها بالعمليات البطيئة لكن المجدية، فبلدة "بيسكي" التي حرّرتها القوات المشتركة كانت من اهم المواقع المحصّنة والتي كانت تضم عدداً كبيراً من بطاريات المدفعية والراجمات والتي كانت تستهدف مدينة دونيتسك.
وعلى الرغم من تحرير بلدة بيسكي ستبقى مدينة دونيتسك عرضة للضربات الصاروخية بعيدة المدى، وهذا يتطلب تقدم القوات المشتركة مسافة 30 كلم في الحد الأدنى حتى تصبح العاصمة دونيتسك خارج ضربات مدفعية الهاوتزر والراجمات الأوكرانية باستثناء راجمة هيمارس وصواريخ توشكا أُو.
من جهة ثانية يمكن القول ان تحرير "بيسكي" يشكّل مفتاح تقدم حتمي للقوات الروسية باتجاه مدينة افييديفكا تكتيكياً وتثبيت خط سير عملياتي للقوات باتجاهين:
1ـ شمال غرب نحو مدينة دنيبرو بسبب وقوع البلدة على خط الطريق M4 الذي يربط بين مدينتي "دنيبرو" و"دونيتسك" وهو هدف متوسط المدى لكنه يحمل أهمية كبيرة في سير العمليات المستقبلية.
2ـ شمالاً باتجاه كراماتورسك وسلافيانسك انطلاقاً من مدينة افييديفكا التي تستعد القوات المشتركة للتقدم نحوها.
3ـ غرباً نحو مدينة زابوروجيا بالتعاون مع القوات المتواجدة في الجبهة الجنوبية.
انطلاقاً من هذه التطورات يمكن القول أن سير العمليات القادمة سيستمر بنفس الوتيرة بسبب عدم التكافوء بحجم القوات حيث تقاتل وحدات الجيش الروسي بنمط مخالف لقواعد الهجوم التي تفترض وجود ثلاثة أضعاف عدد القوات الأوكرانية وهو العكس تماماً، وكمثال على ما يحدث نفّذت الوحدات الروسية الهجوم على بيسكي بثلاثة أفواج مقابل ثلاثة الوية أوكرانية متمركزة في قطاع "بيسكي"، والسبب في اعتماد هذا النمط هو التفوق الناري الروسي الذي يؤدي الى تحطيم القدرات الأوكرانية البشرية والنارية، وهو ما يستغرق الكثير من الوقت بسبب التحصينات الأوكرانية التي يمكن وصفها بخطوط صد تم العمل على بنائها خلال 8 سنوات من الصراع وتتضمن شبكة خنادق ضخمة وتحصينات خرسانية إضافة الى حقول معقدة من الألغام تتضمن مكعبات خرسانية واجسام معدنية متصالبة كبيرة هي بمثابة عوائق غير اعتيادية وهو ما يُلزم الوحدات الروسية التقدم بوتيرة بطيئة لا يمكن تجاوزها والإنتقال الى الوتيرة الأسرع الا بكسر خطوط الدفاع الحصينة في جمهورية دونيتسك ليصبح بعدها التقدم أاكثر سهولة.
أمر آخر لا بد من ذكره، الا وهو انّ النمط الحالي من العمليات لا يستهلك الكثير من الموارد ويستنزف القوات الأوكرانية والغرب الذي يزودها بالأسلحة والذخائر والذي بات بمثابة استنزاف في البعد الاقتصادي للغرب حيث ارتدت الآثار الأكبر للعقوبات على أوروبا في حين ان التأثير على روسيا هو أقل ويمكن تجاوزه بالعديد من الإجراءات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024