معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

موجة تصعيد جديدة بين بغداد واربيل.. وكركوك في قلب العاصفة!
09/09/2023

موجة تصعيد جديدة بين بغداد واربيل.. وكركوك في قلب العاصفة!

بغداد ــ عادل الجبوري

ارتفعت وتيرة الازمة بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كردستان المحلية مؤخرا بعد فترة من الهدوء النسبي منذ تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي.
وتمحورت الازمة الاخيرة بين الطرفين، حول المستحقات المالية لاقليم كردستان وفقا لقانون الموازنة المالية الاتحادية الذي اقره البرلمان العراقي في الثاني عشر من شهر حزيران/ يونيو الماضي، وتحفظ الحزب الديمقراطي الكردستاني على بعض فقراته.

وفي خضم تبادل الاتهامات والتصعيد الاعلامي، راحت فرص التوصل الى حلول تتقلص وتنحسر، لا سيما وأن ازمة مستحقات الاقليم المالية ترافقت مع تدهور امني خطير ومقلق في محافظة كركوك المتنازع عليها، بعد احتكاكات وصدامات شهدتها الايام الماضية، بين المكونين العربي والتركماني من جهة، والمكون الكردي من جهة ثانية، اسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.     

وكان رئيس حكومة اقليم كردستان مسرور البارزاني، قد اتهم في تغريدة له على منصة التواصل الاجتماعي الحكومة الاتحادية بـ"انتهاك التفاهمات السابقة"، ومؤكدا "أن امتناع الحكومة الاتحادية في بغداد عن إرسال مستحقاتنا المالية المثبتة في الموازنة المالية الاتحادية يعد انتهاكا للاتفاقات الدستورية، ويلحق الضرر بمواطنينا ويقوض الثقة".

في ذات الوقت، اتهم المتحدث الرسمي باسم حكومة الإقليم بيشوا هورامي الحكومة الاتحادية بـ"ممارسة سياسة تجويع على الاقليم، ولم تف بالتزاماتها، وخلطت قوت المواطنين بالمسائل السياسية، وانها قررت إرسال 500 مليار دينار عراقي، وهذا لا يكفي لدفع رواتب موظفي الاقليم".

اما الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يتولى مجمل زمام امور الاقليم، بزعامة مسعود البارزاني، فقد اصدر بيانا حاد اللهجة، قال فيه "ان بغداد تماطل في تنفيذ الاتفاقات مع الكرد، وإن هناك من يعرقل التنفيذ.. وقد مرت تسعة أشهر على الاتفاق وتشكيل الكابينة الحكومية، ولم تُنفّذ النقاط المتعلقة بإقليم كردستان، وتجري عرقلة تنفيذ تلك النقاط، وانه جرى تنفيذ بعض النقاط بشكل مخالف للاتفاق، فيما لم تنفذ بعض النقاط الأخرى".

وأشار الديمقراطي الكردستاني في بيانه إلى أنه "حين قيام الحكومة الاتحادية بإعداد مشروع قانون الموازنة بالاتفاق مع حكومة الإقليم، جرى تحديد حصة الإقليم بالموازنة، لكن جرى تغيير نص المشروع كاملاً خلال جلسة التصويت بالبرلمان.. وقد مورس ظلم كبير بحق الإقليم، ورغم ذلك لم تُنفّذ البنود المتعلقة به حتى الآن.. ولا بد من ارتكاز إدارة الحكم وصنع القرار على مبادئ الشراكة والتوافق والتوازن، وأن يكون دور ممثلي المكونات السياسية أساسياً في اتخاذ القرارات الحاسمة، وتنفيذ قانون المجلس الاتحادي كما هو منصوص عليه في الدستور".

ولم يتأخر الرد من بغداد كثيرا، فقد اوضح المتحدث الرسمي باسم الحكومة باسم العوادي، "ان الحكومة الاتحادية نفذت التزاماتها المالية كاملة تجاه الإقليم، وبذلت جهوداً كبيرة لتقديم الحلول، حيث انه لغاية نهاية شهر حزيران-يونيو الماضي، بلغت الأموال في ذمة الإقليم أكثر من ثلاثة أضعاف حصته، حسب الإنفاق الفعلي للدولة، في حين لم تسلم حكومة الإقليم الإيرادات النفطية وغير النفطية كما أوجب تسليمها قانون الموازنة الاتحادية".

واضاف العوادي قائلا: "بالرغم من عدم التزام حكومة الإقليم، أخذت الحكومة الاتحادية قرارا بعدم تحميل المواطنين العراقيين في الإقليم جريرة عدم الالتزام، وعملنا بما يسمح به القانون باتخاذ قرار في مجلس الوزراء بإقراض الإقليم لحين حسم مشاكله المالية أصوليا"، "وإن الحكومة الاتحادية حريصة على حقوق المواطنين في إقليم كردستان كحرصها على حقوق المواطنين في سائر المحافظات، وإن الالتزام بالقوانين الفيدرالية والاتفاقات المبرمة، في ظل الدستور، أقصر طريق لاستكمال التحويلات المالية وتعزيز الثقة".

من جانبه اكد فادي الشمري المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي في تغريده له انه "تحت سقف الدستور تدار الاتفاقات والتفاهمات، ولا شيء يعلو على ذلك، ومن منطلق الحكمة والقوة بادرنا نحو تفاهمات عميقة وشفافة مع مختلف الفعاليات السياسية لا سيما الملفات العالقة بين بغداد والإقليم".

واشار الشمري الى "ان الحكومة ورثت ملفا معقدا ومتشابكا مع إقليم كردستان، والتزمت بأدبيات تنفيذ التفاهمات بكل محبة وحكمة، وما زالت النوايا الطيبة حاضرة شريطة الالتزام بالدستور وبقواعد الاحترام واللغة المرنة والشفافية من قبل حكومة الإقليم".

وفيما بعد عاد المتحدث باسم حكومة الاقليم ليرد على الحكومة الاتحادية بالقول "ان حكومة الإقليم لا ترى سبباً أو عذراً لعدم إرسال رواتب متقاضي الرواتب في إقليم كردستان، ويجب إرسالها بعيداً عن الانفاق الفعلي ودون أي خلط، أسوة بالمناطق الأخرى في العراق".

واشار بيشوا هوراماني إلى "أن الحكومة العراقية أرسلت ترليونين و589 مليار دينار لإقليم كردستان منذ بداية العام  الجاري في وقت تبلغ استحقاقات إقليم كردستان 16 ترليوناً و489 مليار دينار، أي ترليون و375 مليار دينار شهرياً، بحسب جداول قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2023".

وعلى خط مواز، زادت الاحتقانات والتشنجات الاخيرة في محافظة كركوك بين مكوناتها العربية والكردية والتركمانية الطين بلّة، لا سيما وأن الحزب الديمقراطي الكردستاني كان الطرف الكردي الرئيسي فيها، فبعد ان علقت المحكمة الاتحادية العليا قرار الحكومة الاتحادية بتسليم مقر العمليات المتقدم الى الحزب الدميقراطي الا بعد التثبت من عائديته، حدثت صدامات ادت الى  مقتل واصابة عدد من المواطنين، واغلبهم من ابناء المكون الكردي، وقيل انهم ينتمون الى الاجهزة الامنية للحزب الديمقراطي الكردستاني.

ورغم ان الحكومة الاتحادية ارسلت تعزيزات عسكرية لضمان الامن والاستقرار في المحافظة ومنع أي مظاهر وتحركات من شأنها ارباك الامور، الا ان الاوضاع فيها ما زالت متشنجة وان طغى عليها الهدوء الحذر.

وتجدر الاشارة الى انه بعد اجراء الاستفتاء على انفصال اقليم كردستان عن العراق في الخامس والعشرين من شهر ايلول/ سبتمبر من عام 2017، اقدمت الحكومة الاتحادية برئاسة رئيس الوزراء العراقي الاسبق حيدر العبادي على اخراج القوى السياسية الكردية من محافظة كركوك واغلاق مقراتها واخضاع المحافظة لسيطرتها بالكامل. وهو ما أدى لاتساع الشرخ في العلاقات بين بغداد واربيل، ناهيك عن اتساع نطاق الخلافات والتقاطعات بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني وغريمه التقليدي الاتحاد الوطني الكردستاني.

ومن المستبعد ان تجد الملفات الخلافية الشائكة بين المركز والاقليم طريقها الى الحل او الحلحلة خلال وقت قريب، خصوصا مع تباين مواقف ورؤى الطرفين لمعالجة واحتواء الازمة التي توسعت وتشعبت كثيرا خلال العشرين عاما المنصرمة، وخصوصا مع وجود استحقاقات انتخابية قريبة، متمثلة بانتخابات مجالس المحافظات في شهر كانون الاول/ ديسمبر المقبل، وانتخابات برلمان اقليم كردستان في شهر شباط/ فبرير من العام المقبل.

أربيلكركوك

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات