آراء وتحليلات
الرد الإيراني ينسف حافة الهاوية ويفقد العدوّ هامش مناوراته
بالطبع لا يزال من المبكر تقييم الرد الإيراني على العدوّ الصهيوني بشكل عسكري دقيق، لأن الرد لا يزال جاريًا ولأنه مرحلة تاريخية جديدة وليس مجرد عملية عسكرية.
ولكن حدوث الرد في ذاته بهذه الطريقة يدشن مرحلة جديدة ويدشن عدة حقائق سياسية واستراتيجية جديدة، ولذلك نرى أهمية كبرى لتناول الرد من زاوية قراءة الدلالات والرسائل قبل قراءته عسكريًّا من زاوية الخسائر أو القتلى.
وهنا لا بد من الوقوف على الدلالات والرسائل التالية:
1 - الرد الإيراني لم يكن ردًّا على العدوّ الصهيوني فقط، بل كان ردًّا شاملًا على من أساؤوا تقدير قوة إيران ومارسوا الدعايات السوداء المضادة لإيران بالافتراء عليها ووصفها بالبراغماتية وانها تسعى لتشكيل اذرع بغرض النفوذ فقط وانها لن تتورط في مواجهات عسكرية، أو من مارسوا الدعايات التافهة التي لا تستحق عناء الرد من كون العداء الإيراني للصهاينة مسرحية وأن هناك تفاهمات إيرانية أميركية صهيونية خفية، أو حتّى من بعض القطاعات التي تنتمي لمعسكر المقاومة الواسع والذين شككوا في قدرة إيران وقوتها وأساؤوا الظن وتوقعوا أنها ستبتلع الضربة أو سترد ردًّا رمزيًّا لحفظ ماء الوجه.
وبالتالي كان الرد بهذه الصورة الكبرى رسالة للجميع بأن إيران مقتدرة وشجاعة وانها لا تخشى المواجهة الشاملة ليس مع الكيان فقط بل مع رعاته وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
2 - خروج الرد من قلب الأراضي الإيرانية هو رسالة كبرى لتحدي جميع التهديدات والفزاعات والتي حاولت ثني إيران عن الرد بهذه الطريقة وحاولت حشر إيران في رد خارجي لتكريس صورة استغلال إيران للأراضي الخارجية وعدم التورط في أي مواجهات ولضمان محدودية الرد بلحاظ ان أي رد من خارج الأراضي الإيرانية لن يتمتع بإمكانيات الرد من الداخل.
وبالتالي قامت إيران بتحدي التهديدات الأميركية والصهيونية وقالت للعالم ان استهداف القنصلية هو مساس بالسيادة وبارض إيرانية وبالتالي يخرج الرد من الأراضي الإيرانية وانه أمر حاسم لا يقبل النقاش، وبالإضافة إلى ذلك هو أمر رادع ويكفل الحماية لمصالح ومؤسسات إيران بالخارج ولأراضي وسيادة الدول التي تستضيف المصالح والبعثات الإيرانية.
3 - في تفاصيل الرد باشتماله على عمليات مركبة بين المسيرات والصواريخ المتنوعة ترسل إيران رسالة اقتدار أنها تستطيع استهداف كامل جغرافيا فلسطين المحتلة وتصل لأي بقعة وهدف في العمق الصهيوني، وانها ولو اختارت هذه المرة أهدافا عسكرية، فإنها تستطيع استهداف جميع الأهداف الاقتصادية والمؤسسات الحيوية.
4 - استبقت إيران عملية الرد بتوقيف السفينة المملوكة للصهاينة في مضيق هرمز لترسل رسائل مركبة، بأنها أولًا تستطيع إيقاف كافة المصالح الصهيونية في مضيق هرمز ومصالح من يشارك الصهاينة أيضًا في العدوان على إيران، كما انها تنوع بين وسائل محور المقاومة كله في الرد بمفردها، فهي توقف السفن كما توقفها اليمن، وتستهدف العمق الصهيوني كما يستهدفه حزب الله والمقاومة العراقية والمقاومة في غزّة.
5 - أكدت إيران ان جبهات المقاومة مستقلة في قراراتها وأن الرد جاء إيرانيا خالصا ومن داخل الأراضي الإيرانية.
وهي رسالة كبرى بأن الرد الذي اوقف جميع المطارات والخدمات وجعل الشعب الإسرائيلي بكامله في الملاجئ كان فقط من إيران، فما حال العدوّ لو اشتركت الجبهات المقاومة كلها في استهداف العدو؟
لا شك أن هذا الرد الإيراني رغم اشتماله على كلّ هذه الدلالات والرسائل هو رد يأتي في إطار التعقل وبالتعبير الشعبي يمكن وصفه بأنه "قرصة أذن" للكيان وأميركا، وهو رسالة ردع وتثبيت معادلات ورسالة حاسمة بأن وحدة الساحات مستمرة وأن سياسة حافة الهاوية التي يستخدمها الأميركي والصهيوني باستهداف إيران مباشرة إذا بقيت على دعمها للمقاومة قد تم نسفها، لأن إيران لن تسمح باستهداف ارضها ولن تخشى المواجهة، فقد جاء الرد على استهداف قنصليتها بالخارج بهذا الشكل الموسع والجريء والذي لم يتوقعه العدوّ بل ولا حتّى بعض الاصدقاء والحلفاء.
وبالتالي تم إيصال رسالة جادة وصارمة بأن إيران لا تخشى المواجهة وأن هذه السابقة التاريخية الأولى باستهداف الكيان من الأراضي الإيرانية هي تدشين لمرحلة جديدة مفادها أن إيران باقية على خياراتها بدعم المقاومة سياسيًّا وعسكريا، وأن أي مساس بها سيقابل باستهداف الكيان ومن يعاونه ومن يفتح ارضه واجواءه للعدوان عليها.
هنا تثبيت لوحدة الساحات وإعلان عن الجهوزية التامة الصادقة للمواجهة الكبرى، ولا سيما أن الأسلحة الإيرانية التي لا تصَد ولا تُرَد والتي تستطيع إلحاق الدمار بالكيان لم تستخدم بعد في الهجوم.
الكرة لا تزال بالملعب الصهيو أميركي، وبعد نسف حافة الهاوية وفقدان العدوّ لمناورته الكبرى بالتلويح بها، ليس امامه الا الاعتراف بقوة المحور وثباته ووعده الصادق، فإذا ما أراد التصعيد فإن الخطوات القادمة ستكون أكثر فتكًا بالكيان، واليوم اكتمل دخول محور المقاومة رسميا بكامله في المواجهة بعد دخول إيران أكبر قوة فيه وراعيه الأكبر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024