آراء وتحليلات
عندما يقرر حزب الله!
"انتهى الزمن الذي نشكو فيه ظالمينا إلى الأمم المتحدّة، لجنة حقوق الإنسان، هذه حقارات، كلّها حقارات".. شيخ شهداء المقاومة الإسلامية- الشيخ الشهيد راغب حرب.
لقراءة مشهد دقيق، أو يحاول بجهد الاقتراب من الدقة، للموقف في الشرق الأوسط بعد كل هذه الشهور الطويلة من معركة "طوفان الأقصى"، فلا بد للإنسان أن يمتلك عيونًا واسعة، ترى الأطراف، وأوزانها العسكرية، ومواقعها الحالية، وموقفها قبل الطوفان، وكيف تغيرت وانتقلت خطوط القتال الرئيسية، ليتمكن من تكوين رأي واضح قاطع بشأن سؤال اللحظة الوحيد: من صاحب اليد العليا في ميادين القتال اليوم، جبهة المقاومة أم العدو؟ هذا الفرز ضروري بين الحقيقة الثابتة على الأرض، وغيرها من قنابل الوهم والدخان والتعمية التي يحاول العدو إلهاءنا بها وإرباكنا فيها.
أول بنود رؤية صحيحة للموقف، هو أن الكيان قد فقد –مرة واحدة وإلى الأبد- القدرة الإستراتيجية على توجيه مسار الأحداث في المنطقة بكاملها، وعليه، فإنه يعجز عن تحديد مصير أو نهاية معينة للحرب الحالية، والكيان اليوم في مواجهة حزب الله –بالذات- وبعد غرقه الكامل في مستنقع غزة وحفرها، قد شلت قدماه، وهي أضعف من أن تحمله إلى مغامرة جنونية في جنوب لبنان، حيث تقبع أخطر مخاوفه وأسوأ كوابيسه، مواجهة برية مع حزب الله.
في هذا التوقيت المثالي خرجت علينا المقاومة بقنبلتها النوعية الجديدة، منشأة "عماد 4" التحت أرضية، بكل ما تحمله من رسائل صادمة وإشارات صاعقة للعدو عن "الردع" الذي بات بحوزة حزب الله حصرًا، فإذا كان الجيش الصهيوني قد غرق تمامًا في أنفاق غزة الضيقة الصغيرة، والمخصصة للمباغتة والاختفاء وتجنب القصف الجوي والرصد، ليس أكثر، فما الذي يمكن أن يقع حين يدخل إلى مصيدة بحجم الجبال، ليست فقط مخصصة للأفراد، لكنها أولًا مصممة كي تكون أماكن تصنيع وإطلاق وتخزين لصواريخ متعددة المستويات والمديات والأنواع، ثم هي "عماد 4"، يسبقها 3 منشآت أخرى، ولا نعلم كم يلحق بها من منشآت أخرى.
المثير في إعلان المقاومة عن "جبالنا خزائننا"، هو أن رسالة الردع حوت مستويين، الأول هو ردع دفاعي رفيع المستوى، إذ كيف بمن فشل في تدمير البنية الصاروخية لـ"حـماس" أن يصل إلى بنية حزب الله، ثم ردع الهجوم، فامتلاك المقاومة لعدد من هذه المنشآت التي تعد أعجوبة هندسية وتقنية في تخطيطها وتشييدها، ثم بناؤها بأقصى سرية ممكنة، وما تضيفه من قدرة خارقة على إرسال مختلف أنواع الصواريخ والطائرات المسيرة إلى الكيان، دون خوف من رصد أو قصف، يخبرنا أن "حزب الله قد كسر قواعد اللعبة فقط بهذا الإعلان.
في غزة المحاصرة منذ 17 عامًا تقريبًا، تم بناء منظومة أنفاق يبلغ طولها ما بين 350 إلى 500 كيلو متر، ونتيجة لغياب الأدوات اللازمة وانكشاف القطاع أمام العدو الصهيوني، فإن حجم هذه الأنفاق ودرجة تعقيدها مهما بلغ سيكون بسيطًا حتمًا..، هذه الشبكة البدائية قد أوقفت ما كان يسمي نفسه الجيش الذي لا يقهر، ومنعته من الحصول على أي صورة يمكن أن يسوقها إلى الداخل أو العالم على أنها "صورة النصر المطلوب"، وبات عالقًا في خيوط غزة الصامدة كالأضحوكة، لا يستطيع التقدم إلى الأمام فينحر، ولا يقدر على العودة إلى الخلف فيكون إعلان هزيمته النهائية، وهو بعد كل هذه المدة عاجز تمامًا عن الدفع بالأوكسجين في رئته الداخلية، أو رئة جيشه المقهور، والذي بات يعاني من استنزاف متزايد وخسائر يومية أثقل من قدراته على التحمل والتعويض، وأهم من كل شيء، نقص في وحداته القتالية، يبلغ أكثر من 15 كتيبة مشاه، ونقص في مدرعاته، كما أعلن إعلامهم –هم- وليس إعلام المقاومة.
هذا التحليل حول قدرات "حزب الله"، وإستراتيجية التراكم المعرفي والعسكري التي يحرص عليها، سبق وأن تبناه ضابط الاستخبارات الأميركي السابق "سكوت ريتر"، في تحليلاته لعملية "طوفان الأقصى"، وخطوات حزب الله التي اعتبرها نصًا: "درسًا ملهمًا في عمليات إدارة الصراع"، قال "ريتر": إن "الإدارة الذكية للتصعيد من حزب الله قد كبّلت نصف البحرية الصهيونية، وثلثي سلاح الجو، وربع قوات الجيش، كما أجبرت 70 ألف مستوطن على الهروب من الحدود الشمالية، وهذا وضع أعباء إضافية ضخمة على الاقتصاد الصهيوني. إنهم يهينون الجيش الصهيوني بشكل مستمر، ويوميًا على الحدود، حماس لديها أنفاق، لكن حزب الله لديه أنفاق أفضل وأطول وأعمق على الأقل أضعاف المرات عن أنفاق غزة، وعندما يقرر حزب الله أخذ شمال فلسطين، فلن يستطيع الجيش فعل شيء لمنع ذلك".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024