آراء وتحليلات
ماذا عن مستقبل روسيا والسعودية في المنطقة بعد التمدد التركي فيها؟
تمر سورية بمرحلةٍ انتقاليةٍ، تكاد تكون الأصعب والأدق في التاريخ الحديث لهذا البلد. ومن المؤكد والمنطقي أن ليس بوسع أحدٍ اليوم أن يدرك، كيف سيكون المستقبل السياسي والاجتماعي والاقتصادي للجارة الأقرب، بعد تسلم "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة- تنظيم القاعدة في بلاد الشام") ومتفرعاتها، إدارة دفة الحكم في دمشق، بالوكالة عن تركيا. علمًا أن تاريخ هذه "الجبهة" وممارساتها، وردود أفعالها الانتقامية من الشعبين اللبناني والسوري، تحديدًا خلال الحرب على سورية ما بين الأعوام 2011- 2024، لا يبعثان على الطمأنيية على الاطلاق.
قبل الغوص في التوقعات بشأن المستقبل السياسي والاجتماعي والديموغرافي الجديد لسورية، نشير الى تقسّم أراضيها إلى ثلاث مناطق نفوذٍ خارجيةٍ، وهي: الأولى، منطقة شمال- شرق البلاد، الواقعة تحت نفوذ تحت "قوات سورية الديمقراطية- قسد" التي تستمد دعمها مباشرةً من قوات الاحتلال الأميركي المنتشرة على الأراضي السورية، حيث نفوذ "قسد"، بالإضافة إلى قادة التنف، الواقعة على المثلث الحدودي بين سورية والعراق والأردن. والثانية، هي منطقة الجنوب امتدادًا إلى بعض قرى ريف دمشق، وهي تقع تحت نفوذ الاحتلال "الإسرائيلي". أما المنطقة الثالثة، أو باقي المناطق، فقد باتت تحت نفوذ التركي، عبر وكلائه من المجموعات المسلحة، بعد سقوط النظام السياسي السابق. أي أن اليد الطولى في سورية، ستكون لأنقرة.
وهنا يُطرح هذان السؤالان، كيف سيكون المستقبل "الجيوسياسي" في أي منظومةٍ إقليميةٍ مستقبليةٍ، خصوصًا بعد دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددًا. وكيف ستتعاطى الدول العربية، وفي طليعتها مصر والأردن مع تداعيات الحدث السوري، ما دام يشكل تهديدًا على الحكم فيهما، بدليل تحرك تنظيم "الإخوان" في المملكة الأردنية، والذي فتح شهيته على السلطة. كذلك، فقد اتخذت السلطات المختصة في مصر إجراءاتٍ أمنيةٍ دقيقةٍ، قبل السماح لأي مواطنٍ سوريٍ بدخول الأراضي المصرية، بعد تغيير النظام السابق في دمشق. ولا ريب أن لدى كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة حذراً شديداً في شأن التعاطي مع تنظيم "الإخوان". وهنا يطرح هذا السؤال أيضًا: "كيف سيكون الدور السعودي في المنطقة عمومًا، وفي سورية خصوصًا، بعد سقوط "نظام البعث"، والتمدد التركي فيها؟.
وعن مستقبل الدور الروسي، لا ريب أن الطريقة التي انسحب فيها الجيش العربي السوري من حلب، ثم حماة، وبعدها حمص، وصولًا إلى سقوط دمشق في يد الجماعات المسلحة، يؤشر إلى أن هناك قرارًا ضمنيًا بحل الجيش السوري، من جهةٍ مؤثرةٍ في سورية. ويبدو من خلال انتقال قادة هذا الجيش إلى قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، لإدارة المعركة مع الجماعات التكفيرية، من غرفة عمليات القاعدة الروسية، بطلبٍ من الضباط الروس. ولكن على ما يبدو، أن قادة الجيش السوري، تبلغوا من الجانب الروسي، أن القوات الروسية الموجودة في سورية، ليست بكامل الجاهزية، لمواجهة التمدد المسلح القادم من شمال البلاد إلى وسطها والعاصمة بدعم تركيٍ، بدليل عدم تدخل الطائرات الحربية الروسية لمنع هذا التمدد، فالجيش السوري غير قادرٍ على المواجهة منفردًا في الظروف الراهنة، فلا يجوز التعمية عن حقيقة حال الوضع الاقتصادي المرير الذي تعانيه سورية وشعبها وجيشها، بفعل الحصار الاقتصادي الغربي المفروض عليها، والحرب الإرهابية التي استهدفتها على مدى عقدٍ ونيفٍ، فأنهكت شعبها وجيشها معًا.
بعد كل هذه التطورات، ما مستقبل قاعدتي طرطوس وحميميم الروسيتين في سورية، في ضوء دعوة دول الغرب إلى إنهاء الوجود الروسي والإيراني في سورية؟
أما في شأن الدور الإيراني، وهو مقتصر تقريبًا على دعم محور المقاومة، لمواجهة الاحتلال "الإسرائيلي"، ومنع تقسيم المنطقة، لا بل تفتيتها. فمن البديهي أن إيران ومكونات محور المقاومة، لا يمكن لهم أن يخوضوا حربًا على أي أرضٍ، لا يريد جيشها القتال.
وبالنسبة للصين، في الظروف الراهنة، هل سيكون لبكين دور في إعادة إعمار ما هدمته الحرب على سورية.
كلها أسئلة مشروعة في ضوء التغيير الذي طرأ على وجه المنطقة بأسرها.