نصر من الله

آراء وتحليلات

المقاومة وجهًا لوجه مع المستعمر الأمريكي الذي خلع قناع الوساطة
11/02/2025

المقاومة وجهًا لوجه مع المستعمر الأمريكي الذي خلع قناع الوساطة

ربما الأمر الوحيد الذي نجحت فيه تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تهجير أهالي غزة واستلام أميركا للقطاع لتحويله إلى "ريفيرا" الشرق الأوسط، هو التشويش على انتصار جبهات المقاومة الإستراتيجي، والذي أحبط الداخل الصهيوني وأوشك على الإطاحة بالائتلاف الحكومي لمجرم الحرب نتنياهو.

حيث شكلت هذه التصريحات الفجة، والتي لا تنتمي لعالم السياسة أو النظام الدولي الحديث حرفا للانظار عن مشهد عودة الأهالي بعد خمسة عشر شهراً من الحرب الجنونية التي دمرت القطاع وقتلت وأصابت ما يقرب من 7% من أهل غزة ومعظمهم من النساء والأطفال، ووجهت الأنظار إلى الأنظمة العربية ولا سيما النظامين المصري والأردني لمعرفة الكيفية التي سيتعاطى بها النظامان مع هذا الإملاء المحرج والمناقض لأمن الدولتين والذي يشكل حرجاً غير مسبوق لأي نظام عربي، مهما كان تابعًا وخاضعًا للهيمنة الأمريكية.

ولعل إصرار ترامب رغم محاولات التخفيف من فجاجة طرحه عبر أبواق دبلوماسية أمريكية، يؤكد صوابية تقدير المقاومة وجبهاتها منذ اليوم الأول عندما شخصت العدوان وحرب الإبادة بأنها حرب أمريكية بامتياز، ليس من جانب الدعم والتمويل والإمداد بالسلاح والذخائر الفتاكة فقط، وإنما من حيث المصالح الجيوسياسية والجيوستراتيجية بالمنطقة وبالصراع الدولي في ذات الوقت مع الخصمين الصيني والروسي.

كما يؤكد تسريب عرض بايدن على مصر ذات الطرح مقابل إسقاط ديونها، أن هناك تقاطعاً بين ترامب والرئيس السابق بايدن في نفس المشروع، وأن الإستراتيجية الأمريكية ثابتة، وأن رؤساء البيت الأبيض هم وجوه لعملة واحدة، ومجرد موظفين منفذين لإستراتيجية الهيمنة، وإن اختلفت طرق الطرح والعناوين.

هنا يجب التوقف والتأمل في الطرح الأمريكي وخاصة بعد لقاء نتنياهو وترامب وتصريحاته التي أعقبت لقاء ترامب، وتصريحات اليمين الصهيوني وما بدا أنه تحدٍ للمجتمع الدولي الذي سارعت دوله ومؤسساته إلى رفض خطة ترامب، كما بدا انه استهانة بل وإهانة للأنظمة العربية التي أعلنت تكتلها لمواجهة هذا الطرح، وذلك عبر هذه الملاحظات:

1- محاولات تخفيف طرح ترامب دبلوماسياً عبر بيان أنها خطة إنسانية وواقعية وأنها صفقة عقارية لم تغير من العنوان الرئيسي للطرح شيئاً وهو التهجير والتطهير العرقي، ولم تغير من الواقع الأمني للأنظمة العربية شيئًا، فلو كانت لحفظ ماء وجه الأنظمة حتى لا تبدو مفرطة، فقد فشلت لأن واقع مخاوف الأنظمة هو أمني بالأساس، لأنه بمنزلة توريط لهذه الأنظمة في الصراع بعد أن تخلت عنه وهربت إلى دور الوساطة وبعد أن تخلت عن دعم المقاومة وهربت إلى الدعم بالتصريحات السياسية الدعائية، وبالتالي فإن الأزمة قائمة بين ترامب وبين هذه الأنظمة وتتصاعد بشكل منتظم لتتحول إلى مبارزة إستراتيجية وعض للأصابع.

2- استمرار اتفاقية وقف إطلاق النار رغم هذه التصريحات يدل على أن أميركا والكيان لايملكان سبيلاً اخر لتحرير الأسرى غير التفاوض وغير الاتفاق مع حماس وفصائل المقاومة، واستمرار احترام المقاومة للاتفاق رغم الطرح الامريكي الناسف لأي تفاهمات هو دليل ثقة واقتدار، وبالتالي فإن تعميق العدوان على الضفة مع استمرار وقف إطلاق النار بغزة يشي بأن هناك نوايا عسكرية غادرة بالضفة فقط، بيينما النوايا في غزة لن تتخطى الضغوط السياسية عبر عرقلة إعادة الإعمار ومحاولة مقايضة ذلك بخروج قيادات حماس والتخلي عن أي ملمح للسيطرة أو الحكم في غزة وتحويل غزة إلى وضع يشبه "رام الله" محكوم بسلطة  للتنسيق الأمني وملاحقة المقاومة، مع إضافة أن هذه السلطة مختلفة عن السلطة الفلسطينية التي ترفض "إسرائيل" تسليمها غزة لقطع أي ارتباط بين غزة والضفة وقطع الطريق على أي ملمح لدولة فلسطينية.

وبالتالي فإن المتوقع هو استمرار وقف إطلاق النار لحين انتزاع الأسرى الصهاينة وتخفيف الضغط على الداخل الصهيوني، والتملص من مرحلة إعادة الإعمار والتي جاء الاتفاق حولها في المرحلة الثالثة، وهو البند الذي تشي خطة ترامب وتصريحات نتنياهو بأنه سيكون محل الضغط السياسي، حيث المزمع هو تحويل قطاع غزة إلى مكان لا يصلح للعيش وطارد للسكان، وبالتالي يهاجر ساكنوه طوعًا، مثلما صرح نتنياهو واليمين الصهيوني حول التهجير بلغة مخففة بعنوان "التشجيع على الهجرة الطوعية".

3- الصفقة العقارية التي يتحدث عنها التاجر الأمريكي ترامب، هي مجرد بند من عدة بنود تشكل المصلحة الأمريكية بالمنطقة، والتي لم يكشف ترامب جميع أوراقها، فالمطامع الإستراتيجية في غزة عديدة ومتنوعة، بداية من حقول الغاز البكر والمشاريع الاستثمارية الساحلية، والسيطرة الجيوستراتيجية في شرق المتوسط، ناهيك عن تدمير أنفاق المقاومة وشق قنوات على غرار قناة "بن غوريون" وغيرها من الأوهام الإستراتيجية للعدو التي تفترض خلو غزة من المقاومة والسكان. 

والخلاصة، أن أميركا والكيان لايستطيعان ضم غزة بقوة السلاح ولا التضحية بمزيد من الجنود الصهاينة ولا تتحمل أميركا مشهد عودة توابيت القتلى الأمريكان،  وبالتالي فإن ما حدث هو تشويش على نصر المقاومة وتصوير أن اليد العليا للأمريكي الذي يأمر وينهى، وهي ممارسة لحرب نفسية على أهل غزة ونوايا مبكرة لعرقلة إعادة الإعمار وبالتالي تيئيس الشعب الفلسطيني وإجباره على الهجرة، وهو ما ينتقل بالمعركة من السلاح إلى نطاق آخر يخص الإرادة والصمود، وهو ما واجهته المقاومة مبكراً برفعها للافتات "نحن اليوم التالي" في أثناء مشاهد تسليم الأسرى الصهاينة، وهو ما تواجهه جبهة المقاومة بالكامل في لبنان واليمن وإيران بالتأكيد على متانة التحالف والإعلان الدائم عن الجهوزية لاستئناف القتال، وهو ما يجعل المواجهة اليوم بين المقاومة والأمريكي وجهًا لوجه بعد أن خلع الأمريكي قناع الوساطة الزائفة.

فلسطين المحتلةغزةبنيامين نتنياهودونالد ترامبالمقاومة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
السيد الحوثي: الظروف مواتية ليتوحّد المسلمون ضدّ مساعي أمريكا لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة والضفة
السيد الحوثي: الظروف مواتية ليتوحّد المسلمون ضدّ مساعي أمريكا لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة والضفة
وسط تشريد 40 ألف فلسطيني.. المقاومة تتصدى لقوات الاحتلال بالضفة الغربية
وسط تشريد 40 ألف فلسطيني.. المقاومة تتصدى لقوات الاحتلال بالضفة الغربية
موقع أميركي: طرح ترامب حول غزة يتناقض والفكر المحافظ
موقع أميركي: طرح ترامب حول غزة يتناقض والفكر المحافظ
قائد سرايا القدس - كتيبة طولكرم: الفشل الذي لاحق العدو في غزة ولبنان سيلاحقه في كل بقعة من أرضنا
قائد سرايا القدس - كتيبة طولكرم: الفشل الذي لاحق العدو في غزة ولبنان سيلاحقه في كل بقعة من أرضنا
وقف إطلاق النار في غزة على حافة الانهيار؟
وقف إطلاق النار في غزة على حافة الانهيار؟
 الحية من إيران: طوفان الأقصى بدّد حالة الخوف من أنّ الدم لا ينتصر على السيف
 الحية من إيران: طوفان الأقصى بدّد حالة الخوف من أنّ الدم لا ينتصر على السيف
 عراقتشي خلال اتصاله مع غوتيريش: التهجير القسري للفلسطينيين طريقة أخرى للإبادة
 عراقتشي خلال اتصاله مع غوتيريش: التهجير القسري للفلسطينيين طريقة أخرى للإبادة
الأورومتوسطي: التهجير القسري الجماعي أبرز صور الإبادة الجماعية في الضفة
الأورومتوسطي: التهجير القسري الجماعي أبرز صور الإبادة الجماعية في الضفة
الاحتلال ينسحب من "نتساريم" والفلسطينيون يعودون الى منازلهم المدمّرة
الاحتلال ينسحب من "نتساريم" والفلسطينيون يعودون الى منازلهم المدمّرة
أسرى يروون تجربتهم: تعرضنا لأبشع أنواع التعذيب والجرائم الطبية
أسرى يروون تجربتهم: تعرضنا لأبشع أنواع التعذيب والجرائم الطبية
رفض عراقي لمخططات ترامب ونتنياهو ضد فلسطين
رفض عراقي لمخططات ترامب ونتنياهو ضد فلسطين
خطة نتنياهو لمرحلة صفقة الأسرى الثانية: إبعاد قادة حماس من غزة‎
خطة نتنياهو لمرحلة صفقة الأسرى الثانية: إبعاد قادة حماس من غزة‎
ترامب متشبّث بخطته | ما بعد اللقاء - القنبلة: أيّ تحدّيات أمام غزة؟
ترامب متشبّث بخطته | ما بعد اللقاء - القنبلة: أيّ تحدّيات أمام غزة؟
"يديعوت أحرونوت": احتضان ترامب ليس سوى جزء من خطة كبيرة
"يديعوت أحرونوت": احتضان ترامب ليس سوى جزء من خطة كبيرة
إيهود باراك: لإسقاط حكومة نتنياهو قبل أن تُسقطنا في الهاوية 
إيهود باراك: لإسقاط حكومة نتنياهو قبل أن تُسقطنا في الهاوية 
كاتب بريطاني: مقترح ترامب حول غزة غير قابل للتحقيق
كاتب بريطاني: مقترح ترامب حول غزة غير قابل للتحقيق
الصحفي الأميركي برانكو مارسيتيك: مصلحة ترامب هي في عدم الانصياع لنتنياهو
الصحفي الأميركي برانكو مارسيتيك: مصلحة ترامب هي في عدم الانصياع لنتنياهو
نواب أميركيون يُعارضون بشدّة مشروع ترامب لتهجير الفلسطينيين
نواب أميركيون يُعارضون بشدّة مشروع ترامب لتهجير الفلسطينيين
إجراءات ترامب الأخيرة محور اهتمام الصحف الإيرانية
إجراءات ترامب الأخيرة محور اهتمام الصحف الإيرانية
عمَّ حدثت الأرض العائدين اليها؟
عمَّ حدثت الأرض العائدين اليها؟
رحلة العبور الى التحرير الثالث.. نصر في ضوء الشمس
رحلة العبور الى التحرير الثالث.. نصر في ضوء الشمس
التهجير في زمن التهريج
التهجير في زمن التهريج
قرار التهجير لا يخضع لأوامر ترامب ولا موافقة مصر والأردن
قرار التهجير لا يخضع لأوامر ترامب ولا موافقة مصر والأردن
هل تنجح المقاومة السورية في قلب المعادلات الصهيو-أميركية؟
هل تنجح المقاومة السورية في قلب المعادلات الصهيو-أميركية؟