خاص العهد
الجيش يُخرج صور من نفق الفوضى: ساعات عصيبة مرّت على المدينة
سامر الحاج علي
ثقيلة مرت الساعات الماضية على مدينة صور التي كادت تدخل في نفق لا يعلم أحد كيف وأين ينتهي. فبعد انطلاقة شرارة الاحتجاجات المطلبية مساء الخميس عند مستديرة العلم اللبناني في المدينة، أخذت الأمور نحو التوسع في ظل تعاطف واضح من قبل الأهالي الذين دفعتهم الأوضاع المعيشية الصعبة للالتحاق بالشباب الذي لم يجد إلا الشارع ليعبر عن غضبه فيه مما آلت إليه الأمور. ومع مرور الوقت بدأت الاحتجاجات تتوسع وتنتقل من مكان إلى آخر على شكل مسيرات راجلة جالت الأحياء الرئيسية وسط قطع للطرقات بالإطارات المطاطية التي غطى دخان احتراقها أجواء منطقة بأكملها.
بدأ الوضع يتطور شيئاً فشيئاً حتى قطعت المسالك الرئيسية نحو صور، وأخذت أعداد المتظاهرين بالتزايد، فتحركوا نهار السبت للتجمع في شارع المصارف وتحديداً أمام فروع المصرف المركزي وشركة أوجيرو وساروا على وقع الهتافات المطلبية باتجاه شارع أبو ديب وجادة الرئيس نبيه بري. كان الاحتجاج حتى هذه اللحظة سلمياً ويطالب بإسقاط الحكومة والنظام الطائفي الذي جوّع اللبنانيين إلا أن أمورًا عدة تغيرت مع ساعات الظهيرة.
دخلت بعض وسائل الإعلام التي كانت غائبة عند المشهد الصوري على خط التظاهرات، وبدأت بتجييش الناس وجرّها نحو اطلاق هتافات طالت بشكل مباشر رموزًا دينية ووطنية وعلى رأسها إمام المقاومة السيد موسى الصدر الذي أسس لمفهوم الوحدة الوطنية والتعايش الواحد بين أبناء الوطن بشكل عام وصور بشكل خاص. يتحدث أحد المشاركين عن التحرك مثلاً باتجاه مكتب النائبين علي خريس وحسين جشي والوزير محمد فنيش متسائلاً لماذا لم تجرِ محاولة اقتحام مكاتب نواب في أماكن أخرى من لبنان؟
محاولات اثارة البلبلة في صور انفجرت مساء الجمعة، فقد تجمهر عدد من المتظاهرين أمام استراحة صور السياحية وعملوا على تحطيم مدخلها واحراق الإطارات أمامها، وانسحبوا لبعض الوقت ثم عادوا واقتحموها ليحطموا منشآتها ويشعلوا النيران فيها بعد أعمال سرقة ونهب طالت أقسامها، فتدخلت القوى الأمنية وفرقت المتظاهرين الذين توجهوا للتجمهر أمام مبنى شركتي تاتش وأوجيرو دون أن يتكرر سيناريو الاستراحة، في وقت كانت قد بدأت وحدات من الجيش اللبناني بالانتشار في شوارع المدينة لتعلن عن بدء تطبيق خطة أمنية لمنع تفاقم الأوضاع، خطة اعتبر مصدر أمني لـ"العهد" أنها حمت المنطقة ربما مما هو أسوأ، فقد تمكن الجيش من ضبط الأوضاع بشكل كامل بعد أن بدأ عند الحادية عشرة من مساء الجمعة باتخاذ التدابير المطلوبة لحماية المنشآت العامة من أي اعتداء.
وقال المصدر إن الجيش وضمن خطة نفذها في كل لبنان، عمل على فتح الطرقات المؤدية إلى الجنوب كاملة، وأدخل إلى صور أكثر من كتيبة عسكرية لمنع إقفال الطرق العامة مهما كلف الأمر ناهيك عن انتشاره في الشوارع وفي محيط أماكن التظاهرات لحماية الممتلكات والمنشآت العامة ومنع تدهور الأوضاع مع حفظه لحق التعبير سلميّاً. وما ان أشرقت شمس السبت حتى كانت حركة السير تعود تدريجياً إلى المنطقة.
الاحتقان الذي روجت بعض وسائل الإعلام له سرعان ما تجاهلته المدينة لينطلق المتظاهرون نحو مستديرة سارية العلم ويتموضعوا هناك دون أن يمس أحد بحقهم في التعبير والتظاهر، تظاهر استمر حتى ساعات المساء في ظل تدابير أمنية اتخذها الجيش والقوى الأمنية تحول دون أي احتكاك جديد.
حسين حسن وهو أحد المتظاهرين الذين تتواصل مشاركتهم في التجمعات منذ اليوم الاول لانطلاقها، شدد على أن ثمة مندسين عملوا على حرف التظاهرة عن مسارها الأساسي والمطلبي، وقال أن لا أحد منا يقبل بالاعتداء على الممتلكات الخاصة أو الناس أو على الأملاك العامة فهذه أملاكنا نحن الشعب، نحن هنا للمطالبة بحقوقنا محذرا السلطة من معركة البطون إذا جاعت، على حد تعبيره.
وإلى جانب حسين، وقف ابراهيم الأشقر الذي تحدث بكل ثقة واضعاً كلامه في عهدة القوى الأمنية وقال أن ثمة أشخاصًا معروفين بالأسماء وبعد وصول التظاهرة مساء الجمعة إلى محيط الجامعة الإسلامية أرسلوا شباناً لشراء مادة البنزين لإشعال النيران في استراحة صور بحجة ان عدد المتظاهرين لا يزال قليلاً وهم بحاجة لتجييش الناس لينزلوا إلى الشارع. وأضاف: هؤلاء من أصحاب الاموال والثراء الفاحش، فكيف لمن لا تغادر ملعقة الذهب فمه أن يطالب بالثورة؟
المطالب في صور كما في بقية المناطق اللبنانية كثيرة ومحقة، فهي تتحدث عن أوجاع عمرها من عمر النظام السياسي الطائفي في لبنان، فهنا يرتفع صوت للمطالبة بالكشف عن ثروات الزعماء واستعادة الأموال المنهوبة، وهناك لاستعادة ما جرى استملاكه من أملاك بحرية وفي كل زاوية من لبنان هتافات ضد نظام ضرائبي وآخر اقتصادي حرمنا من التوجه نحو القطاعات الإنتاجية واللائحة تطول ولا تنتهي، ولكن ما يمكن أن نقول أنه انتهى مبدئياً هو المخطط الذي كان يراد لصور أن تدخل فيه في ظل الضغط على وتر أوجاع الفقراء. يقول مصدر متابع لما يجري "حكمة المعنيين وخطة الجيش اللبناني أطفأتا نار الفوضى قبل أن تتمدد وينتهي معها حلم الشعب بالخروج من نفق الوضع الإقتصادي المتردي".