خاص العهد
الإخوة حدرج: ثلاثة شهداء دماؤهم حِنّاء الجنوب
ايمان مصطفى
في الوادي بين بلدتي البازورية وطيردبا نبتت قرب رأس مجاهد روى الأرض بدمائه وردة الدحنون (شقائق النعمان)، بينما غفا ما تبقى من جسده الطاهر 33 يومًا بين سنابل القمح. هي بقايا جسد فانٍ في حب الله، عليه بعض بقايا ملابس بين خيطانها مصحف استخارة، وساعة التفّت على المعصم بألوان برّاقة، وسبّحة أحاطت بالعنق. علامات استدل بها صاحب حقل القمح ليدرك أن الشهيد هو محمد عبد الحسن حدرج الذي جمعته معه ليالي السهر وحكايات ابريق الشاي في طيردبا.
كان محمد قد نفذ عملية نوعية في بلدة البازورية مع رفيقَين له، قتلوا فيها عددًا من الجنود الصهاينة، ولما نفدت ذخيرتهم، تراجعوا الى الوادي بين طيردبا والبازورية واختبأوا بين أشجار الليمون. لكن عدوهم همجي، باغتهم بطائرات مروحية قصفت الوادي فاستُشهد رفيقا محمد.
حاول محمد جاهدًا الزحف واللجوء الى مكان يؤويه، أو أن يصل الى منزل خالته في طيردبا الذي كان يقصده دائمًا ليحستي كوبًا من الشاي مع "الشباب". لم يترك له العدو الفرصة، فانهال عليه الرصاص من كل حدب وصوب، وأسلم الروح شهيدًا، كان ذلك في 21 شباط 1985.
يوسف يكمل الطريق
يوسف أخ محمد، كان يعلم عن تفاصيل العملية ومن فيها. تأكد بنفسه أن الجسد يعود لأخيه، وأرسله مع الصليب الأحمر باسم مجهول ولم يأتِ للمشاركة في تشييع أخيه لأن الواجب يقتضي أن يتابع الجهاد ويكمل من المرحلة التي استشهد فيها محمد، فعمل المقاومة لا يحتمل أي فراغ.
17 يومًا مرّت على شهادة محمد، ويوسف يشارك في العمليات العسكرية ضد العدو ويتنقل بسيارة "التويوتا" الصغيرة؛ الى أن رصدتها طائرات " MK" الاسرائيلية وجمعت عنها المعلومات المفصلة.
جنود العدو أحكموا الكمين هذه المرّة. من هنا سيمرّ يوسف ورفيقاه. استخارة يوسف بالمضي في هذا الطريق كانت جيدة، فمضى على الرغم من تحذيرات أحد الشباب. ما هي الا دقائق حتى انهال الرصاص على السيارة. استطاع رفيقا يوسف الابتعاد والاختباء في حقول القمح المجاورة، بينما استشهد هو. واحترقت السيارة وجسده داخلها، وبقي الجسد داخلها أسبوعًا كاملًا بسبب "عناد" العدو الذي أقام حاجزًا هناك وفشلت كل مفاوضات الصليب الأحمر واليونفيل مع العدو لسحب الجسد. كان ذلك في نيسان 1985.
أسبوع كامل وجسد يوسف في السيارة لم يبقَ منه شيء، الى أن أُجبر العدو على التراجع من المنطقة واسترجع شباب المقاومة الجسد. كانت آخر كلمات يوسف ذي الأخلاق الحسنة، الهادئ، الخفيف الظل: "سامحوني يا أخوان"، وبعدها كبّر مرتين ونادى "يا حسين".
حسن يرسم احلام الشهادة
بعد شهادة محمد ويوسف، تولى أخوهما حسن مهمة التخفيف عن والدته التي فجعت بولديها. حسن المرح المليء بالحيوية، المحب للتصوير، كان يوثق اللحظات بالصور، يبحث عن المشاهد في المحاور والجبهات والطبيعة، ويغطي المناسبات الاسلامية.
جمع حسن بين العمل العسكري والفني. التحق باللجنة الفنية، وتعلم فن الخط في البقاع. حسن "الفنان" تميز أيضًا بتركيب العبوات مع صديقه الشهيد شوقي محسن، وكان خبيرًا بها. لكن عملاء الموساد لم يتركوا حسن يرسم أحلامه ويوثقها بالصور. زرعوا عبوتين في السيارة التي لطالما وُجدت في محيط العمليات تمامًا كما حصل مع أخيه يوسف، فاستشهد مع صديق له في تموز 1987 ولم يبقَ لجسده اثر.
شجاعة قل نظيرها
هم إخوة شهداء، يروي أخوهم الحاج ابراهيم حدرج لموقع "العهد" الاخباري كيف التحقوا واحدًا تلو الآخر بالركب المقدس. يتحدث عن والده الذي زرع الشجاعة في نفوس أبنائه منذ الصغر، حيث ألحقهم في ذلك الوقت بصفوف حركة "فتح" العسكرية في الكلية الجعفرية. ميزتان مشتركتان ميزتا شهادة الاخوة الثلاثة: الأولى نهار الشهادة المشترك وهو يوم الخميس، والثانية أن أجسادهم الطاهرة لم يبق منها أثر بعد الشهادة، كأنهم روح واحدة انقسمت في ثلاثة أجساد.
يخبرنا الحاج حدرج أنهم "كانوا يتسللون إلى الجنوب مشيًا على الأقدام أحيانًا ويشكلون مجموعات متحركة تعمل في الليل والنهار دون كلل أو ملل، هدفهم القيام بما بين 7 الى 10 عمليات في اليوم لإجبار العدو على التراجع رغم ضعف الامكانيات في ذلك الحين".
محمد عبد الحسين حدرج: مواليد 1966
الاستشهاد: الخميس 21 شباط 1985
يوسف عبد الحسين حدرج: مواليد 1967
الاستشهاد: الخميس 11 نيسان 1985
حسن عبد الحسين حدرج: مواليد 1968
الاستشهاد: الخميس 2 تموز 1987