معركة أولي البأس

خاص العهد

10/12/2019

"إسرائيل" تتجسّس في مياه لبنان الاقليمية.."اليونيفيل" تتواطأ: وهذه مهامها

فاطمة سلامة

لا شكّ أنّ "إسرائيل" من أوائل المهلّلين لكل تلك الفوضى الحاصلة على الساحة اللبنانية. هذا الأمر لا يحتاج مطلقاً لأي شرح أو تفسير، بل هو واقع يستمد وجوده من المطامع الصهيونية التاريخية في لبنان وثرواته. وهي مطامع نمت تحت مظلّة الولايات المتحدة الأميركية وبدعم كامل منها. ما حصل في الملف النفطي خير دليل على ذلك. بدت "الحمية" الأميركية فاقعة لجهة الاستماتة في الدفاع عن المشاريع الصهيونية. العروض الأميركية التي حملها مندوبو واشنطن -الذين نصّبوا أنفسهم كوسطاء في الملف النفطي- والتي أتت على قاعدة "take it or leave it" تبيّن الانحياز الكامل لواشنطن الى جانب "إسرائيل" في هذا الملف، لا بل تواطؤها على لبنان. وانطلاقاً من هذه الحقيقة، يستنتج أكثر من مصدر أنّ أحد أهم أهداف الولايات المتحدة الأميركية من الفوضى التي كان لواشنطن اليد الطولى في صنعها بلبنان، هو إلهاء اللبنانيين عن ملف النفط الحيوي وما سيحمله من تداعيات اقتصادية هامة على لبنان. الفوضى ستسمح بلا شك لكيان العدو الصهيوني استغلال الظروف والمضي قدما في سرقة ثرواتنا.

ما تستنتجه المصادر آنفة الذكر، تؤكّده المعلومات التي نشرتها صحيفة "الأخبار" حول اختراق سفينة أبحاث تعمل لحساب العدو "الإسرائيلي" المياه الإقليمية اللبنانية في البلوك رقم 9 الجنوبي. السفينة لم تكتف بالمرور بل مكثت في تلك المنطقة لأكثر من سبع ساعات، في خطوة خطيرة جداً، وفق ما يصفها اللواء الدكتور عبد الرحمان شحيتلي -الذي تولى رئاسة لجنة التنسيق اللبنانية مع القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان لسنوات-. خطورة المسألة تكمن ليس فقط في خرق السيادة اللبنانية، بل في مسارعة كيان العدو الى تجميع ملفات علمية عن تلك المنطقة تمهيداً لعرقلة مهام لبنان في الحفر، خصوصاً أن هذه الخطوة باتت على الأبواب. بالنسبة لشحيتلي فإنّ الهدف واضح. العدو يعمل على استكشاف البلوك رقم 9 وهو أحد البلوكات المتنازع عليها (8، 9، 10). تريد "إسرائيل" معرفة كمية الغاز الموجودة هناك. تماماً كما تريد عرقلة مهام الشركات في الحفر، وتهديدها بذريعة أنّ هذا الحقل مشترك بين لبنان وفلسطين المحتلة، ومتنازع عليه، ولا يجوز استخراج النفط الا بعد انجاز اتفاق مسبق.بين الطرفين

إزاء هذا الخرق، تبرز الكثير من الأسئلة حول دور لبنان الرسمي والخطوات التي اتخذها. مصادر في الجيش اللبناني تؤكّد لموقعنا أنّ القوات البحرية اللبنانية ولمجرد مشاهدتها السفينة انكبت فوراً على جمع المعطيات، وقد تمّ تسليمها الى الجهات المعنية في قوات "اليونيفيل" بكل ما تحمله من تفاصيل. وبحسب المصادر، أعدّ الجيش اللبناني كتاب اعتراض لتوجيهه الى وزارة الخارجية، والسؤال الأساسي لدينا حول المهمة التي كانت تقوم بها تلك السفينة في هذه المنطقة. وهنا يُشدّد شحيتلي على أنّ الاعتراض لا يكفي مطلقاً في هذه الحالة، بل المطلوب فتح تحقيق جدي ومتكامل حول الاعتداء الذي حصل.

وفيما تثار الكثير من علامات الاستفهام حول وقوف القوات البحرية التابعة لـ"اليونيفيل" مكتوفة الأيدي إزاء الخرق الخطير، وهي المناط بها مهمة الحفاظ على سيادة لبنان البحرية، يطالب شحيتلي بضرورة مساءلة تلك القوات عن الأسباب التي منعتها من القيام بمهمتها. برأيه، هناك تخاذل من قبل هذه القوات لا بل ان سكوت القيادة البحرية التابعة لليونيفيل يدل على أن هناك تواطؤا مع "إسرائيل". هذه القوات لا تستطيع القول أنها لم تشاهد السفينة. بالتأكيد هي شاهدتها وتعلم أين خرقت الحدود، وفق ما يقول المتحدّث.

شحيتلي الملم بالكثير من التفاصيل عن عمل الأمم المتحدة، يشدد على أن الأخيرة تعرف الحدود  اللبنانية أكثر مما يعرفها لبنان وكيان العدو. لا بل لديها معلومات دقيقة ومعطيات عن منطقة الشرق الاوسط بأكملها. صحيح أنّ الدولة اللبنانية تمتلك رادارات على الشاطئ تستطيع بموجبها أن تكتشف المسافة التي وصلت اليها السفينة، لكنها لا تستطيع أن تتواصل مع سفينة خارج المياه الاقليمية لمساءلتها عن مهامها. من واجب "اليونيفيل" مساعدة القوات البحرية اللبنانية بهذه المهمة .

والجدير ذكره أن "اليونيفيل" لم تكتف بعدم القيام بمهامها كما يجب لجهة التحرك باتجاه السفينة وجمع المعطيات وإبلاغ لبنان عنها، بل ذهبت بعيدا في سياسة ازدواجية المعايير، نافيةً على لسان المتحدث باسمها تيلاك بوكاريل امتلاك أي دليل يشير إلى انتهاك سفينة المياه الإقليمية اللبنانية. وفي هذا السياق، يُسجّل شحيتلي ملاحظة يعتبرها بالمهمة، يشير فيها الى أنّ التوضيح لا يجب أن يصدر عن المتحدّث باسم "اليونيفيل" بل عن قائد القوات البحرية الدولية، أو عن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان. هذه أول ملاحظة يسجّلها شحيتلي، ويضيف عليها ملاحظة أخرى تتعلّق بما ذكره بيان بوكاريل حول أنّ مهمة قوة البحرية التابعة لليونيفيل (MTF) تنحصر في مساعدة البحرية اللبنانية في منع دخول الأسلحة أو المواد ذات الصلة، عن طريق البحر إلى لبنان. وفق شحيتلي هذا الكلام غير صحيح. يستند في ذلك الى المفاوضات التي خاضها شخصياً مع الامم المتحدة خلال استقدام تلك العناصر الى لبنان، حيث حددنا مهمتها بمساعدة الدولة اللبنانية لعدم خرق سيادتها على الحدود البحرية، إضافة الى ضبط أي عملية دخول الى المنطقة الاقليمية، والتي حددت بـ 12 ميل من الحدود البرية.

ويؤكّد شحيتلي أنّ مهمة تلك القوات البحرية الدولية الانتشار على 12 ميل من الحدود البرية، ومنع أي كان من دخول هذه المنطقة الا عبر المعابر المحددة من الدولة اللبنانية. ويوضح شحيتلي أنّ هناك معابرا في البحر تدخل منها السفن كما في البر، وأي سفينة ستدخل خارج هذه المعابر يكون من مهمة  القوات البحرية الدولية منعها أولاً وتفتيشها ثانياً. برأي شحيتلي، فإن القوات البحرية الدولية مسؤولة عن منع أي سفينة من العبور الا من المدخل الشرعي لهذه المياه. كما أنها مسؤولة عن ضبط أي مخالفة وإبلاغ القوات البحرية اللبنانية عنها لاجراء "اللازم".

ويشدد شحيتلي -الخبير بقانون البحار- على أن لبنان أبلغ حدوده للأمم المتحدة، وعليها أن تحفظها، ولا فرق ما اذا طال الخرق حدوداً متنازعا عليها أم لا. التعامل مع المياه الاقليمية وفق مسافة الـ12 ميل شيء، والتعامل خارجها شيء آخر. من وجهة نظره، فإنّ الدخول الى المياة الاقليمية ضمن حدود الـ12 ميل يعني الدخول الى السيادة اللبنانية. كما يوضح أنّه وخارج الـ12 ميل هناك قوانين دولية ترعى الابحار في هذه الأماكن. طالما هذه المنطقة اقتصادية لبنانية فمن المفترض أن يحرّم على أحد غير لبنان القيام بأي إجراء استكشاف أو حفر او أي تحرك آخر يتعلق بالاستفادة الاقتصادية من هذه المنطقة. حتى صيد السمك ممنوع، يقول شحيتلي الذي يوضح أنّ للبنان الحق في ملاحقة أي سفينة ليس فقط في مسافة الـ12 ميل الذين حددت بموجبهم المنطقة الاقليمية، بل يضاف اليهم 12 ميل آخرين ليصبح المجموع 24 ميل انطلاقاً من حدودها البرية. ضمن هذه المسافة يحق للبنان ملاحقة أي سفينة، وهذا الأمر يخضع للولاية القضائية اللبنانية.

وفي الختام، يشدّد شحيتلي على ضرورة حصول السلطات اللبنانية على توضيح من قائد القوة البحرية التابعة لليونيفيل حول ما اذا تم التواصل مع السفينة للاطلاع على المهام التي تقوم بها دون علم السلطات اللبنانية.

إقرأ المزيد في: خاص العهد