خاص العهد
بتوقيت واشنطن.."القوات" تنقلب على الحريري
فاطمة سلامة
حين زار الوزير السابق غطاس خوري معراب، السبت، موفداً من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، سمع من ساكن معراب كلاماً مطمئناً. رئيس حزب "القوات" سمير جعجع قدّم لمبعوث بيت الوسط وعداً بتسمية الحريري في الاستشارات النيابية. هذا الوعد طمأن الحريري بحصوله على تصويت كتلة مسيحية وازنة، بعد إعلان أكبر تكتل نيابي مسيحي برئاسة الوزير جبران باسيل التمنع عن تسميته. فمن يستمع لتصريح خوري عقب الزيارة يستشف المرونة التي تعاطى بها جعجع مع مسألة تسمية الحريري، خصوصاً لدى قول الزائر إنّ هناك تفاهما عميقا مع جعجع. إلا أنّ مؤشرات النهار الايجابية قضت عليها ساعات الليل التي سبقت الاستشارات، ليتبين أنّ جعجع الذي لا يملك كلمة القرار باع الحريري سمكاً في المياه. وعلى التوقيت الأميركي، جاء الخذلان "القواتي" واعلان عدم تسمية الحريري رئيساً للحكومة. صدور بيان القوات بعد الثانية من منتصف الليل يؤكّد المؤكّد أن ثمّة تعليمة أميركية جاءت على عجل لعرقلة حصول الاستشارات، وصدرت في توقيت واشنطن النهاري، مع فرق الساعات السبع بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية، ليتلقى الحريري من جديد خدعة من حلفاء الأمس الذين جمعه بهم مشروع سياسي عريض كان يعرف بمشروع "ثورة الأرز" أو ما سمي بتحالف الرابع عشر من آذار.
واللافت أنّ صفعة جعجع للحريري بعدم تسميته، لم تكن الوحيدة بل أتت في سياق مشروع شهد تكاملاً وتوزيعاً في الأدوار، وفق ما يقول المحلل السياسي وسيم بزي لموقع العهد الإخباري. وفق قناعاته، فإنّ ما جرى في ساحة رياض الصلح على مدى ليلتين قبل الاستشارات، والذي أتى من خارج السياق، ودون تحضير إعلامي مسبق، كان هدفه الأساسي مواكبة الكمين الذي كان يعد للحريري في الاستشارات. الوجوه التي استقدمت من الشمال والتي يديرها الوزير السابق أشرف ريفي ومن البقاع الغربي والتي يديرها نجل النائب الراحل علي ميتا بتمويل اماراتي، تؤكّد أن سياسة المكائد نصبت سياسياً وفي الشارع لقطع الطريق على الحريري. وهذا ما دفع قوة مكافحة الشغب وتحديداً قوى الأمن الداخلي للتعامل بشراسة مع الشارع، انطلاقاً من قراءتها لجزء مما يحصل.
ويشدّد بزي على أن ما حصل مع الحريري جاء من خارج التوقعات، ويمكن الاستدلال على عنصر المفاجأة من مؤشرات عدة:
1- حين أرسل الحريري خوري الى معراب كان مدركاً أنه يعمل على هدفين في الوقت نفسه:
-أن يصل الى عتبة الـ70 صوتا والتي تشكل بالنسبة اليه عتبة معنوية تمثل له الحد الأدنى من تجاوز قطوع الأصوات التي ستسميه في الاستشارات
-أن يحصل على تصويت كتلة مسيحية وازنة في ظل قرار التيار عدم تسميته، وواضح أنّ كتلة "القوات" هي التي تعوض ولو نسبيا عن عدم تسميته من قبَل تكتل "لبنان القوي".
2- موقف جعج بعد لقائه خوري والذي أشار فيه بوضوح الى أنّ وجود سعد الحريري مرتبط بوجود الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وهذا دليل حسّي على أنّ مقاربة جعجع لتسمية الحريري تغيرت بين ليلة وضحاها، وما يؤكد هذا الأمر المزاعم التي أطلقتها معراب وقولها إنها في اجتماعات مفتوحة منذ السابعة مساء حتى الواحدة والنصف ليلاً لمناقشة تسمية الحريري من عدمها، وهو الوقت الذي يستيقظ فيه الأميركي.
ويشدّد بزي على أنّ "القوات" لم تكن لتأخذ قراراً بهذا المستوى من المجازفة لولا كلمة السر الأميركية -رغم سوء العلاقة التاريخية بينها وبين الحريري-، وتفكك الحلف الاستراتيجي العريض الذي كان يجمعهما من خلال ولاءات، وليس فقط توازنات المصالح الداخلية. وهنا يوضح بزي أنه وبناء على معلومات مؤكّدة فقد قدّم جعجع وعداً لخوري بتسمية الحريري، وهذا الأمر تبدى على الأقل بالموقف المرن والمريح الذي عبر عنه خوري، قبل أن يتراجع جعجع بناء على الأهواء الخارجية فقط، رغم ادعاءات القوات أنّ انقسامًا عمودياً على مستوى القيادة والكوادر حصل وأن النائب جورج عدوان ترأس القرار المعترض في النقاشات الداخلية تحت حجة اننا استطعنا منذ بدء الحراك أن نراكم موقعاً نجحنا فيه بالابتعاد عن كل الطبقة السياسية، وكان لنا دور مؤثر استطعنا أن نكون من خلاله في موقع مختلف، وبالتالي لا مصلحة لدينا بأن نضحي بكل ما جنيناه، ورغم الأصوات القواتية في الخط المعارض للتسمية والتي لفتت الى أنّ "الحريري عمل على تجاوزنا في محطات كثيرة وغدر بنا". لكن كل هذه الادعاءات -برأي بزي- لم تكن لتترجم معارضةَ لتسمية الحريري لولا التعليمة الأميركية، فمن يعرف الآلية التاريخية لقيادة سمير جعحع، يع أنّ هذا الحوار الديمقراطي ليس له وجود لا في التعاطي ولا في آليات القيادة.
ويؤكّد بزي أنّ جعجع وعلى الدوام لا يأخذ قرارات كبيرة دون الاستئناس برأي مشغليه من الأميركيين، لأنّ آليات التعاطي بين جعحع وأميركا ليست قائمة لا على قواعد سياسية ولا دبلوماسية، بل قائمة فقط على قواعد أمنية، تأتي من خلالها الأوامر لجعج فينفّذ. يعطي بزي أدلة على ما يقول، فعندما استقال وزراء القوات من الحكومة، أتت التعليمة مباشرة من مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر. الأخير أعطى أمر الاستقالة لوزراء أربع كتل نيابية، الأولى كتلة جعجع التي لبت الطلب فوراً، الثانية كتلة النائب السابق وليد جنبلاط الذي ربط استقالته باستقالة الحريري، أما الثالثة فهي كتلة نيابية من أربعة نواب، هذه الكتلة -وفق بزي- قالت إن لديها وزيرا واحدا في الحكومة واستقالته ستكون مجرد قنبلة صوتية لن تحدث فرقا في المعادلة، وسط عدد الحكومة الكبيرة، فيما وجّه لأمر الرابع للحريري الذي أجّل استقالته لأسبوع.
لذلك، وبناء على ما تقدّم، يقول بزي فإنّ ضبط الايقاع حتى هذه اللحظة هو على الساعة الاميركية، وواضح أنّ زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل
مفصلية في سياق التعاطي الأميركي مع لبنان، وإن كان هناك من يقول إن قدوم هيل بالتحديد هو تراجع أميركي ولو نسبي عن بداية المقاربة التصعيدية في لبنان، خصوصاً أن هناك تقييما داخل الادارة الأميركية يقول إن هذا التصعيد فشل ولم يحقق المطلوب فحزب الله لم يستدرج الى الفتنة، وبيئة المقاومة بقيت متماسكة والاقل تأثرا بالاجراءات الضاغطة للعقوبات، وإن الصدع المطلوب داخل بيئة المقاومة سياسياً لم يحصل. وهنا يؤكّد بزي أنّ العمل على الاطاحة بالحريري لم يأت لأسباب تكتيكية بل لأسباب أعمق، فالحريري لم يعد على لائحة الرغبة الأميركية كرئيس للحكومة في المرحلة المقبلة، وهذا يتعلّق بالأداء التراكمي للحريري. الأميركي غير راض عنه، وبالتأكيد من ورائه السعودي ليأتي سيناريو اسقاط الحريري بهذا الشكل غير المتوقّع.
ويسترجع بزي تاريخ الخذلان القواتي للحريري، فما يسمى بمنظومة التحريض التاريخية التي سماها الحريري بقوله "الطاعنين في الظهر"، والتي راكمت داخل السعودية كماً من التحريض على رئيس حكومة تصريف الأعمال، كانت "القوات" على رأس تلك المنظومة التي اشتركت فيها مجموعة من اللبنانيين، وبدت واضحة في الزيارات التي قام بها جعجع، ورئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل، والنائب السابق فارس سعيد لولي عهد السعودية محمد بن سلمان من قبل، بالاضافة الى وجوه أخرى أوغلت في التحريض على الحريري الذي كاد أن يخسر حياته على غرار ما جرى مع جمال الخاشقجي.
ويلفت المتحدّث الى أنّ علاقة الحريري، ومنذ تلك اللحظة، لم تعد الى وضعها الطبيعي مع جعجع ومنظومة التحريض، رغم أنها استمرت لاعتبارات بعضها يتعلّق بضغط خارجي أو بانتهازية تفرضها الضرورات، فيما لم يستطع جعجع والحريري استعادة التحالف السابق أو منظومة الثقة التي سادت سابقاً. وهنا يُشدّد بزي على أنّ حلفاء الأمس هم من غدروا بالحريري وأعادوا تثبيت واقع الكمين، الذي أعطى دلالات سياسية أقسى بعد أن دخل عليه عنصر المفاجأة، خصوصاً أنه أتى بعد 48 ساعة من لقاء معراب المريح. تلك الدلالات -بنظر بزي- عنوانها أن المسألة لا تتعلق بالحريري كخيار، بل لها علاقة بالاجهاز على الحريري كمشروع سياسي يعول عليه أميركياً وسعودياً في المرحلة المقبلة.
ويختم بزي حديثه بالتشديد على أنّ "الحريرية السياسية كمدرسة باتت أمام معركة بقاء حقيقية ووجودية، معاييرها مختلفة، وقد تكون لأول مرة منذ شباط 2005 أمام لحظة تداعٍ لا قيامة منها".