خاص العهد
الذكرى الثالثة لاغتيال الشهيد الزواري: رسائل استراتيجية ورد مصيري
تونس ـ روعة قاسم
على مدى أسبوع كامل أحيا التونسيون الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال الشهيد التونسي محمد الزواري على يد الموساد الصهيوني في 15 كانون الأول/ديسمبر 2016 في عملية هزّت البلاد واعتبرت انتهاكا صارخا لسيادة الدولة التونسية. والزواري هو مهندس تونسي، وعضوٌ في كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أشرف على مشروع تطوير صناعة الطائرات دون طيار في وحدة التصنيع في كتائب القسام، والتي أطلق عليها اسم أبابيل1. وتخليدا لذكرى الرجل ودوره في الكفاح ضد الاحتلال الصهيوني، أقامت بلدية الكرم في العاصمة التونسية نصبا يمثل خريطة فلسطين ومجسما لطائرة مسيرة في ميدان الشهيد محمد الزواري. وسبق أن أقامت بلديتان في قطاع غزة، هما دير البلح ورفح، نصبين تذكاريين للزواري.
كما شهدت تونس تنظيم عدة ندوات لاستذكار الشهيد التونسي لعل أهمها الاسبوع الذي نظمته الرابطة التونسية للتسامح ومجموعة من منظمات المجتمع المدني احتفاء بالذكرى الثالثة لاستشهاده.
دلالات وعبر
وقال استاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية د. ابراهيم الرفاعي لموقع "العهد" الإخباري إن دلالات احياء ذكرى اغتيال محمد الزواري تدل على ان كل عملية اغتيال تقوم بها "اسرائيل" انما تزرع روحا جديدة بالنسبة للشعوب العربية والشعب الفلسطيني. ويتابع: "يخطئ من يظن ان هذا العدو عندما يقوم بهذا الاغتيال سيقتل روح المقاومة، بل بالعكس فإن استذكار عملية الاغتيال يؤكد ان فلسطين في وجدان الشعوب العربية والإسلامية وان كل ما يقوم به العدو الصهيوني انما يسهم بشكل غير مباشر في اعادة الروح الى المقاومة". مضيفًا: "ان العدو الصهيوني اعتاد على تنفيذ مختلف أصناف الجرائم سواء في فلسطين المحتلة او في الدول العربية من سوريا الى لبنان وتونس والعراق والسودان غيرها". وقال ان هذا السجل الحافل بالإجرام للكيان الصهيوني لم يثن هذه الشعوب عن روح المقاومة، ولا أدل على ذلك من ان هذا العدو ـ رغم كل عملياته ومشاريعه ـ انما في الحقيقة يعكس بعده وخوفه الداخلي من التفكك وذلك انطلاقا من متغيرات اخرى تنخر داخل الكيان وايضا تحيط به من كل حدب وصوب لان الكيان الغاصب غير طبيعي في المنطقة وهو سائر الى التفكك".
استهداف النخب العربية
من جهته اعتبر الكاتب والباحث عابد الزريعي رئيس جمعية دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء لـ "العهد" ان احياء ذكرى استشهاد الزواري في تونس تحمل عدة معان ودلالات لعل أهمها أن الكيان الصهيوني يحاول ان يقوم بعملية اختراق كبرى على مستوى الساحة العربية مستفيدا من دعاة ومروجي فكرة التطبيع من اجل فرض الهيمنة على المنطقة. وتأتي اهمية احياء هذه الذكرى بمعناها ودلالاتها في انها تتوافق مع عملية تطبيع كبيرة تدور الآن من خلال مشاركة هذا الكيان في فعاليات تقام في اكثر من بلد عربي خاصة في الخليج.
لذلك ان اهم استخلاصات الذكرى ان العدو باغتياله للعالم التونسي يستهدف ايضا النخب العربية المثقفة العالمة لمنع اية امكانيات للتطور في المنطقة وكل ذلك يجعل من عملية مقاومة الكيان مقاومة مصيرية تتعلق ليس فقط بمصير جيلنا الحالي بل بأجيالنا القادمة.
توسيع دائرة الإرهاب الصهيوني
اما عن دلالات توقيت العملية وبعدها المكاني فيضيف الزريعي: "إذا نظرنا الى تاريخ تنفيذ العملية يوم 15 كانون الأول/ ديسمبر 2016، والذي يصادف ذكرى تأسيس حركة حماس التي وزعت بيانها التأسيسي يوم 15 كانون الأول/ ديسمبر 1987 نجده ينتصب كقبضة يد ميزان بين جملة من الاحداث التاريخية الممتدة من بدايات هذا الشهر ونهاياته. فقبله بأيام ذكرى انطلاقة الانتفاضة 8 كانون الأول/ ديسمبر 1987 وذكرى الجبهة الشعبية 11 كانون الأول/ ديسمبر وكذلك يوم 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948 تاريخ اصدار قرار 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين.
وبحسب الزريعي فإن العدو أراد ان يفرغ هذه الاحداث من مضامينها بحرف توجه الذاكرة الجماعية من الاحتفاء والنهوض الى الانكفاء والقعود. ويتابع: "ان استهداف الشهيد على ارض تونس خلافا للعديد من الشهداء التونسيين الذين استشهدوا في صفوف المقاومة الفلسطينية، وان اختيار ارض تونس لاغتيال أحد ابنائها هي مسألة لم تحدث قبل ذلك. وهنا لا بد من الانتباه الى ان مكانة تونس الجيوسياسية في المغرب العربي تكاد يتشابه مع مكانة فلسطين الجيوسياسية على مستوى الوطن العربي، فاذا كان الامساك بفلسطين يعني الفصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه، فان الامساك بتونس يعني الفصل بين مشرق المغرب العربي ومشرقه ايضا. وهذا ما يفسر التركيز على تونس والايحاء بانها باتت من الناحية الامنية في قبضة اليد. لذلك فان اختيار تونس كمكان للتنفيذ وفي هذا الوقت بالذات بكل محدداته الاقتصادية والسياسية والأمنية المعروفة، يهدف الى خلق انطباع عام يفيد بان الساحة التونسية باتت مستباحة. ولتدعيم هذا الانطباع راح المحللون الصهاينة يتحدثون عن ان تونس بوصفها «هدفاً ليناً" أي سهلة الاختراق. وكانت الخطوة الأهم في ترسيخ هذا الانطباع ارسال فريق من القناة العاشرة الاسرائيلية ليقوم بالنقل من امام بيت الشهيد. والتعمد ان يكون النقل باللغة العبرية بما خلق قناعة عامة بالاختراق الكبير. وأكد الزريعي ان الاحتلال الصهيوني يريد الانتقال الى مرحلة جديدة من العمل تتسم بتوسيع دائرة الارهاب الصهيوني وتعميم عمليات الخطف والاغتيال.
ان استشهاد محمد الزواري ليس خاتمة او نهاية لمسيرة نضالية حافلة كما اراد العدو الصهيوني ذلك، وإنما يمثلّ شعلة تضيء وتؤسس لمرحلة قادمة في النضال ضد الكيان الصهيوني سواء في فلسطين المحتلة او تونس او أي بلد عربي آخر بمختلف الأشكال النضالية سواء الثقافية او السياسية او الاقتصادية وغيرها.