خاص العهد
ما بين الحريري وجنبلاط.. قلوب مليانة
فاطمة سلامة
حتى الأمس القريب، ظلّ رئيس الحزب التقدمي "الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط يرسل تغريداته التي يضعها على "تويتر" على البريد الالكتروني الخاص بعدد من الصحفيين والشخصيات لضمان وصولها الى أكبر عدد ممكن. وجد جنبلاط في "تويتر" فرصة للتعبير عن كل مواقفه، حتى تلك المتعلّقة بعلاقاته مع القوى السياسية. فمن خلال تغريدات جنبلاط تعرف مسار العلاقة بينه وبين آخرين. وهو الأمر الذي جعل من "تويتر" مساحة للرد على مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي. وفي هذا الصدد، برزت الثلاثاء، تغريدة لجنبلاط يُصوّب فيها على رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري قائلاً "بالأساس، فإنّ الأقنعة ساقطة واللعبة مكشوفة. ان تفاهم البوارج التركية والاتصالات بين البرتقالي والأزرق والذي خرب البلاد يبدو يتجدد بصيغة أخرى مع لاعبين جدد في حكومة التكنوقراط..". هذه التغريدة، استدعت مقابلها تغريدة من الحريري قال فيها "فعلاً الاقنعة سقطت واللعبة انكشفت... في ناس عندن عمى ألوان بالسياسة ونظرهن مروكب على اللون الازرق ... رافضين يفوتو عالحكومة من الباب وراكضين يفوتو من الشباك..".
حرب التغريدات - اذا صح التعبير- لا تخرج عن السياق الذي وصلت اليه العلاقة بين بيت الوسط وكليمنصو. المحلل السياسي وسيم بزي يوضح في حديث لموقع "العهد" الاخباري أنّه ومنذ 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، تاريخ اختطاف الحريري في السعودية لم تعد العلاقة بين الأخير وجنبلاط على ما يرام. تلك العلاقة لم يعد فيها لحظة انسياب تكون فيها القلوب صافية، فالحريري أدرك جيداً بعد ما جرى معه في السعودية أن جنبلاط ورئيس حزب "القوات" اللبنانية سمير جعجع كانا أصحاب خناجر حقيقية وضعت في ظهره. تلك العلاقة المتوترة ساهمت في تأزيمها - بحسب بزي - الخلاف على رئاسة بلدية شحيم بين "المستقبل" و"الاشتراكي"، فرغم صغر تفاصيل هذا الخلاف لكنه شكّل اختصاراً لما يسمى القلوب "المليانة"، لتأتي عقبها حادثة قبر شمون الشهيرة وما تلاها من تداعيات تحت عنوان جوهري غير مرئي اسمه "تململ" جنبلاط ومن خلفه في الداخل والخارج من استمرار الحريري في الانخراط بالتسوية الرئاسية.
وبحسب بزي، تبيّن أنّ" جنبلاط وجعجع - وليس بالضرورة من خلال تنسيق يومي أو انسجام لكن من خلال تلقي الأوامر من المشغلين في الخارج سواء سعودي مموّل أو أميركي يدير- كانا يصوبان على الحريري لاخراجه من التسوية الرئاسية". من وجهة نظر بزي، فإنّ أي متابع سياسي لا بد أن يلاحظ الرسائل المستمرة التي كان يمررها الأميركيون والانتقادات لجهة أداء الحريري واتهامه بالارتماء بأحضان رئيس الجمهورية ميشال عون. فرغم تسوية قبرشمون الفولكلورية، لم تنفك أدوات واشنطن من متابعة التصويب على الحريري، وصولا الى انكشاف هذه اللعبة بشكل مفضوح في 17 تشرين الاول/أكتوبر، اذ كان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية ديفيد شنكر هو المحرك لبيادق اللعبة عند أدوات الداخل اللبناني. جعحع كان المبادر الأول للخروج من الحكومة وجنبلاط تلقى أمر الاستقالة من شنكر وربط خروجه بخروج الحريري لاحراجه وممارسة الضغط عليه للاستقالة.
ينطلق بزي من المقاربة السابقة ليقول أنه ومنذ لحظة استقالة الحكومة كان الانسجام بين الرجلين غير قائم نهائياً، خصوصاً لجهة الاختلاف في تشخيص الأزمة بين جنبلاط والحريري ربطا بالمصالح وليس ربطا بالارادة الخارجية. جنبلاط وجعجع انسجما بالكامل مع ما تريده الرياض وواشنطن، حيث استمرت عملية ضح الأوامر والمال لكليمنصو ومعراب حتى أتت المفاجاة الكبيرة التي أخرجت جزءا من الواقع المكنون الى العلن مع الاستشارات التي حصلت مؤخراً، حيث ترك الحريري وحيداً في رحلة التسميات التي سبقت الاستشارات لدى طرح أسماء ثلاثة. في هذه المرحلة لم يكن جنبلاط راض عن أداء الحريري لأن الحدة بلغت حداً غير مسبوق. وبالتالي كان جنبلاط الأكثر انسجاما مع الارادة السعودية الاميركية بعدم عودة الحريري الى رئاسة الحكومة. من هنا، أتت تسمية السفير السابق نواف سلام من قبل جنبلاط وعدم تسميته من قبل الحريري لتُخرج ما في القلوب "المليانة" الى السطح. بمعنى أن عدم تسمية سلام من قبل الحريري تعطي دلالات عدة خصوصاً أنّ سلام أقرب من رئيس حكومة تصريف الأعمال الى جنبلاط، كما أنه محسوب على الحريري فهو ابن بيت الحريرية السياسية ومقرب من فؤاد السنيورة، وقاض كانت له صولات وجولات في المحكمة الدولية والامم المتحدة.
وبالتالي، فإنّ المسالة - وفق حسابات المتحدّث - أبعد وأعمق بخلفياتها ودلالاتها من قضية تسمية، وهي بطبيعة الحال لا تعبر عن ادعاءات جنبلاط أمام أحد السفراء لجهة أنّ تسميته لسلام نابعة من العلاقة الشخصية التي تربطه به، هذا "تدليس" - برأي بزي - وغير صحيح. سلام كان خيارا جديا للأميركيين بغض النظر عن فقدان الأمل من نيله الأكثرية، لكنها كانت رسالة في السياسة ذات رمزية يراد من خلالها إحراج الحريري بالذات الذي اتخذ خطوة نصف جريئة حين بادر لعدم تسمية سلام وترك الباب موارباً مع حزب الله وحركة أمل، وبالتالي موارباً مع مرحلة دياب. كما أنّ الحريري لا يريد أن يعطي شرعية لابن بيروت وابن عائلة سلام الذي يمتلك علاقات دولية خصوصاً مع الاميركيين، فبمجرد اعطائه هذه الشرعية، يكون الحريري قد وضعه في خانة المطروحين لاحقاً كرؤساء حكومة.
وفيما يتعلّق بحرب التغريدات الأخيرة، يوضح بزي ان العلاقة بين الحريري وجنبلاط انتقلت الى مستوى جديد من التخاطب يتعلّق بخفايا تشكيل حكومة حسان دياب. عمل جنبلاط على زرع "لغم" واضح عبر إعادة ربط الحريري بالبواخر (البوارج كما وصفها) ووزير الخارجية جبران باسيل والعلاقة مع القوى السياسية على ضفة 8 آذار، وتحديداً الثنائي الشيعي، وفي الوقت نفسه فإنّ رد الحريري يبيّن كم هو مستفز لطريقة كلام جنبلاط عن الألوان لدرجة انه اتهمه بعمى الالوان. هذا تعبير واضح - برأي بزي - عن واقع التشرذم بين ثلاثي "القوات"- "الاشتراكي"- "المستقبل"، وهو واقع كان موجوداً في المرحلة الماضية، لكنّه ظهر الى العلن أكثر اليوم.
ويعتبر بزي أنّ المسالة ليست تشظي ارث "14 آذار" بقدر ما هي إدراك جنبلاطي بأن حقبة الحريري ذهبت الى زمن غير معلوم، بمعنى أنه بات خارج مشهد الحكومة. ويوضح المتحدّث أن الحريري لم يذهب بعيداً في التصعيد مع "التيار الوطني الحر" والثنائي الشيعي انطلاقاً من أنه لا يريد قطع الجسور، ويراهن على العودة الى الرئاسة في توقيت ما بعد فشل حكومة حسان دياب، كما يعمل على حماية مصالحه داخل السلطة.