خاص العهد
عماد مغنية: كل القضايا شتات إلا فلسطين
سامر الحاج علي
نحو الحدود تمر بنا الطريق على اللبونة في مرتفعات الناقورة، هناك بعض من أماكن يمكنك أن تشتمّ فيها رائحة "الشبح" الذي قلّب الأرض أثلاماً وأثلاماً حتى أنبت فيها أرواحاً لا تموت. وكأنه رسم في فلوات أكناف بيت المقدس طلاسم لا يدرك فك معانيها إلا من أتقن لغة السّلاح من قَبل أيام الاجتياح إلى ما بعد ليالي رايات التبشير.
هناك على حدود الفتح الذي رسم طريقه "حاج فلسطين" يمكنك أن تدرك جيداً في أي ذات شوكة مضى منذ بداية رحلة عمره. عمره الذي أفناه وهو يمني الطرف ببعض من حكايا العودة وقصص آخر الطريق. إذ دخل الأرض كما دخلوها من قبل أول مرة، وكبّر في فناء محمّدي مستعيداً حكايا الأنبياء من قبل سليمان ربما، فموسى وابن مريم ترقباً لابن الحسن (عج). وبين هذا وذاك معاجز فهم عماد مغنية كيف يفك معانيها ليعيدها على صورتها الأولى، حقيقة أزلية لا يهادن فيها ولا يقوى على تركها. كل القضايا شتات إلا فلسطين، الساكنة في قلبه كما تراها عند وصولك إلى اللبونة.. على مرمى حجر.
*حكايا زمن البدايات
من اللبونة تواصل بنا الطريق إلى النقطة المقابلة لموقع الحمرا في منطقة الموقع المهجور بخراج علما الشعب، هناك تحيط بك مجموعة من المواقع العسكرية الصهيونية المتمركزة لحماية قطعان المستوطنين من حدقات عيون ينتظر رهبانها إشارة العبور، وكل ذلك وفق تعليمات الحاج رضوان الساكن في كل شبر من حدود الأرض الجنوبية. وهناك كان رفيقٌ من أيام جهاد عماد، يحلو لنا أن نسميه "أبو جهاد"، اللبناني الذي يحمل هوى فلسطين هوية وفي سجلّه كثير من الحكايا التي تعيدك إلى زمن البدايات، الى يوم حمل عماد مغنية البندقية مرعباً فلول الاجتياح عند مداخل بيروت، ويوم كتب بعبقرية تكتيكاته هزيمة متعددة الاتجاهات في تموضعات ظن أصحابها أنها أقوى من بروج شُيِّدَت لتبقى فهَوَت كما تهوي الريح في ليالي شتاء عاصف.
* معسكرات التدريب
في تلك الفترة، كان توجُّه الشهيد عماد مغنية للاستفادة من وجود فصائل المقاومة الفلسطينية في منطقة البقاع، وبحسب أبو جهاد، التحق مع مجموعة من رفاقه بأحد معسكراتها ليخضعوا لدورة في حرب العصابات ومكافحة التجسس والاستعلام عن العدو، انطلاقاً من فكرة كان يرددها وتتلخص في أنه وبالرغم من كل المعارف العسكرية التي يمتكلها الأفراد إلا أنهم بحاجة دائمة إلى تطوير المعارف والإدراك العسكري واستخدام الوسائط المتاحة لأفضل أشكال المواجهة مع العدو.
ما ميّز الشهيد عماد في هذه الدورة بنظر أبو جهاد أنه ورغم معارفه الأمنية والعسكرية السابقة إلا أنه كان يؤمن بالفريق الذي يجب أن يكون بقدر المسؤولية. والفريق المقصود هنا هو هذه الثلة من الشباب المتدربين الذين اكتشفوا من خلال تصرفاته أن الكاريزما لا تصنع فريقاً بقدر ما أن الفريق هو من يحمي هذه الشخصية وهذه الكاريزما، كما اكتشف المدربون تماماً حينها أنهم أمام حالة خاصة لديها المعرفة والكفاءة القتالية ولها القدرة على السيطرة والقيادة.
* كل التجمعات الاسرائيلية من محيط بيروت الى الدامور يجب أن تضرب
و
* لا قيمة لأي مقاومة لا تنتصر لفلسطين
ويكمل أبو جهاد الحديث عن عماد مغنية الذي كان دائما يُثقِّف بالمفهوم العقائدي والوطني والشرعي أن ليس هناك من قيمة لأي مقاومة لا تنتصر لفلسطين، وأن هذه المقاومة يجب أن تقوم على توحيد الجهود لمواجهة العدو، ومن هنا تبرز اهتماماته بالصراع الاسرائيلي - الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة. كانت لديه القدرة على تأمين التسليح وموارد استمرار المعركة ليس للحركات الإسلامية فقط بل لكل الفلسطينيين من مقاتل ومواطن وأسير ما جعل منه ومن حزب الله جوهرة عقائدية قتالية للشعب الفلسطيني وقوة مضافة في صراعهم في العدو، تماماً كما الجمهورية الإسلامية في ايران، حيث كان عماد مغنية يرى منذ مجيء الحرس الثوري إلى لبنان أن هناك أهمية لوصل العلاقة بين الحرس وبين الثورة الفلسطينية وبين الشعبين الإيراني والفلسطيني وبقية الشعوب العربية.
* العلاقة مع غزة وفصائل المقاومة فيها
و
لا يتوقف وفاء الحاج رضوان لفلسطين على بُعد العسكر والأمن، اذ كان يمتلك الحس الانساني ارتباطا بمعاناة الشعب الفلسطيني ومخيمات اللجوء. يلمس أبو جهاد أن الفلسطيني كان شريك عماد في التربية والعلاقة والجغرافيا والمصير المشترك وكان ينظر الى المخيم على أنه خزّان انساني يجب أن يُحترم تاريخه وحقه النضالي وكرامة الشعب بداخله وكان على الدوام يجول فيها ويزورها.
* رسالة ودمعة
يتواصل الحديث الذي لا يمكن حصره بصفحات وكلمات ويمضي الوقت الذي كنا نرى فيه وجه عماد مغنية فوق تلال فلسطين المنكشفة أمام الحدود. يردد أبو جهاد بعضاً من كلماته التي يألفها، وفيها رسائل لصديقه القديم: الفكرة التي تقول إن حزمة القوة تسقط مغتصب وإن البندقية المرتبطة بالعقيدة تقاتل كي تنتصر، وإن الشعب الفلسطيني مستمر في مسيرته القتالية تحققت، و
تدمع عينا أبي جهاد، ويحمل في يديه صورة لشهيد الأمة المقاوِمة، يلقى بها إلى ما خلف الحدود ثم يركع ويقبل تراب الأرض ويمضي في رحلة العودة إلى حيث أتى، هناك يمكنه أن يكتب ما شاء من قصص تختزنها أوراق الزمان الذي شاب من وقع دماء أرهقت مشاريع الاستكبار وأذلت كل مغتصب داس هذه الأرض.. فقصمت ظهره، والتوقيع على الدوام.. عماد مغنية.