معركة أولي البأس

خاص العهد

مرضى الفنار.. عام على الحياة‎
21/02/2020

مرضى الفنار.. عام على الحياة‎

سامر الحاج علي

في روايات أهل الأرض يحدث أن تُقتل نفس ببارود ونار، ويحدث أن تُسلب حياة بأساليب غوغائية على الرغم مما وصلنا إليه من قشور الحضارة، ولكن يحدث ويحدث أيضاً أن تُذبح نفوس مظلومة بسيف الإهمال اللامحدود. وفي ذلك تجلّيات واضحة لنظام الإفساد في جمهورية لا يحكمها الدستور بقدر ما تحكمها مفاهيم وسياسات تتعاقب على جلد الضعفاء ببنود لا تبرر للقتل أي وسيلة. وليس بالضرورة للقتل ان يأخذ من الإنسان روحه.. إنما قد يحيل القتل إنساناً إلى خانة الموت على قيد حياة.

وكالموتى على قيد حياة، كان مرضى مستشفى الفنار للأمراض النفسية والعقلية، مجموعين في عنابر مقفلة يكاد لا يدخلها غير هواء لا يشبع جوعاً أو يشفي مرضاً أو يبث الدفء في فراش بارد. كل هذا كان قبل عام واحد من اليوم، وقبل أن تتحرك وزارة الصحة العامة وتأخذ قراراً بنقل النزلاء إلى مراكز رعائية وصحية تهتم بهم وتعيلهم ريثما يعاد تأهيل الفنار وتوفير الظروف الملائمة فيه لإقامة من هم بحاجة لمثل هذه الظروف.

في دار الإمام الكاظم (ع) التابع لجمعية إمداد الإمام الخميني في منطقة الحوش جنوبي صور، يقيم اليوم خمسة وثلاثون مريضاً أُحضروا من الفنار تحت رعاية فريق متخصص في مختلف المجالات الصحية والنفسية والغذائية المطلوبة لمثل حالاتهم. الصورة اليوم تختلف تماماً عما كانت عليه قبيل عام. حتى أن من لم يدخل في تفاصيل معاناة هؤلاء يكاد يغبطهم على ظروف الرعاية التي يتمتعون بها اليوم. ولكن حتى هذا الذي قد يغبطهم سيغوص رغماً عنه في تفاصيل ما كانوا يعيشونه في السابق خاصة إذا سمحت له الظروف بأن يسأل المرضى أنفسهم عن حالتهم، فعلى وجوههم ضحكات أكبر من كل الكلمات وعلى ألسنتهم تمتمات تحاول أن تخفي غصة تسكن حناجرهم إذا ما فكّروا للحظة بأن الحياة قد تعود بهم يوماً إلى حيث أتوا .

بين الغرف في القسم يجول د. مصطفى حمدان الذي يتولى إدارة الدار منذ سنوات. جولته الروتينية للاستطلاع على أحوال القاطنين هنا لا تخلو من دردشة واستماع لبعض مطالبهم، ثم حديث ينقل لموقع "العهد" الإخباري الواقع كما هو بعد مرور عام من بداية رحلة عودة مجموعة من الناس إلى الحياة.

لا يتجاهل حمدان خلال حديثنا معه معاناة العاملين في المركز مع هذه الرحلة الطويلة، فمنذ وصول المرضى إلى هنا كانوا في حالات جسدية ونفسية وصحية صعبة للغاية وهذا ما تطلب وقتاً لتنظيم أوضاعهم والبدء بمسيرة التأهيل والعلاج لكل حالة على حدة، ناهيك عن ان النزلاء الجدد كانوا يفتقدون لأبسط معايير النظافة الشخصية نتيجة للظروف التي كانوا يعانون منها. يؤكد حمدان أن الرحلة وصلت اليوم إلى مرحلة متقدمة وقد انتقلنا من تقديم أساسيات الحياة إلى كمالياتها، ويلفت إلى أن المركز يقدم كل ما يطلبه المرضى وكل ما لا يخطر ببالهم من رحلات وزيارات لأماكن سياحية ومطاعم وغيرها.

ويشدد حمدان في حديثه على الخدمة التي يقدمها وفريقه، على أن المسألة بالنسبة لهم إنسانية أكثر من كونها دينية فهم يتعاطون مع مستضعفين من مختلف الطوائف ويبذلون قصارى جهدهم لحملهم على كفوف الراحة، وكل ذلك يأتي وفق توجيهات جمعية الإمداد الخيرية التي وضعت امكانياتها في خدمتهم بمواكبة من قبل وزير الصحة في ذلك الوقت الدكتور جميل جبق.

ولم يقتصر عمل الفرق المتخصصة في الدار على متابعة الامور الصحية للمرضى بل جرى العمل بشكل حثيث على إعادة ربطهم بعائلاتهم وهو ما استحال واقعاً مع الوقت، اذ بدأت زيارات معظم الأهالي إلى المركز للاطلاع على أوضاع مرضاهم وحالاتهم الصحية والنفسية وغيرها، والتي تطورت كثيراً وفق ما تؤكد د. سهير مهدي المتخصصة بالصحة العامة والطب العائلي في المركز والتي تحدثت لموقع "العهد" الإخباري عن المسيرة الطبية التي مر بها النزلاء هنا.

وتشير مهدي إلى أن المرضى جميعاً خضعوا لكافة الإجراءات الطبية من فحوصات وجلسات علاج انطلاقاً من الأساسيات وصولاً إلى كل الإجراءات الأخرى، وقد أجريت العديد من العمليات الجراحية لمن يعاني من انسداد في الشرايين مثلاً، أو أولئك الذين يعانون من مشاكل في الجهازين التنفسي والهضمي، والاجراءات المطلوبة اتخذت لمن كانوا يعانون من ارتفاع في مستويات السكر وضغط الدم حتى أصبح بإمكاننا اليوم أن نقول إن الأوضاع الصحية والنفسية لجميع مرضى الفنار أصبحت جيدة وتحت المتابعة.

وتلفت مهدي إلى أن جميع مرضى الفنار كانوا يعانون من مشاكل في الأسنان وقد جرت معالجتهم جميعاً، إضافة إلى زيارات يقومون بها لأطباء ومراكز طب العيون والعناية الغذائية التي يشرف عليها أخصائيون يعملون في المركز على مدار الوقت.

المشهد داخل المركز يستحق التقدير حقاً، وهو ما يثني عليه وزير الصحة السابق د. جميل جبق في حديث لموقع العهد الإخباري، حيث أبدي إعجابه بالخدمة التي يجري تقديمها للمرضى الذين يعيشون في ظروف تصل إلى حدود "السبع نجوم" على حد تعبيره.

وأشار جبق إلى أن قراره الذي قضى بإقفال الفنار كان بسبب المعاملة السيئة للمرضى وتجاوز الأمور الطبية والاجتماعية على أن يتم افتتاحه ريثما يجري تأهيله وتأمين الظروف الملائمة للإقامة فيه، مشدداً على أن المخصصات المالية العائدة للمراكز التي انتقل المرضى إليها والمدرجة في عقود أبرمت مع الوزارة محفوظة وسيتقاضونها كاملة ولكنها لم تحوّل إليهم من قبل وزارة المالية بسبب التعثر المالي الذي تمر فيه البلاد.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل