خاص العهد
"الكورونا" والاضطرابات النفسية.."نحنا حدّك" في المواجهة
فاطمة سلامة
حين نتحدّث عن صحة الفرد فإننا حكماً لا نعني الصحة البدنية فقط. لا يمكن الحديث عن إنسان سليم لمجرد أن يسلم بدنه من الأمراض، بينما الاضطرابات النفسية تحاصره. فالصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، وعافية المرء في الاثنين معاً نظراً لقوة العلاقة التي تربط النفس بالجسد. لا بل وضع بعض العلماء الصحة النفسية كشرط يساعد على نمو أفضل للفرد من الناحية الجسدية والذهنية والعاطفية، اذ كثيراً ما نسمع مثلاً عن أشخاص تغلبوا على الأمراض الجسدية بفعل صبرهم وثباتهم وصحتهم النفسية السليمة. وفي المقابل، نجد أشخاصاً هزمهم المرض وانتصر عليهم جراء ضعف إرادتهم وايمانهم.
ولا شك أنّ أهمية الصحة النفسية تكبر وتتوسّع حيال الأزمات التي يواجهها المجتمع، خصوصاً تلك المتعلّقة بصحة الجسد، والتي يخشى فيها الفرد الأذى الجسدي. فتراه خائفاً على مصيره، يستلهم من خوفه شتى أنواع القلق والاضطرابات والوهم، تماماً كما يحدث اليوم مع بعض الأفراد في المجتمع الخائفين من أن يصيبهم كأس "الكورونا"، سيما وسط كمية الأخبار الزائفة والشائعات التي تسري على الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم. فالفرد منا ينام ويستيقظ على أخبار ومعلومات جلها كاذب تفعل فعلها في نفوس المتلقين، وقد تجعل المعافى مريضاً من حيث لا يشعر.
هذا الواقع الذي قد يساهم بشكل أو بآخر في إحداث أزمات نفسية شتى، يستدعي تدخلاً للحد من التأثيرات السلبية للأخبار التي تساهم في خلق مجتمع مريض يعاني من اضطرابات نفسية. ومن هنا جاءت المبادرة الانسانية التي أطلقها طلاب علم النفس في الجامعة اللبنانية بهدف تقديم الدعم النفسي لفئات المجتمع للحد من الأثر النفسي السلبي الذي قد توجده أزمة "الكورونا".
وفي هذا الصدد، يوضح مطلق المبادرة الطلابية لفريق الدعم النفسي "نحنا حدك" الطالب حسين حمية في حديث لموقع "العهد" الاخباري أن الفكرة برزت بالتزامن مع الواقع الحالي الذي نعيشه، والذي لمسنا فيه اقتصار المعالجة من الوباء على جانب الصحة الجسدية فقط، مع إغفال الجانب النفسي، وما له من أثر وأهمية. برأي حمية، عندما نتحدث عن هذا الفيروس المتعلق بالمناعة لا بد أن نولي أهمية للصحة النفسية ونتابعها أكثر من أي وقت آخر. فالجانب النفسي قد يساهم بتأزيم حالة المريض أو قد يساهم بتفجير الاضطرابات التي يسمونها اضطرابات "توهم المرض" وهي الاشكالية الأساسية التي لمسناها خلال متابعة مسار المرض. فلو أجرينا استطلاعاً في المستشفى نجد أن الكادر الطبي مستنزف بمن يتوهمون الاصابة. وفق حمية، تكثر حالات التوهم عند الأفراد في هذه الأيام، فأي فرد يصاب برشح عادي تراه يسارع الى الاستفسار والتوجه الى المستشفى، رغم أن العوارض التي يعاني منها طبيعية لكنه يتوهم أنه مصاب بالـ"كورونا".
ويؤكّد حمية أنّ كمية الأخبار المزيفة والأفكار الخاطئة التي يتعرّض لها الفرد تفعل فعلها لجهة تأزيم الحالة النفسية، ومن هنا فإنّ إحدى تقنيات الدعم النفسي هي تصحيح هذه الأفكار الخاطئة، لأنه واستناداً الى مثلث "الفكر، الشعور، السلوك"، ينتج لدينا سلوك يغزوه القلق والميول الاكتئابية المتأتية من الافكار المغلوطة حيال هذا المرض المستجد.
على قاعدة "درهم وقاية"
ويوضح المتحدّث أننا تجندنا كغيرنا من الطلاب لصالح الوطن، اذ تطوع في المبادرة عدد كبير من الطلاب الى جانب أخصائيين نفسيين من الجامعة اللبنانية لتقديم كافة أشكال الدعم النفسي للجهات المعنية التي تبدو بأمس الحاجة الينا. ويسأل حمية قائلاً: اليوم يبرز دورنا في الأزمات، وان لم نؤد هذا الدور، فمتى نؤديه؟. ويشدّد على ضرورة التدخل المبكر لمعالجة أي تداعيات قد تحدث جراء "كورونا" لأن عدم التدخل المبكر سينعكس بعد الصدمة على شكل ضغوط تصيب عدداً كبيراً من الأفراد، فلبنان الذي كان يوصف ما قبل مجيء "الكورونا" بعصر القلق، قد نصفه بعصر الاضطرابات عقب أزمة "الكورونا" ان لم نبادر للاهتمام بالجانب النفسي فيه على قاعدة "درهم وقاية".
ما هي الفئات المستهدفة؟
ويتحدّث حمية عن الفئات المستهدفة من المبادرة، فيوضح أنّ أولى الفئات هم المصابون بالفيروس وذووهم. لماذا ذووهم؟ لأنّ بعض المحيط يتعامل مع ذوي المصاب بطريقة غير مسؤولة، وكأن الاصابة تهمة أو جريمة. ثاني الفئات المستهدفة هم الأشخاص القابعون في الحجر الصحي نتيجة مخالطتهم للمصابين. وهنا يعطي حمية مثالا ًللدلالة على انعكاس الجانب النفسي على البدني، فأحد الذين كانوا على متن طائرة أقلت مصابين، حدثت له جميع العوارض التي تحدث للمصاب بفيروس "كورونا" كالحرارة وغيرها، لكنه أجرى فحصاً فكانت نتيجته سلبية، وذلك في دلالة واضحة على أهمية الأثر النفسي وانعكاساته.
ويوضح حمية أنّ دور العاملين على المبادرة قد يظهر مثلاً لتحسين الحالة النفسية للمصاب خلال رحلة نقله من المنزل الى المستشفى. في هذا الوقت، يبدو الفرد بأمس الحاجة لاتصال يخفّف من هواجسه وقلقه، خصوصاً وسط حالة الانكار التي بتنا نعيشها من قبل المصابين الذين يرفضون تقبل الواقع. ويشدد المتحدّث على ضرورة تبيان الوقائع للرأي العام لجهة أن نصف الموجودين في المستشفى لا يحتاجون لحبة دواء، هذا التوضيح –برأي حمية- يخفّف من قلق كثيرين ويُهوّن عليهم.
أما ثالث الفئات المستهدفة، فهم مختلف شرائح المجتمع الذين ينفذون حجراً منزلياً ويعاني معظمهم من القلق، وبعض الاضطرابات أو الخلافات بين الأزواج والأولاد والتي قد يوجدها الحجر، ما يضع أمامنا مسؤولية تزويدهم ببعض الارشادات التي تخفف من حدة التوتر بينهم.
وفيما يوضح حمية أننا كتجمع طلابي تقدمنا بالمبادرة عبر الجامعة اللبنانية، وتواصلنا مع عدة جهات على رأسها وزارة الصحة والصليب الأحمر والجمعيات،
يلفت الى أننا كطاقم لا يزال عملنا يقتصر على المتابعة الفردية كل حسب قدراته، وعلى رفد الجهات التي تحتاج الى متطوعين، لكننا لم نضع خطوطا ساخنة بعد بانتظار الضوء الأخضر من وزارة الصحة والجامعة اللبنانية لتبني المبادرة، للانطلاق بعدها باتجاه الخطوات المرعية بما أتيح لنا من إمكانيات.
كيف ستتم المتابعة؟
يشير المتحدّث الى أنّ المتابعة ستتخّذ شكلين، أول عبر التواصل عن بعد وتقديم المرافقة والدعم النفسي بواسطة الاتصالات الهاتفية والانترنت ربما.
أما الشكل الثاني، وهو الشكل الذي نصر عليه ويتمثل بالجانب الميداني عبر مواكبتنا للمريض في المستشفى، وهو الأمر الذي يتحفظ عليه الصليب الأحمر انطلاقاً من فكرة عدم زيادة عدد الاصابات، ولكننا نؤمن أن وجودنا في الميدان لا يعني مخالطة المصابين، ونؤمن أيضاً أن رسالتنا تكون مؤثرة في الميدان أكثر من التواصل عن بعد.
ويختم حمية حديثه بالإشارة الى أنّنا لمسنا حافزية كبيرة جدا وتحمساً من قبل عدد كبير من الطلاب والأخصائيين على امتداد الأراضي اللبنانية عبر اتصالات أعربوا فيها عن استعدادهم للتواجد في المستشفيات والوقوف الى جانب المرضى وتقديم الدعم النفسي لهم كشكل من أشكال الجهاد في هذه الأزمة المستجدة.