خاص العهد
ما هي حقيقة "تفخيخ" لوائح الأكثر فقرًا؟ وكيف تواجه الحكومة تحدي توزيع المساعدات؟
ياسمين مصطفى
مع إعلان وزارة الشؤون الاجتماعية تأجيل تقديم المساعدات المالية للعائلات الأكثر فقرًا لوجود "أخطاء" في قوائم الوزارة، وبعدما كشف رئيس الحكومة حسان دياب وجود لوائح "مفخخة"، شرع "البعض" في لبنان بالاصطياد في الماء العكر، ولم يتورعوا عن اتهام الحكومة - حديثة العهد بالحُكم - بالتسيس والكيدية وإعداد اللوائح الانتخابية.
تناسى هؤلاء أن "اللوائح لوائحهم وأن الأسماء وُضعت خلال توليهم وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومات المتعاقبة"، بحسب ما أعلن الوزير مشرفية، كما تجاهلوا أن هذه الحكومة وافقت على خوض مهمة "انتحارية"، وقيادة دولة متهالكة ينخرها الفساد، علها تستطيع بأنقاض وفتات ما تركته الحكومات الماضية النهوض بلبنان من جديد.
متى كان آخر تحديث لقوائم الأكثر فقرا في وزارة الشؤون الاجتماعية؟
"داتا" برنامج الأسر الأكثر فقرًا لم يتم تحديثها منذ العام 2018، أي حين كان مرشح حزب "القوات اللبنانية" بيار بو عاصي على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية"، الكلام لمستشار الوزير مشرفية عاصم أبي علي، الذي أكد في إطلالة تلفزيونية أن "القوائم كانت موجودة في مجلس الوزراء، وتم الاستعانة بها لتحديد المدرجين تحت خط الفقر وعددهم نحو 27 ألف عائلة، وشدد على أن بياناتها موجودة منذ عام 2018 ولم يتم إضافة أي اسم على تلك البيانات، وبالتالي فالمسؤولية في "التعثر" الحاصل تقع على عاتق الجهات التي كانت تتابع هذا الملف في السابق"، بحسب أبي علي.
وزارة الشؤون الاجتماعية في إحدى الحكومات المتعاقبة وضعت نظام "IT" لإجراء مسح للعائلات الفقيرة في لبنان كلّف 7 ملايين دولار
مصادر رسمية مقربة من رئاسة الوزراء كشفت لموقع "العهد" الإخباري أنه حين شرعت لجنة المساعدات الاجتماعية في الحكومة بتجميع "داتا" للعائلات الأكثر فقرا في لبنان ليصار إلى توزيع المساعدات المالية المرصودة عليها، تفاجأ المعنيون بأنه لا يوجد لوائح مكتملة في وزارة الشؤون الاجتماعية لرصد هذه الفئة من اللبنانيين.
هذه "الفضيحة" كانت غيضًا من فيض ممارسات الوزارات المتعاقبة في هدر المال العام، إذ كشفت المصادر نفسها أنه جرى في وزارة الشؤون الاجتماعية في إحدى الحكومات المتعاقبة وضع نظام "IT" لإجراء مسح للعائلات الفقيرة في لبنان، كلّف 7 ملايين دولار، لكن المفارقة أن اللوائح المدرجة كانت "مفخخة" بأسماء 100 ألف مستفيد سياسي بحسب ما كشف الرئيس دياب، فضلا عن أسماء عُملاء للعدو، ومطلوبين للعدالة، ومتوفين، ومواطنين "ميسورين" وأصحاب أملاك وأراضٍ، وموظفين في القطاع العام، فكانت اللوائح بحسب المصادر الحكومية "تنفيعات سياسية" تهدف لتحقيق مصالح انتخابية.
مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاجتماعية وعضو لجنة المساعدات الاجتماعية المهندس حسين قعفراني أوضح في حديثه لموقع "العهد" الإخباري أن الهدف كان تجميع "داتا" للبنانيين الأكثر فقرا لكن العقبة الأولى كانت النقص الكبير بأسماء هؤلاء في كثير من الوزارات التي اعتمدتها لجنة المساعدات الاجتماعية كمصادر لتحصيل اللوائح.
عناصر الجيش اللبناني خلال توزيع المساعدات المالية للمستحقين من مصابي الألغام
من هي الفئات المستهدفة والمستحِقّة للمساعدات المالية؟
التوجه بحسب قعفراني كان لتقديم المساعدات لأهالي طلاب المدارس الرسمية، لكون هؤلاء غير قادرين على تسجيل أولادهم في المدارس الخاصة والذين عادة ما يكونون من الطبقة الفقيرة، لكن برزت مشكلة تقنية في تسجيل المدارس لأسماء أهالي الطلاب فعلى سبيل المثال مدرستان لأخوين قد تسجل كلٌّ منهما اسم رب الأسرة بطريقة مختلفة، الأمر الذي يشكل إرباكا لجهة حصول رب الأسرة على مساعدتين ماليتين وهو شخص واحد.
الشريحة الثانية المستهدفة كانت مصابي الألغام ولائحة هؤلاء كانت جاهزة لدى الجيش وقد بدأ توزيع المساعدات عليهم فعليا منذ يوم الخميس 16 نيسان، أما الفئة الثالثة فهي الأكثر فقرا من المسجلة أسماؤهم في قوائم وزارة الشؤون الاجتماعية، فضلا عن سائقي سيارات الأجرة الشرعيين من المسجلين لدى الدولة.
يشير قعفراني إلى أن التدقيق في أسماء أعداد من هذه الشرائح خلف عوائق وتحديات كبيرة، فالوقت ضيق، والوضع الاقتصادي المتردي يزيد عدد الفقراء يوما بعد يوم، لذلك كان التعثر والتأخر أمرا طبيعيا، حتى وصلت المهمة لقيادة الجيش، التي قامت بالتدقيق وأعلنت وجود لوائح لأسماء غير مستحقة.
هل ينال أصحاب المصالح المعطلة بسبب قرار التعبئة العامة مساعدة مالية؟
لدى سؤال قعفراني عن أحقية أصحاب المصالح التي فرض انتشار فيروس كورونا إغلاقها بفعل قرار التعبئة العامة، يؤكد مستشار رئيس الحكومة أن هؤلاء أولوية، لكن هناك من هو أولى. بحسب قعفراني، صحيح أن مصالحهم تعطلت لكن أغلب هؤلاء ليس في فقر مدقع وقد يكون لديه بعض المدخرات لصرفها خلال شهرين من الأزمة، لافتًا إلى أن هناك من لا يملك قوت يومه ولا يمكنه تأمين ربطة "الخبز" لعائلته، وحاله ليست مستجدة أي قبل انتشار فيروس كورونا وتعطل المصالح، وقبل ارتفاع سعر الدولار بشكل جنوني وحتى قبل حراك تشرين، لذلك فالوزارة تستهدف هؤلاء بالدرجة الأولى، خاصة أن المساعدات بقيمة 75 مليار ليرة لن تكفي للجميع، حيث إن المساعدة بقيمة 400 ألف ليرة ليست مساعدة بسيطة، ولو أن الدولة كانت قادرة لكانت رصدت الحد الأدنى للأجور أي مبلغ 675 ألف ليرة للمساعدات المالية، لكن هذا يفوق طاقتها.
عناصر الجيش اللبناني خلال توزيع المساعدات المالية للمستحقين من مصابي الألغام
ما الآلية المعتمدة لتخطي العقبات في تحديد المستحقين للمساعدات؟
في حديثه لموقعنا عدد المهندس قعفراني الكثير ممن يصعب البحث عنهم لتقديم المساعدة المالية لهم من غير المدرجة أسماؤهم في قوائم الوزارات المعنية، فعلى سبيل المثال ليس كل صيادي الأسماك مسجلين في القوائم، لذلك فعلى كل هؤلاء التوجه إلى مختار البلدة أو رئيس البلدية، لتعبئة استمارة موجودة على application أطلقتها وزارة الداخلية والبلديات، لتسجيل اسم أي مواطن تنطبق عليه مواصفات المستحقين للمساعدة المالية، ترفع البلديات الاستمارات إلى رئاسة مجلس الوزراء، الذي يقوم بدوره بمقاطعة المعطيات لتحديد المواطن المستحق للمساعدة.
يؤكد المهندس قعفراني أن التحدي كبير والوقت ضيق والعملية صعبة تحتاج لأشهر ولعديد بشري ضخم لإنجاز مسح شامل للفقراء في لبنان، ويسأل:"أي جهة تعرف بالفعل عدد سكان لبنان اليوم"؟ ويضيف مستشار رئيس الحكومة: "لذلك من الطبيعي أن يأخذ الأمر بعض الوقت لتحديد الفئات المستهدفة خاصة أن فيروس كورونا أزمة عالمية فاجأت الدول الكبرى".
من المسؤول عن اللوائح "المفخخة"؟
الهدف اليوم بحسب قعفراني وفي ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي زادت أزمة كورونا "طينها بلّةً" هو ليس التحقيق في الجهات المسؤولة عن التقصير في تحديث لوائح الأكثر فقرا في وزارة الشؤون الاجتماعية، ولا تقفي عثرات البعض، وإنما مد يد العون لفقراء لبنان وإيصال المساعدات المالية إلى مستحقيها، حتى تتكلل العملية بالنجاح.
وفي هذا السياق يتابع قعفراني:" لن نبحث في تركة المتعاقبين من الوزراء والوزارات ولن نذهب اليوم نحو سجالات لا طائل منها، قد يصار إلى فتح تحقيق بالملف بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا وعودة الأمور إلى طبيعتها. ويسجل للدولة اليوم نجاحها في إدارة الملفات الداخلية، خاصة لجهة تسليمها مبلغ الـ75 مليار المرصود للمساعدات ومهمة توزيعها على مستحقيها إلى الجيش اللبناني، لكونه الجهة الوحيدة ذات المصداقية والشفافية".