معركة أولي البأس

خاص العهد

الأموال المنهوبة: ما هي؟ وكيف تسترد؟
29/04/2020

الأموال المنهوبة: ما هي؟ وكيف تسترد؟

فاطمة سلامة

يكثر الحديث هذه الأيام عن الأموال المنهوبة. الأخيرة باتت هدفاً أساسياً من أهداف الحكومة، والمطلوب استرجاعها. طبعاً، العملية المذكورة ليست سهلة، والحكومة تدرك جيداً هذا الأمر. إلا أنّ الصعوبة لا تعني حكماً الاستحالة. شتّان ما بين المعنى الأول والثاني. وعليه، تجهد الحكومة لتحصيل تلك الأموال التي سُرقت بلا رقيب ولا حسيب. وللأسف، فإنّ نهب المال العام بات في فترة من الفترات قاعدة لدى كثيرين. كما أنه لم يقف عند حد معيّن، بل أوصلت الوقاحة البعض الى الاحترافية، لتُصبح عملية سرقة مال الشعب ضربة معلّم تُنفّذ و"لا من شاف ولا من دري". الأمر الذي يجعل هذه القضية متشعّبة ومتداخلة، ما دفع بالحكومة الى مناقشة جُملة من التدابير والاجراءات الآنية والفورية لمكافحة الفساد واسترجاع مال الدولة. 

وبانتظار بلورة خطّة الحكومة النهائية لاسترجاع المال المنهوب، تُطرح الكثير من الأسئلة حول ماهية المال المنهوب. أحدهم قد يتخيّل أنّه ذلك المال الذي نُهب تحت جنح الظلام، باستخدام مفتاح خزينة الدولة. حُكماً لا، فأشكال المال المنهوب تتعدّد وتتنوّع باختلاف الظروف والأماكن. فما هو تعريف المال المنهوب؟ وكيف تتمكّن الدولة من استرداده؟. 

صالح: هدر المال العام متجذّر في الدولة

مدير المحاسبة السابق في وزارة المالية الدكتور أمين صالح يستهل حديثه بتعريف مفهوم الأموال المنهوبة بالإشارة الى أنها كل أموال أخذت من المال العام خلافاً للقانون والأنظمة المعمول بها، أياً كان الشخص أو الجهة التي اخذتها. ويوضح صالح أنّنا عندما نقول إن هناك مالاً منهوباً لا يعني أن أحد الأشخاص فتح خزينة الدولة وسرق المال منها مباشرةً. طبعاً هذا قد يحصل من قبل موظفين وغيرهم، ولكنّ المال المنهوب يتّخذ أشكالاً متنوعة، فقد يأتي على هيئة وضع اليد على الأملاك العامة البحرية، بحيث إن الإيجارات التي من المفترض أن تستفيد منها الدولة يُستولى عليها ما يُخسر الحكومة إيراداتها. مثال آخر يعطيه صالح في معرض حديثه عن أشكال المال المنهوب، يتمثل في تلزيم قد تجريه إحدى المؤسسات العامة بالتراضي وخلافاً للأصول، وتكون نتيجته تكبيد الدولة سعراً غالي الثمن بينما بإمكانها تلزيم جهة أخرى بسعر أقل. الفارق بين السعرين -برأي صالح- هو مال مهدور، ما يعني حكماً مالاً منهوباً. 

 

الأموال المنهوبة: ما هي؟ وكيف تسترد؟

يتوسّع صالح أكثر في ضرب الأمثلة. يدخل في إطار المال المنهوب أيضاً تلك الفوائد المرتفعة التي تُدفع على الدين العام، والتي تتخطى المعدلات المنطقية والعالمية. على سبيل التبسيط كانت الدولة اللبنانية تدفع فوائد مرتفعة بحدود الـ43 بالمئة، هذه الفوائد -وفق صالح- هي حكماً مال منهوب أو مهدور من خزينة الدولة، اذ ان ثلثي فوائد الدين العام هي مال منهوب. فلو كنا سنستدين بشفافية، لكنا دفعنا ثلث الفوائد فقط. وبالتالي فإن الهندسات المالية التي تمّت هي مال منهوب. وهنا يلفت صالح الى أن المال المنهوب قد تتعدّد مصطلحاته من مال مسروق ومهدور وغيره.

صالح الذي عمل لفترة طويلة في المالية العامة، يؤكّد أننا لا نستطيع تقدير الرقم الحقيقي للمال المنهوب، لكنّه حكماً كبير، فالفساد وهدر المال العام متجذّر في الدولة اللبنانية لأن المال العام لم يراقب، وبقينا حوالى 12 عاماً بلا موازنات، ولم يكن لدينا أرقام دقيقة وصحيحة.  فالبيئة السياسية التي نعيش فيها أدت الى عدم المراقبة والمحاسبة. 

وفي الختام، يُشدّد صالح على أننا نعيش ظروفاً استثنائية، ومن هذا المنطلق ولكي نعمل على حل الأزمة علينا القيام بتدابير جذرية وسريعة. برأي صالح، فإنّ الواقع السيئ يدفع باتجاه ضرورة التغيير واسترجاع الأموال، وعلى المواطنين أن يضغطوا على السلطة بطرق سلمية للقيام بإصلاحات. 

كيف تسترد؟ 

يمين: نحتاج الى ثلاثة أبعاد لمكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة

الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين يقارب مسألة الأموال المنهوبة من وجهة نظر قانونية، فيؤكّد في حديث لموقع "العهد" أنّنا عندما نتحدّث عن أموال منهوبة فإننا نتحدث عن أموال جُنيت أو اكتسبت نتيجة جرائم جزائية معاقب عليها في القانون. هذه الجرائم تتراوح بين جرائم الاثراء غير المشروع، وتبييض الأموال، واستغلال الوظيفة وجرائم تتعلّق بنفقات غير واقعية قدّمت للدولة لقاء خدمات معينة فتنطوي في هذه الحالة على تزوير في الفواتير، كذلك فإنّ هذه الجرائم قد تكون من خلال صرف النفوذ للاستفادة من المال العام. ويشير يمين الى أنه ما دامت هذه الأموال المنهوبة تمّ اكتسابها على النحو المذكور أو من خلال عمليات اختلاس مباشر وإساءة أمانة، فقد وجب على الدولة تعقّب المتورطين وإحالتهم على القضاء وصولاً الى اتهامهم ومن ثم محاكمتهم وإصدار الأحكام بحقهم. 

 

الأموال المنهوبة: ما هي؟ وكيف تسترد؟

ماذا تتضمن الأحكام؟، يوضح يمين أن الأحكام تتضمّن شقاً جزائياً يتعلّق بإنزال العقاب بحقهم، لأن هذه الأفعال تشكّل جرائم جزائية معاقباً عليها. كما تتضمّن الأحكام الجزائية أيضاَ شقاً مدنياً يتعلق بالالزامات المدنية، وهذا الشق يجب أن ينطوي على إلزامهم بإعادة الأموال موضوع الأحكام الى الدولة مع الغرامات والفوائد واللواحق والزوائد. 

وفي معرض حديثه، يلفت يمين الى أننا نحتاج الى ثلاثة أبعاد لمكافحة الفساد بشكل عام واسترجاع الأموال المنهوبة بشكل خاص:

البعد الأول: مبادرة القضاء والأجهزة الرقابية الى التحرك وممارسة استقلاليتهم وتطبيق القوانين القائمة على الرغم من النواقص التي تعتريها والمبادرة بكل شجاعة الى استخدام المادة 20 من الدستور التي تؤكد أن القضاة مستقلون في تولي أعمالهم وأن القاضي يصدر حكمه باسم الشعب اللبناني. كما يتعين على القضاة والأجهزة الرقابية عدم التعاطي بذهنية المحميات الحتمية الموروثة بالأذهان.

البعد الثاني: يتعين استكمال المنظومة القانونية حتى تصبح أكثر فعالية على مواجهة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، ومن ذلك:
-تنفيذ قرارات مجلس الوزراء في هذا الصدد والتي تصدر تباعاً 
- إصدار ونشر قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتشكيلها وإطلاق يدها
-وضع المراسيم التطبيقية لقانون تعزيز الحق في الوصول الى المعلومات 
-تعديل قانون الاثراء غير المشروع من خلال إزالة العوائق التي تعتري عملية الادعاء وإسناد عبء الإثبات على من تولى خدمة عامة لتبرير الفارق في الثروة
-إقرار قانون الشراء العام موضوع الدراسة في اللجان النيابية
-الامتناع عن إجراء أي صفقة عمومية إلا من خلال دائرة المناقصات مع تعزيز استقلاليتها الى أقصى درجة
-إقامة الحكومة الالكترونية واعتمادها في أوسع نطاق ممكن
-تعديل الدستور باتجاه جعل عملية محاكمة الوزراء ورؤساء الوزراء بما يتعلق بالاخلال بالواجبات الوظيفية والجرائم الوظيفية من اختصاص القضاء العدلي أو المحكمة الخاصة بالجرائم المالية في حال أقرت وأنشئت، ونزع هذا الأمر من يد المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ونزع الاتهام في هذا الخصوص من يد مجلس النواب.

البعد الثالث: تأمين موازين قوى سياسية على مستوى السلطة والحراك بشقه الصادق في آن واحد مؤيدة لعملية الإصلاح ومكافحة الفساد، والاستفادة من الفرصة القائمة حالياً من خلال وجود قوى أساسية داعمة للإصلاح، ما يعطي أملاً للبنانيين بإطلاق مسارات الإصلاح والبدء بمواجهة جدية وواعدة لمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، يختم يمين.

مكافحة الفساد

إقرأ المزيد في: خاص العهد