خاص العهد
مئة يوم للحكومة..تحديات بالجملة ومستشار دياب يتحدّث لـ"العهد" عن الرئيس: يعمل من الفجر الى النجر
فاطمة سلامة
تُتم الحكومة غداً الأربعاء (20/5/2020) فترة المئة يوم بعد نيلها الثقة. هذه الفترة لطالما شكّلت موعداً لتقييم عمل وإنجازات الرؤساء والحكومات. إنها فترة السماح التي تُعطى من تاريخ نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي ليبدأ البحث عما أنجزته خلال أيامها المئة. ولا شك أنّ عملية رصد القرارات التي صدرت عن الحكومة في هذه الفترة، ومراجعة البيان الوزاري لرؤية ما تحقّق منه وما لم يتحقّق ليست بالمسألة الصعبة. إلا أنّ إصدار الحكم بموضوعية وضمير حي يتطلّب قراءة الظروف المحيطة بعمل هذه الحكومة، وهنا جوهر التقييم. وبطبيعة الحال، فإنّ مساءلة الحكومة ورئيسها عما أنجزته أيام الرخاء لا يُشبه مطلقاً مساءلتها أيام الشدة. شتان ما بين الأولى والثانية. في الأولى، تتجهّز الأسباب لتبدع الحكومات، وفي الثانية تبحث الحكومات عن تلك الأسباب والمقدمات، لا بل تضع كافة امكانياتها الضئيلة لمنع الانهيار.
وعليه، فإنّ وضع الظروف المحيطة بعمل الحكومة، وما سبقها من أوضاع اقتصادية خانقة كمعيار أساسي في التقييم يوصلنا الى الكثير من النتائج بغض النظر عن قاعدة العد والاحتساب التي لطالما اتُّبعت في رحلات التقييم. ولا شك أن ما قامت وتقوم به الحكومة حيال مواطنيها ليس منة منها، بل هو أمر بديهي وواجب عليها وليس بالمسألة المستغربة، إلا أنّ الحق يقال، فمن يقرأ الظروف جيداً، يعلم أنّ حكومة "مواجهة التحديات" التي يرأسها الدكتور حسان دياب تشكّلت في أصعب ظرف يمر به لبنان. حكومة ورثت إرثاً ثقيلاً من التحديات الاقتصادية، المديونية، والعشوائية في الحكم، ورثت مالية شبه منهارة، وأزمة دولار غير مسبوقة، وفسادا يخترق عظام الدولة، وفي ذلك حدّث ولا حرج. وفوق كل ذلك، انشغلت الحكومة في مواجهة تحد عجزت عنه كبريات الدول. واجهت فيروس "كورونا" بتدابير تُرفع لها القبعة، طبعاً بغض النظر عن استهتار المواطنين الذي أعادنا الى الوراء.
28 جلسة وقرارات "جريئة"...
إصدار الأحكام على الحكومة في مئويتها، لا يمكن أن يكون بمعزل عما سبق. وعليه، نستطيع القول أقله إنّ "مواجهة التحديات" قامت وبالإمكانيات المتوافرة بواجباتها. واذا أردنا أن نلتفت قليلاً الى الشكل، فإنّ عدد الجلسات التي عقدتها هذه الحكومة حتى تاريخه هي 28 جلسة وهو رقم يتخطى ربما في بعض الفترات عدد الجلسات التي عقدت على مدى عمر حكومة بأكملها. أما إذا أردنا أن نلتفت قليلاً الى المضمون والعناوين العريضة، فقد تمكّنت هذه الحكومة من إقرار خطة مالية متكاملة تلحظ الجانب الاقتصادي -بغض النظر عن الملاحظات التي تسجّل على هامشها-، لكن لبنان كان يفتقد وعلى مدى عقود لخطة من هذا النوع. وأيضاً، اتخذت الحكومة قراراً جريئاً بتعليق سداد سندات "اليوروبوند". ولا ننسى استرداد قطاع الخليوي الى حضن الدولة بعد سنوات من الهدر والنهب في هذا القطاع، وهي خطوة لم تجرؤ عليها حكومات سابقة. وأيضاً وضعت هذه الحكومة الأمن الغذائي أولويتها رغم خروج الكثير من الأمور في هذا الملف عن سيطرتها، وتعمل على إنجاز لائحة بالسلع الاستهلاكية والغذائية الأساسية المستوردة لدعمها. طبعاً، هذا بالإضافة الى استحقاق "كورونا" وما حمله من استحقاقات كتأمين العودة الآمنة للمغتربين. ونُكرّر هنا، فإنّ ما قامت به الحكومة هو أقل الواجب، إلا أنّ مطالبة هذه الحكومة بالمعجزات، هو أمر غير منطقي.
دياب يعمل من الفجر الى النجر
والجدير ذكره، أن رئيس الحكومة حسان دياب ومنذ اللحظة الأولى لتسلم سدة الرئاسة لم يهدأ في متابعته للقضايا والملفات. طبعاً، هذا من ضمن مهامه نظراً للمسؤولية الملقاة على عاتقه. إلا أنك سواء اتفقت معه أم اختلفت في مقاربته للقضايا، ثمّة العديد من الملاحظات تُسجّل على هامش شخصية هذا الرجل حين تسمع مثلاً، أنّ رئيس الحكومة يترأس اجتماعاً من قبل "طلوع الضوء" كما يقال. مقربون من دياب يقولون صراحةً إنّ دياب رئيس حكومة لم يهدأ على مدى أكثر من ثلاثة أشهر. لا ينكر هؤلاء أنّ دولته يقوم بواجباته، لكنّه في المقابل يمتلك اندفاعاً للعمل واخلاصاً وتفانياً يكاد يكون نادراً.
"سوبرمان"..ويحادثني بعد منتصف الليل..
مستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية الدكتور جورج شلهوب يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن آلية عمل الرئيس دياب -كونه المقرّب منه وعلى تواصل دائم معه-، فيوضح أنّ رئيس الحكومة يعمل من الفجر الى النجر كما يقال، ولا وقت محددا لديه للعمل. في أحيان، نتناقش بأمور تقنية مهمة عبر الهاتف عند الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل. حين يتعلّق الأمر بالعمل، لا يجد الرئيس حرجاً في محادثتنا بأي وقت حتى قبل طلوع الضوء. هو من يبادر للاتصال بي ليسألني، يقول شلهوب، الذي يوضح أن يوم رئيس الحكومة يكون حافلاً ومليئاً بالكامل عبر الاجتماعات منذ ما قبل طلوع الضوء الى آخر الليل. إنه رئيس "سوبرمان" لا أعرف حتى اذا ما كان باستطاعته أن ينام مقارنةً بحجم المهام والمتابعات التي يقوم بها، يقول شلهوب. ويوضح أن لا وقت لدياب للراحة، تراه منهمكا في الاجتماعات والمحادثات، مندفع جداً للعمل، يؤدي قناعاته وفقاً لما فيه مصلحة البلد، فتراه لا يهدر وقته في التفاهات والأمور السياسية الطائفية التي لا معنى لها. ما يهمه فقط الدقة والكفاءات وأن تكون النتيجة لصالح البلد بشكل عام. لديه إخلاص وتفانٍ بالعمل لدرجة غريبة.
دقيق جداً..
يدخل شلهوب أكثر في تفاصيل شخصية رئيس الحكومة، فيتحدّث عن رجل ذكي جداً، يمتلك سرعة بديهة، يهتم لأدق التفاصيل، ويتابعها ويسأل عن كل شاردة وواردة فيها، فلا يكتفي بما يقال له، بل يهمه فهم التفاصيل والأرقام والتوسع بها. كما يهمه قراءة الأسباب التي أوصلتنا الى هذه النتائج، كأن يسأل مثلاً كيف وصلنا الى هذا الرقم. واذا أراد أن يتبنى أي خطوة يهمه أن يغوص في المعطيات الخاصة بها، ويحللها، وفي حال اقتنع بها يقف وراءها كلياً، أما اذا لم يقتنع فيطلب المزيد من التفاصيل.
أحضّر نفسي مئة بالمئة قبل الدخول للاجتماع به..
أنا كمستشار -يقول شلهوب- وعندما أريد الجلوس معه للنقاش في أي موضوع، أحضّر نفسي مئة بالمئة قبل الدخول للاجتماع به، لأنني أعلم أنه يريد معرفة التفاصيل والأرقام بالفواصل ليقتنع بها جيداً. ويُشدّد شلهوب على أنّ دياب شخص جريء جداً فإذا ارتأى أنّ هذه الخطوة لمصلحة البلد يسير بها بغض النظر عن صعوبتها، ويخوضها. على سبيل المثال، عندما قمنا بكافة التحليلات المالية، ووصلنا الى قناعة ونتيجة بأن على لبنان الامتناع عن سداد "اليوروبوند"، اتخذ القرار بعدم الدفع. هذه خطوة جريئة جداً ولا أدري ما اذا كان شخص آخر لديه هذه الجرأة للقيام بها، يقول شلهوب.
يحمل هم الناس
ويغوص المتحدث أكثر في شخصية دياب، فيتحدث عن رجل طيب القلب يحمل هم الناس. على سبيل المثال -يقول شلهوب- عندما ننجز تحليلاً مالياً معيناً، يذهب تفكيره تلقائياً الى الناس. في الفترة السابقة، اهتم كثيراً لمعالجة الأزمة التي وقع بها الطلاب اللبنانيون في الخارج. عقله وقلبه كان مع أهاليهم غير القادرين على إرسال الأموال اليهم. قلبه دائماً على المواطن اللبناني الذي بالكاد يستطيع تأمين لقمة العيش لأبنائه. تركيزه الأساسي منصبّ نحو المواطن الذي يحاول أن يعصر آخر ليرة لآخر الشهر كي يستطيع تأمين احتياجات أسرته. يهتم كثيراً لمساعدة ذوي الدخل المحدود الذين يمتلكون صعوبات كثيرة في حياتهم مادياً واجتماعياً.
حازم وصارم
وبموازاة طيبة قلبه، يقول شلهوب، يبدو دياب رجلاً حازماً وصارماً. فإذا اقتنع بما هو لمصلحة البلد يركّز عليه ويلاحقه حتى آخر دقيقة ليتأكد بأنه أنجز بشكل صحيح، اذ لا أحد باستطاعته زعزعة رأيه أو تغييره. دقيق بمواعيده نوعاً ما، ويخصص وقته للزائر ليصغي له بوضوح، اذ لا يجتمع بالشخص لمجرد الاجتماع، ولا يعمل بمبدأ المباهاة. منفتح على الجميع بلا تحيز ويتقبل مختلف الآراء، يختم شلهوب حديثه.