خاص العهد
ما المطلوب من الحكومة الجديدة فور تشكيلها؟
فاطمة سلامة
ليست سهلة مطلقاً مهمّة أي حكومة جديدة. القاصي والداني يعلم حجم المهام الكبرى الملقاة على عاتقها. وإن كان تشكيل الحكومات في لبنان يترافق مع بيانات وزارية تُقدّم وعوداً وتعهدات للإنقاذ، فإنّ الحكومة العتيدة وحال تشكيلها برئاسة الدكتور مصطفى أديب لا تملك ترف الوقت لإطلاق الوعود والتمنيات فقط. لبنان غارق من رأسه حتى أخمص قدميه بمشكلات وأزمات تجعله على حافة الانهيار إن لم نقل في صلبه. ومن سوء حظ الحكومة القادمة، تماماً كما تلك التي سبقتها أنّها ستمسك الحكم وفي جعبتها إرث ثقيل وتراكمات أوصلت البلد الى ما هو عليه اليوم. إطلالة سريعة على حال الاقتصاد اللبناني تُبيّن بما لا يقبل الشك أنّ الأزمة الحالية غير مسبوقة. 55 بالمئة من اللبنانيين باتوا فقراء مع ما تحمله هذه الكلمة من واقع صعب. وعليه فإن الوضع الاستثنائي الذي يمر به لبنان يفرض عليه حكومة استثنائية يجب أن تُعطى الفرصة للعمل علّها تتمكّن من إنقاذ ما تبقى من لبنان المحاصر اقتصادياً وعلّها تتمكّن من إعادة ثقة المواطنين بوطنهم.
إزاء هذا الواقع، ثمّة سؤال بديهي يُطرح اليوم: ما المطلوب من الحكومة الجديدة؟ أو بمعنى أدق: ما أبرز الملفات التي يجب أن تعالجها الحكومة الجديدة حال تشكيلها؟.
مهمات بالجملة
الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ أمام الحكومة حال تشكيلها جملة ملفات مهمّة. تلك الملفات تشكّل -برأي ناصر الدين- المقومات الأساسية لبناء دولة جديدة. الكلام عن عقد سياسي جديد يحتاج الى عقد اقتصادي اجتماعي جديد، وهذا العقد يجب أن ينطلق من ملفات أساسية تُشكّل ثوابت على الحكومة العمل عليها. وبحسب ناصر الدين يمكن إدراج ما هو مطلوب من الحكومة بالآتي:
1- الإصلاح النقدي والمصرفي. على الحكومة العمل لإعادة القدرة الشرائية لليرة اللبنانية وكشف مصير أموال المودعين فضلاً عن التأكيد على ملف التدقيق الجنائي وتوسيعه ليشمل المصارف والحكومات. وفي هذا السياق، يُشدّد ناصر الدين على ضرورة إقرار بطاقة دعم اجتماعي للأسر الفقيرة وسط التوجه لتحرير سعر الصرف الذي يطالب به صندوق النقد الدولي لأن تداعيات تحرير سعر الصرف ستكون كبيرة على الواقع الاجتماعي في لبنان. على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار أن الواقع الاجتماعي غير مسؤول عن الفساد السياسي السابق الذي أوصلنا الى هذه النتائج فنحن لم نصل الى الانهيار وضعف القدرة الشرائية وحجز أموال المودعين وانهيار الاقتصاد الا بسبب سوء السياسات المالية والسياسات النقدية والفساد السياسي الحاكم في لبنان منذ عام 1992 حتى اليوم.
2- إيجاد حل جذري لقطاع الكهرباء وتشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء خارج مبدأ المحاصصة السياسية
3- إنقاذ ملف الاتصالات والانترنت وإخراجه من المكاسب السياسية. وفق ناصر الدين، فإنّ كل مشكلة "الفايبر أوبتيك" في لبنان هي في كيفية توزيع مكاسبه على الفئات السياسية. استعمال الدولة لتوسيع ثروات السياسيين لم يعد بالإمكان اليوم فنحن نحتاج الى "فايبر أوبتيك" لجذب الاستثمارات العالمية لا لجني الفئات السياسية المكاسب على حساب الدولة.
4- الأخذ بعين الاعتبار ضرورة الانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد الإنتاجي، ما يحتّم تطوير ودعم الصناعة اللبنانية لأن القدرة الشرائية المتدنية في لبنان لم يعد بإمكانها الاعتماد على اقتصاد "مدولر" واستهلاكي، وبالتالي نحتاج التوجه الى اقتصاد انتاجي حقيقي خارج إطار السياسة النقدية والمالية التي حولت لبنان الى اقتصاد "مدولر" واستهلاكي.
5- تطوير وإنقاذ ملفات البيئة والسياحة والزراعة وشبكات الطرقات
6- إقرار قانون استقلالية القضاء بما يخدم قيام القطاع العام بواجباته تجاه القطاع الخاص وإيقاف الرشاوى من القطاع الخاص باتجاه القطاع العام
7- إعادة إعمار مرفأ بيروت بطريقة مفيدة للاقتصاد والأخذ بعين الاعتبار كيفية الاهتمام بمرفأ بيروت ووضع خطة لتطوير كافة المرافئ البحرية سواء في صور أو طرابلس.
8- الاهتمام بملف النفط والغاز الذي يجب أن يكون أولوية أولويات الحكومة. وهنا يشير ناصر الدين الى أن ملف النفط والغاز يشكّل مدخلا أساسيا ومهما جدا لإنقاذ الواقع الاقتصادي، كما يشكّل جزءا أساسيا من ثروة الأجيال. فكل الصراع الحاصل في المنطقة ولبنان مرتبط بشكل أساسي بهذا الملف الحيوي. ملفا الغاز والمرافئ في لبنان من الإشكاليات الاقتصادية المهمة والأبرز في المنطقة والتي تشكل مثار تنافس مع العدو "الاسرائيلي". لذلك، علينا الحذر والتنبه لهذا الملف جيداً. وبحسب المتحدّث، إذا دخلنا ضمن وصاية فرنسية فهذا معناه عدم وجود استقلالية في القرار وهنا المشكلة الكبرى، لأنّ القرار الاقتصادي في لبنان يحتاج الى حماية واستقلالية. ومن نقاط ضعفنا -يقول ناصر الدين- أن لا حماية اقتصادية لدينا رغم أننا تمكنا من فرض حماية سياسية على الحدود لكننا لم نتمكّن من الاستفادة من هذه الحماية لعكسها على الاقتصاد، والسبب هو التزام قوى سياسية بارتباطات خارجية.
ويؤكّد ناصر الدين أنّ واشنطن تنظر الى لبنان فقط من منظار أمن "إسرائيل"، وفي المقابل هناك موضوع جديد في المنطقة يتعلّق بمكانة لبنان وموقعه الجيوسياسي والذي يحتل بموجبه موقعاً استراتيجياً مهماً على سواحل شرق المتوسط التي تشكّل منطقة صراعات وتجاذب كبير بين الشرق والغرب، لذلك فإن كل الأساطيل الموجودة أتت بهدف أساسي يتعلق بالنفط والغاز على السواحل اللبنانية.
9- إقرار قانون الشراء والمناقصات ومكافحة الفساد
10- تنويع الخيارات الاقتصادية والاستفادة من خيار الشرق بما يخدم الاقتصاد اللبناني.
11- إعادة النظر بالتوظيف الانتخابي الذي استنزف القطاع العام. برأي ناصر الدين إن إحدى المشكلات التي نعاني منها اقتصادياً تكمن في أن الجزء الأكبر من الميزانية يدفع كرواتب وأجور وفوائد للمصارف.
12- استعادة الأموال المهرّبة الى الخارج.
13- إقرار نظام ضريبي عادل في لبنان لأنّ النظام الحالي غير عادل ويراعي أصحاب الثروات الطائلة ولا يقدم شيئاً للطبقات الاجتماعية. برأي ناصر الدين، آن الأوان لوضع نظام جديد يساعد الطبقات الفقيرة والمتوسطة ويجذب الاستثمارات.
حكومة أديب تمتلك فرصة أكبر لإنجاز المهمة
هل سيكون لهذه الحكومة في حال شكّلت الفرصة لتنفيذ النقاط آنفة الذكر أكثر من حكومة الرئيس حسان دياب؟ يجيب ناصر الدين عن السؤال بالإشارة الى أنّ حكومة دياب كانت تمتلك كفاءات مهمة جداً على رأسها وزيرا الصحة والصناعة الذَين قاما بعمل جبار جداً. بحسب ناصر الدين، فإنّ حكومة دياب هي أول حكومة في تاريخ لبنان تضع خطة صناعية متكاملة والمطلوب اليوم تنفيذ هذه الخطة لأنها تشكل منطلقا للتوجه نحو الاقتصاد الانتاجي. لكن مشكلة حكومة دياب -برأي ناصر الدين- تكمن في المقاطعة العربية والدولية. أما اليوم فمن الواضح أن الحكومة الجديدة حصلت على مظلة دولية وتحديدا فرنسية، وهذا التميز يعطيها غطاء دوليا لأي قرار مقبل، ما يمنحها الفرصة الأكبر للتحرك رغم أن هناك إشارات سلبية من بعض الدول مع فارق أن الجهة الأوروبية أصبحت خارج هذه الإشارات السلبية.
أولى خطوات فك العزلة والحصار الخارجي عن لبنان
ويُشدّد ناصر الدين في معرض كلامه على أنّ لبنان كان واقعاً تحت وطأة حصار اقتصادي كبير وهذا ما فاقم الأزمة الاقتصادية، لكن اليوم هناك خطوة أولى لفك العزلة والحصار الخارجي -يقول ناصر الدين- الذي يشير الى الهندسات المالية التي هلك بموجبها لبنان. وفي هذا الصدد، يلفت ناصر الدين الى كلام الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله والذي أشار فيه الى أنّ الانفتاح السياسي يساعد على إيجاد الحلول الاقتصادية. برأي ناصر الدين، نحن في بلد صغير جداً وبالتالي فإن الحلول الاقتصادية ستنقذ الواقع الصعب وتخفف المعاناة التي واجهها الشعب اللبناني. ويعتبر ناصر الدين أن انفجار المرفأ كان خطوة أساسية لإعادة النظر بالسياسات الموجودة في لبنان.
للتنبه جيداً لملف النفط والغاز
وفي الختام، يتوسّع ناصر الدين في الحديث عن ملف النفط والغاز. بنظره، علينا التنبه جيداً لهذا الملف، فواحد من أهداف صندوق النقد الدولي هو رهن النفط والغاز ما يحتّم علينا ضرورة حماية هذه الثروة بأي اتفاقية مقبلة مع الصندوق. وفي هذا الإطار، يدعو ناصر الدين شركة "توتال" الى البدء بالتنقيب في البلوك رقم 9، لأننا اذا أصررنا على نقطة ترسيم الحدود البرية وعلى حقوقنا سنحصل عليها. ويذكّر ناصر الدين أنه وبموجب قانون معاهدة البحار وتبعاً لوثيقة صادرة عن الأمم المتحدة عام 2006 هناك اعتراف بحق لبنان في ترسيم الحدود داخل المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة. هناك اعتداء "اسرائيلي" علينا ومحاولات أميركية لفرض هذا الاعتداء كأمر واقع، فنحن لدينا 1350 كيلومتر مربع داخل المياه الاقتصادية في فلسطين المحتلة بحسب الترسيم الذي وضعته معاهدة البحار ما يحتّم علينا التنبه والاستفادة من الواقع اللبناني لحماية حدودنا يضيف ناصر الدين- الذي يؤكّد أن المنطقة على أبواب صراع ترسيم حدود بحرية، ولا أحد باستطاعته حماية حدوده الا من لديه القدرة على ذلك.