خاص العهد
هل تسرّع جائحة "كورونا" المصادقة على اقتراح "العفو العام"؟
فاطمة سلامة
منذ سنوات، ونحن نسمع أنّ سجون لبنان على وشك الانفجار. الاكتظاظ الخانق الذي تعيشه يفتح الأبواب أمام العديد من النقاشات. الزنزانة التي جهّزت في الأساس لاستقبال شخص أو شخصين تراها تعج بالمساجين. إلا أنّ الحلول لطالما كانت مؤجلة ومرحّلة من سنة الى أخرى. أما اليوم، فقد أعادت جائحة "كورونا" تسليط الضوء نحو أزمة السجون المستفحلة. التباعد الاجتماعي والذي يُعد أحد أهم التدابير الوقائية غير موجود بتاتاً في السجون. على سبيل المثال، فإنّ سجن رومية والذي يعد أكبر سجون لبنان جهّز في الأصل لاستقبال 1100 سجين، لكنّه يحتوي حالياً على ما يفوق الـ4500 سجين، وفق ما يقول لموقعنا رئيس جمعية "عدل ورحمة" الأب د. نجيب بعقليني الذي يتابع عن كثب قضية السجون في لبنان.
واقع سجن رومية المزري يشكّل عيّنة من حال السجون المأساوي والذي قد لا يتخيّله عقل. قرابة العشرة آلاف سجين يتوزعون على 42 سجنا في لبنان. اثنان أو ثلاثة من السجون تخضغ للمعايير العالمية ولديها المواصفات الهندسية، أما البقية فليست بسجون بل نظارات وقصور عدل، بحسب بعقليني.
هذا الواقع الصعب للسجون والاكتظاظ غير المعقول، دفع بجائحة "كورونا" الى التسلل الى داخل سجن رومية. بيان قوى الأمن الداخلي أمس الأربعاء أظهر وجود 352 حالة إيجابية داخل السجن المذكور، ما ينبئ بوجود كارثة إن لم يتم تدارك الأمر. قانون العفو العام يُطرح اليوم كمخرج لأزمة السجون المستفحلة. ولهذه الغاية ترأس رئيس مجلس النواب نبيه بري اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس أمس الأربعاء حيث وضع قانون العفو العام على جدول أعمال الجلسة العامة الأربعاء والخميس المقبلين. فعلى ماذا يقوم هذا الاقتراح؟ وكيف يبدو واقع السجون في لبنان؟.
الفرزلي: للمصادقة على العفو العام لهذه الأسباب
نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي يشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على ضرورة المصادقة على اقتراح قانون العفو العام في الجلسة العامة. بحسب الفرزلي علينا البت بهذا الاقتراح المؤلف من 20 صفحة تضم 10 مواد كبرى لعدة أسباب. أولاً: نظراً لمخاطر جائحة "كورونا" وانعكاساتها السلبية جداً على المساجين. ثانياً: نظراً لتراكم المساجين بشكل كبير نتيجة تقصير الدولة وعدم قيامها بدورها لناحية إجراء المحاكمات السريعة، وهذا الأمر ظالم برأي الفرزلي الذي يوضح أنّ بعض المساجين قد يقبع في السجن 4 سنوات ويتبيّن بعد محاكمته أنه بريء، أضف الى ذلك أنّ هناك موقوفين كثرا بقضايا ليست ذات قيمة ومذكرات توقيف لا معنى لها، ومخالفات عادية ما أدى الى حدوث اكتظاظ في السجون يوازي 4 أو 5 أضعاف العدد المفترض، ما يعرّض واقع السجون لشتى أنواع المخاطر. وعليه، يُشدّد الفرزلي على ضرورة تصديق هذا العفو الذي قد يقلل كثيراً من الاكتظاظ في السجون ويحفظ لأصحاب الحقوق حقوقهم.
المصادقة على الاقتراح ستقلل 35 الى 40 بالمئة من نسبة الاكتظاظ
في حال جرى تصديق الاقتراح كم يقلل من نسبة الاكتظاظ؟ بتقدير الفرزلي، فإنّ اقتراح قانون العفو العام وفي حال جرت المصادقة عليه سيقلل ما بين 35 الى 40 بالمئة من المساجين.
المبادئ التي يُحرم بموجبها السجين من العفو
ويتطرّق الفرزلي الى أبرز المبادئ التي يُحرم بموجبها السجين من العفو بموجب اقتراح القانون ويوجزها بالآتي:
-يمنع الاعتداء على الملك العام
-يمنع الاعتداء على ملك الأشخاص
-أصحاب الحقوق الشخصية مصانة
-لا عفو عن الجريمة، وقد يكون هناك تخفيض عقوبة فقط عن المحكومين، بمعنى أن لا مشكلة بإخراج محكوم من السجن اذا كان قد قضى 25 سنة من أصل 30 سنة.
هل سيكون هناك خصوصية لكبار العمر وذوي الأمراض المزمنة؟ يجيب الفرزلي بالإشارة الى أنّ العفو يُطبّق على أساس المبادئ التي وضعها لا عمر الأشخاص، وفيما يتعلّق بالأمراض المزمنة فلهذه القضية فصول أخرى، حيث يتم التقدم بطلب الى النيابة العامة التمييزية وترفع الى وزارة العدل ليصدر بشأن المريض عفو خاص وفق حالته.
وحول أبرز الملاحظات على اقتراح قانون العفو العام، يؤكّد الفرزلي أنّ قضية الفارين الى كيان العدو والذين اكتسبوا جنسيته أخذت جانباً من الجدل لكيفية التعاطي معهم. وفق الفرزلي، كان من المنتظر أن تقدم وزيرة العدل ماري كلود نجم اقتراح مرسوم في هذا الصدد ويصار الى إصداره لتسهيل صدور القانون، ولكن لسوء الحظ استقالت الحكومة.
وفي ختام حديثه، يوضح الفرزلي أن الميل هو للمصادقة على القانون إن لم يستجد شيء.
بعقليني: واقع السجون مأساوي
رئيس جمعية عدل ورحمة الأب د. نجيب بعقليني يشبّه واقع السجون بالمأساوي، ولكن للأسف فإنّ جائحة "كورونا" جعلت الدولة والمجتمع وإدارات الدولة تتيقظ لهذا الواقع الموجود منذ سنوات. برأيه، فإن أبرز مشكلات السجون في لبنان تتجلى في الاكتظاظ لا سيما في السجن الكبير رومية الذي يحتوي أضعافا مضاعفة من العدد المفترض، ما خلق واقعا مزريا. ويوضح بعقليني أننا كجمعية "عدل ورحمة" وبالتعاون مع سائر الجمعيات شدّدنا على ضرورة أن يكون لقضية السجون ميزانية أفضل من الحالية حتى نتمكّن من مداواة ومعالجة هؤلاء الأشخاص الذين اقترفوا معاصي وخالفوا القانون. برأي بعقليني، فإنّ العقاب وحده لا يطور المجتمع ولا يساعد السجين الذي نفّذ ارتكابات يعتبر مسؤولاً عنها، كما يعتبر المجتمع مسؤولا عن انتشار الجريمة والفساد وقلة الأخلاق وعدم احترام المبادئ والقيم الانسانية والأخلاقية.
ويشدّد بعقليني على أنّ أوضاع السجون قبل جائحة "كورونا" كانت مزرية وباتت أكثر بعد الوباء المستجد لأسباب باتت معروفة تتجلى بعدم وجود أمكنة نظيفة واهتمام مباشر بالأمكنة وبالنظافة الشخصية. لذلك، فإنّ واقع السجون اليوم بحالة حرجة وخطرة جداً، وهذا ما حذّرنا منه مراراً وتكراراً -يضيف بعقليني- عندما أشرنا الى قنبلة اجتماعية صحية موقوتة ستنفجر خاصة بعد أزمة "كورونا".
ولا ينكر بعقليني أنّ القوى الأمنية المولجة بحفظ الأمن وبإدارة السجون في رومية وغيرها، حاولت القيام قدر المستطاع بتعقيم الأمكنة وعدم السماح لأحد بالدخول وهذا حافظ على ضبط الأمور منذ 21 شباط الى آخر تموز. عقبها، تفشى الوباء بالعالم كله وبلبنان أكثر ما رفع نسبة المصابين بالفيروس لينتقل الى داخل السجن من خلال القوى الأمنية.
اقتراحات للتخفيف من الأزمة
ويوضح بعقليني أننا كجمعية "عدل ورحمة" طرحنا عدة اقتراحات للتخفيف قدر الإمكان من تداعيات الاكتظاظ وأزمة "كورونا" أبرزها:
- الطلب من الأفراد المولجين بحفظ الأمن أن لا يذهبوا الى منازلهم بل يخضعوا للحجز لمدة شهر، بحيث تتم قسمتهم الى مجموعتين، قسم داخل السجون وآخر خارجه. وفق بعقليني، فإن ذهاب رجال الأمن الى منازلهم في هذه الفترة الحرجة فاقم الأزمة.
-اللجوء الى العقوبة البديلة
-تخفيض العقوبة للأشحاص الذين خضعوا للتأهيل
-تجهيز السجون والقيام بنشاطات ومشاريع لهم
-دمغ الأحكام
-تسريع وتسهيل المحاكمات، فنحن كنا نطالب باستعمال المحكمة الموجودة في سجن رومية والتي كلفت ملايين الدولارات للتخفيف من استهلاك السيارات التي تسوق المساجين الى المحاكم وغيرها. اليوم وبعد جائحة "كورونا" بدأ العمل على الاستفادة من هذه المحكمة.
ويكرر بعقليني إشارته الى أنّ حالة السجون مأساوية وهي تشبه حالة المجتمع، فالأوضاع مزرية في السجون المهملة والمتروكة. للأسف، موازنات السجون ضئيلة في دول العالم فكيف في لبنان؟ يسأل بعقليني الذي يلفت الى أن هذا الواقع اليوم من المفترض أن تتحرك لأجله الدولة والمسؤولون والحكومة والدوائر الرسمية لإنقاذ حياة السجناء لأننا مسؤولون عنهم ضميرياً وإنسانياً رغم ارتكاباتهم.
وفي الختام، يتوجّه بعقليني بنداء ملح الى السجناء للتجاوب مع التعلميات الطبية والخضوع للفحوصات اللازمة لإنقاذ أرواحهم.