خاص العهد
متى ينتهي الفلتان الأمني في البقاع؟
ياسمين مصطفى
يوميًا، باتت الأحداث الأمنية تتكرّر في منطقة البقاع. اعتداءات، سرقة بقوة السلاح، اشتباكات وإطلاق نار يصل الى حدّ استخدام القذائف. كلّ ذلك يُشير بشكل قاطع إلى "ارتخاء" قبضة الدولة فيها، ما يؤدي الى سقوط الكثير من الأبرياء بين ضحايا وجرحى.
وفيما الأهالي يقتاتون مع الخبز الخوف والقلق بشكل شبه يومي، تحضر الأجهزة الأمنية دائمًا "متأخرة"، أي بعد انتهاء الاشتباك أو إطلاق النار أو الإشكال، وبعدما "يقع الفأس بالرأس". إذًا، ما المطلوب لإرساء الاستقرار وبسط الأمن؟ وما الذي يعيق الأجهزة الأمنية عن ممارسة سلطتها وصلاحياتها؟
للوقوف على خلفيات الوضع المتفاقم أمنيًا في البقاع تحدثنا مع مسؤول منطقة البقاع في حزب الله حسين النمر. الأخير يطرح سؤالا يصفه بالجوهري ويضعه برسم المعنيين في أجهزة الدولة ويقول: "لماذا لم تستمرّ الدولة في تنفيذ الخطة الأمنية التي أطلقتها في العام 2015 وقالت حينها إنها ستضرب المخلّين بالأمن بيدٍ من حديد؟ ما الذي حدث؟
الأمن وفقًا لرؤية حزب الله -يتابع النمر- هو عمل مستمر ودائم ودؤوب، ولا يصح فرضه أيامًا معدودة ثم العودة إلى الوضع السابق من الفلتان.
يرى النمر في حضور الأجهزة الأمنية في البقاع ضعفًا أو ترهّلا، ولا يستبعد أن يكون من بين المعنيين بفرض الأمن في هذه المنطقة من هو "متواطئ مع العصابات المسلحة والمجموعات الخارجة عن القانون".
ويُكمل النمر:"حين تعرف الأجهزة الأمنية بأن أحدهم يحفر بئرًا للحصول على المياه الجوفية بشكل مخالف، أو يبني طابقًا دون ترخيص، تحضر كلّها لتوقيفه ووقف العمل المخالف، لكنها في المقابل تتأخّر كثيرًا في التدخل حين يستعر خلافٌ عائلي ويتحول إلى التراشق بالأعيرة النارية، هذا المثال البسيط يؤكد أن الدولة اللبنانية قادرة على إثبات حضور قوي في البقاع على صعيد وقف الفلتان الأمني، كما هي قادرة على منع المُخالفات في البناء، وعدا ذلك لا يبرئ ساحة المعنيين في الدولة من التواطؤ مع المخلّين بالأمن".
الفرصة -وفق المسؤول في حزب الله- لا تزال سانحة لتغيير الواقع الصعب أمنيًا في البقاع، الذي ليس نتاج الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي، وإنما نتاج العصابات المتفلتة التي يحتاج بسط الأمن إلى لجمها"، يختم حديثه لـ"العهد" الإخباري.
مصدر أمني: خطط فرض الأمن في البقاع تفرملت
عند سؤالنا مصدرًا أمنيًا واسع الاطلاع عن سبب استمرار الفلتان في البقاع يُجيب:"الفراغ الحكومي تسبّب بارتخاء قبضة الدولة ليس في منطقة البقاع وحسب إنما في معظم المناطق اللبنانية، وإن كان البقاع وخاصة بعلبك الهرمل المنطقة الأكثر تفلتًا أمنيًا، إذ إن استقالة حكومة الرئيس حسان دياب فرملت استئناف الخطة الأمنية، بحيث تأخّرت مسألة انعقاد المجلس الأعلى إلى ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وعندها يُنظر مجددًا بطرح الخطة الأمنية بقاعًا في اجتماع المجلس، ومن ثم عرضها على مجلس الوزراء بما يضع حدًا للفلتان المتنقل بشكل يومي بين المناطق.
أما عوامل الفلتان الأمني في هذه المنقطة، فتعود وفق المصدر الأمني المطلع إلى أسباب اقتصادية وأخرى سياسية، ويقول في هذا السياق لموقع "العهد الإخباري":"عندما تضغط الدولة على المطلوبين، تشكل هذه المجموعات عصابات وتنتقل إلى القرى اللبنانية في الداخل السوري، "تسرح وتمرح" هناك دون رادع".
المطلوب، وفق المصدر، بسط الأمن، والتنسيق مع الجانب السوري لإقفال المعابر غير الشرعية، وعدم ترك أيّ منفذ يلجأ إليه المطلوب أو الفار، مضيفا: "عندما تشتدّ قبضة الدولة في الداخل اللبناني يلجأ المخلّون بالأمن إلى القرى اللبنانية في الأراضي السورية، وعندما تتراخى يعودون إلى الداخل ليعيثوا فسادًا من خلال عمليات سرقة وسلب وقتل وإطلاق نار وتعديات.
المقداد: سألنا عن سبب تلكؤ المعنيين في الحضور الأمني في البقاع وأحدٌ لم يعطنا إجابة واحدة مُقنعة
لدى توجّهنا في الحديث إلى عضو تكتل بعلبك الهرمل النائب علي المقداد يستمهلنا ساعة للانتهاء من حلّ خلاف فردي في إحدى قرى البقاع. صورة حقيقية وواقعية عن يوميات البقاع.
في حديثه لموقع "العهد الإخباري"، يتأسف المقداد لازدياد الحوادث الفردية الأمنية بنسب كبيرة عن الأعوام الماضية في المنطقة، وفقًا لما تفيد به التقارير الأمنية والمشاهدات والاتصالات، ويقول:" نحن مستنزفون ليل نهار لحلّ الخلافات الشخصية والأحداث في هذه المنطقة، فحين يغيب الوازع الديني والأخلاقي ويغيب تطبيق القانون يصبح كلّ شيء مستباحاً".
الحديث عن الفلتان الأمني في البقاع بحسب نائب المنطقة "يتطلّب الوضوح والجرأة"، ومن هذا المنطلق يؤكد أن "الخلل الأكبر يكمن في تأخّر الأجهزة الأمنية في الحضور حين اندلاع الخلاف أو الاشتباك، إذ غالبًا ما تأتي بعد انتهاء الاشتباكات بأيام".
المطلوب وفق المقداد، ليس خطة أمنية تقوم على ضرب حاجز للقوى الأمنية في يوم محدد في الأسبوع ولعدد من الساعات، واصطفاف المواطنين في طوابير في عز البرد أو الحرّ، إذ إن المطلوبين لا يمرون أصلًا عبر الحواجز وإنما الطرق الفرعية.
يتقاطع كلام النائب مع كلام المصدر في الأمن العام، إذ يرى أن ما يحصل في المنطقة منذ إعلان الخطة الأمنية عام 2015 هو الضرب بيدٍ من حديد لأيّام في المنطقة، دون أن يكون لهذا الأمر استمرارية حقيقية واستدامة في بسط الأمن.
وفي الختام، يلفت المقداد إلى أن المشكل يكمن في معالجة تداعيات الخلافات وآثار الفلتان الأمني وليس أصله، أي التعامل مع ردة الفعل وليس الفعل، ويضيف: "طرحنا السؤال حول سبب التلكؤ والتقصير أو القصور في الحضور الأمني في البقاع على مختلف الأجهزة المعنية، لكن أحدًا لم يعطنا إجابة واحدة مُقنعة".