معركة أولي البأس

خاص العهد

هل يكون الجراح آخر وزير للإعلام؟!
13/02/2019

هل يكون الجراح آخر وزير للإعلام؟!

فاطمة سلامة

من المعلوم لدى تشكيل الحكومات المتعاقبة في لبنان، تسابُق القوى السياسية للفوز بحقائب لها ثقلها في العمل الحكومي، بموازاة تهرب البعض من استلام حقائب أثبتت التجارب عدم قدرتها على التغيير. وزارة الإعلام على رأس تلك الوزارات. لا تُغري هذه الوزارة القوى السياسية، ولا تُثير "شهيتهم". ثمة نظرة رسّختها منذ تأسيسها في أواخر الأربعينيات في عهد الرئيس الراحل بشارة الخوري، نظرة تمثّلت بتحول وزير الإعلام الى ناطق رسمي باسم الحكومة يتلو مقرراتها وبياناتها الرسمية، دون تمكنه من القيام بمهامه المطلوبة منه، والتي تفترض مساهمته في النهوض بالواقع الإعلامي في لبنان. هذا الواقع الذي يواجه ما يواجهه من أزمات، رغم أنّ القطاع الإعلامي في لبنان كان في أوج عزه في فترة من الفترات، منتصف السبعينيات تقريباً، قبل أن تعتريه المشكلات، وتحاصره الأزمات. 

ولدى السؤال عن الأسباب التي حالت دون تمكن ما يقرب من 33 وزيراً تعاقبوا على رأس هذه الوزارة منذ السبعينيات حتى اليوم، وقبلهم ما يقارب الثلاثين وزيراً حين كانت لا تزال وزارة الإعلام تحت مسميات وزارة "الأنباء" ووزارة "الارشاد والأنباء". لدى السؤال عن الأسباب التي حالت دون نجاح هذه الوزارة بإحداث نهوض شامل يُنظّم القطاع الإعلامي، ويُنقذه من الأزمات، تأتي الإجابة بالإشارة الى أنّ المشكلة تكمن في أصل فكرة الوزارة، والحل يكمن بإلغائها، والاستعاضة عنها بما يُطوّر القطاع الإعلامي. تماماً كما يحصل اليوم حيث أدرجت الحكومة الجديدة هدف إلغاء وزارة الإعلام والاستعاضة عنها بالمجلس الأعلى للإعلام كبند سابع في متن بيانها الوزاري. وسابقاً جرى الحديث عن استبدال وزارة الإعلام بوزارة "الحوار والتواصل". فهل تملك الحكومة الجديدة أية رؤية واضحة لهذا المجلس الذي سيحل بديلاً عن وزارة الإعلام؟. 

الحديث مع وزير الإعلام الجديد جمال الجراح لا يُبيّن أنّ لدى الحكومة أي طرح جدي، حقيقي وواضح. جُل ما هو واضح أنّ هناك نيّة لفعل شيء ما للنهوض بالقطاع الإعلامي، عبر إلغاء الوزارة التي لم تثبت فعاليتها على مدى عقود. وهناك أيضاً نيّة لخوض تجارب بلدان أخرى استبدلت وزارة الإعلام بالمجلس الأعلى للإعلام. ما الذي يمكن أن يُحققه هذا المجلس؟، لا يملك الجراح الإجابة. بالنسبة اليه، لا تصور نهائي بعد، سيُصار الى عقد اجتماعات مع معظم الاداريين والموظفين لإرساء رؤية تحفظ الإعلام اللبناني. برأيه، فإنّ قطاع الإعلام إذا استمرّ بهذه الطريقة سيصل الى نهاية غير محمودة. المؤسسات الخاصة تعاني مشاكل مادية جمة تُحتّم علينا مقاربة قطاع الإعلام بطريقة مختلفة كلياً عما هي عليه اليوم. 

 

هل يكون الجراح آخر وزير للإعلام؟!

 

يوضح الجراح أنّ المجلس الأعلى للإعلام يُشكّل إحدى الأفكار المطروحة لتطوير الإعلام وتسهيل تأمين موارد مالية له ليصمد أمام المتغيرات، خصوصاً الإعلام الرسمي. فتلفزيون لبنان مثلاً يمتلك ثرورة كبيرة تتمثّل في أرشيف يختصر تاريخ لبنان الثقافي والحضاري. هذا الأرشيف معرّض للتلف في حال لم نسارع الى صيانته وتجديده للمحافظة عليه، في الوقت الذي يتعرّض فيه هذا التلفزيون لتحديات. تماماً كما أنّ الإذاعة اللبنانية والوكالة الوطنية للإعلام تحتاجان الى تطوير ومقاربات مختلفة وبعيدة عن الواقع الحالي. يُشدّد الجراح على أننا نحتاج الى هيئة لإدارة وتطوير الاعلام للمحافظة عليه وعلى الموظفين الذين قضوا حياتهم في خدمته. فالقدرات موجودة لدينا لتغيير أساليب العمل، وعلينا توفير الامكانيات لتطوير وتجديد الإعلام اللبناني، لتصبح لديه الحرية للتعاطي مع الواقع الإعلامي بعيداً عن "روتين" الدولة الإداري. المطلوب مزيد من المرونة والليونة، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بوجود هيئة تتولى إدارة هذا القطاع من ألفه الى يائه، يختم الجراح. 

محفوظ: وزارة الإعلام لم يعد لها مكان في دول العالم الحديثة

والجدير بالذكر أنّ مصر مثلاً خاضت التجربة ذاتها، حيث ألغت وزارة الإعلام، وأنشأت المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام كهيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية طبقاً للقانون رقم 92 لسنة 2016. وظيفة المجلس المذكور تتمثّل بتنظيم شؤون الإعلام المرئي والمسموع والرقمي بالصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها. وميزة هذا المجلس أنه يتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري ولا يجوز التدخل في شؤونه. وقبل مصر، هناك عدة دول في العالم خاضت تجربة المجلس الأعلى للإعلام لتنظيم القطاع الإعلامي. وفي هذا الصدد، يُعلّق رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع عبدالهادي محفوظ، فيُشدّد على أنّ الإتجاه العام في العالم هو الاستغناء عن وزارات الإعلام، خصوصاً في ظل التطور التقني الذي جعل من الإعلام التكنولوجي صاحب الحضور.

 

هل يكون الجراح آخر وزير للإعلام؟!

 

يتفّق محفوظ مع الجراح لناحية عدم وضوح فكرة المجلس الأعلى للإعلام، لكنّه يُرجّح أن يصب الهدف منه في إعادة النظر ببنية المجلس الوطني للإعلام، وتوسيع عمله الى قطاعات أخرى منها القطاع المكتوب كفرنسا مثلاً. ليصبح هذا المجلس بديلاً عن وزارة الإعلام التي لم يعد لها مكاناً في دول العالم الحديثة، بعد أن بات المجال الفعلي لوزير الإعلام ينحصر في كونه الناطق الرسمي باسم الحكومة، يضع الرأي العام في أجواء مقرراتها. يلفت محفوظ الى أنّ أول مجلس وطني للإعلام كان في لبنان، لكنّه يأسف لغياب أية رؤية إعلامية لدى الدولة. ففي السبعينيات مثلاً كان للإعلام دوراً مهماً جداً، يتمتّع بأنه حر وموضوعي ويملك تأثيراً كبيراً في المنطقة نظراً لموقع لبنان كصلة وصل بين الشرق والغرب. برأي محفوظ كان الإعلام اللبناني مهماً جداً، لكنّ الحرب الأهلية حولته الى إعلام محلي وطوائفي لتتراجع مكانته. 

يشرح محفوظ كيف تراجعت مكانة ودور الاعلام اللبناني، معولاً على مشروع قانون الإعلام الجديد، الذي يُدرس حالياً في لجنة الإدارة والعدل والذي من المفترض أن يحدث نقلة في قطاع الإعلام، نظراً للصلاحيات التقريرية التي يُعطيها للمجلس الوطني للإعلام. وفق قناعات المتحدّث لا بد من قيام الدولة بمسؤولياتها لتحرير الإعلام من الاستنساب السياسي، والتطييف الإعلامي. يرى محفوظ أنّ المشكلات التي تحاصر القطاع الاعلامي، قد يتم تفاديها عبر فكرة المجلس الأعلى للإعلام، الذي سيكون أكثر تماساً مع الواقع الإعلامي من وزارة الإعلام ذات الطابع الإداري، أملاً بإرساء سياسة نهوض إعلامي شاملة ومتكاملة. 
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد