خاص العهد
حرب غزّة.. أفشل عملية عسكرية في تاريخ الكيان و"سيف القدس" تُرسي معادلة ردع جديدة
فاطمة سلامة
في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني ثمّة حقائق ووقائع ثابتة تتعلّق بالبنيان الذي أُسّس عليه كيان الاحتلال، تتعلّق بعقيدة هشّة ورعب يحفر عميقاً في نفوس جنوده. وعلى المقلب الآخر، ثمّة مقاومة تمتلك روحية عالية وعقيدة ثابتة وهمّة قوية لبلوغ النصر. وعليه، لا يمكن قراءة ما جرى في فلسطين المحتلة بمعزل عما جرى في لبنان. الحروب مع كيان العدو الصهيوني تتشابه وان اختلفت الأمكنة والأزمنة شرط وجود مقاومة حرّة وأبية.
عندها، ستتشابه النتائج وإن تفاوتت أوجه الشبه بعض الشيء. وهذا ما حصل بالفعل، فكما تمكّنت المقاومة الإسلامية في لبنان من إرساء معادلة الردع بعد حرب تموز 2006، تمكّنت المقاومة الفلسطينية من تكوين معادلة شبيهة بعد الانتصار المهم الذي حقّقته في معركة "سيف القدس". انتصار باتت معه القدس أقرب من أي وقت مضى لتعود الى أصحابها. انتصار لطالما مهّد له "شهيد القدس" الحاج قاسم سليماني الذي أحبّ فلسطين ولم يبخل عليها بالدم. انتصار مُزّقت معه "صفقة القرن" وبدت فيه فلسطين من النهر الى البحر مقاومة أبية موحّدة ضد الاحتلال، افتدت فيه غزّة القدس وكل فلسطين.
في موازين الحروب، ليس سهلاً أن يُعلن العدو وقف إطلاق النار من جانب واحد على وقع صواريخ المقاومة التي أجبرته على الخضوع. ليس سهلا أن يخرج من الحرب خالي الوفاض دون تحقيق أي مكاسب عسكرية أو سياسية. على العكس من ذلك، خرج مثقلاً بالفشل، خرج بمنظومة قبّة "كرتونية" لا حديدية كما كان يتبجّح ويُسوّق. وعليه، خرج بسمعة عسكرية سيئة الصيت وصورة هزلية تحاكي مشهدية هزيمته في الحروب السابقة. فأي دلالات للانتصار الذي تحقّق؟ وما رمزيته العسكرية والسياسية؟.
جابر: الحرب التي حصلت أثبتت حصول معادلة ردع جديدة
يُقدّم رئيس مركز دراسات "الشرق الأوسط" العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر قراءة في الانتصار الذي حقّقته المقاومة الفلسطينية بمعركة "سيف القدس". حكماً لا يمكن قراءة تجربة فلسطين المحتلة بمعزل عن تجربة لبنان. الحرب التي حصلت أثبتت حصول معادلة ردع جديدة، وإن كانت لم تصل بعد الى مستوى الردع الذي تتمتّع به المقاومة في جنوب لبنان، لكنها اقتربت منه. فلأول مرة تكون غزة هي المبادرة لإطلاق الصواريخ ولم تنتظر العدو بل فاجأته بنجدة فلسطينيي القدس والضفة الغربية الذين مورس بحقهم أقذر الممارسات من قبل ميليشيات جيش الاحتلال والمستوطنين الذين تحولوا الى عصابات يمارسون "العمل القذر" من التنكيل والغطرسة والتعصب والاستهتار بالمقامات الدينية.
العدو تعرّض لأفشل عملية في تاريخ كيانه
وفي سياق حديثه عن رمزية ودلالات الانتصار، يشدّد جابر على أنّ رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو استند الى التطبيع ظناً منه أنّه يحميه، إلا أنّ الشعب الفلسطيني انتفض وفاجأ العدو الذي تعرّض لأفشل عملية في تاريخ كيانه، عملية أفشل من تلك التي شنت على لبنان عام 2006. وهنا يُعدّد جابر أوجه الفشل التي مُني بها العدو في عملية "سيف القدس" مدرجاً الآتي:
-فشل ذريع في الاستخبارات الصهيونية بحيث لم يكن العدو على علم بالقدرات العسكرية الفلسطينية التي تطورت بشكل هائل كماً ونوعاً. بقي لسنوات يظن أنّ غزة تملك صواريخ يصل مداها الى 20 كيلومترا، بينما منذ عام 2014 الى اليوم تطورت القدرات العسكرية بشكل كبير، وهذا ما فاجأ العدو وأربكه.
-فشل عسكري تمثّل بفشل منظومة "القبة الحديدية" التي تبين أنها "كرتون"، وما يحكى عن اعتراضها 60 الى 70 بالمئة من الصواريخ هو أمر غير صحيح. وهنا يشرح جابر أنّ "القبة الحديدية" والمؤلفة من ثلاثة عناصر: "الرادار"، وأجهزة التوجيه، والصاروخ أثبتت فشلها بشكل كبير. ففي حرب غزة أهينت هذه "القبة الحديدية" التي تتباهى بها وتسوق لها "إسرائيل" لبيعها في أوروبا. وكما في عام 2006 فشلت "الميركافا" وأهينت وأذلت في وادي الحجير والغندورية ولم تعد تتمكن "إسرائيل" من بيعها، أهينت هذه المرة "القبة الحديدية". وفي هذا السياق، يشير جابر الى أنّ المقاومة كان لديها تكتيك وفطنة اعتمدتها تقوم على إطلاق الصواريخ بشكل رشقات كبيرة ومن أماكن مختلفة وبأنواع مختلفة منها القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى ما أربك "القبة الحديدية" بالعناصر الثلاثة الخاصة بها.
-فشل سياسي، فالعمل العسكري شُنّ لأجل تحقيق أهداف سياسية لكن "إسرائيل" لم تتمكن من تحقيقها. هدفت الى تحطيم حركة "حماس" لكنها لم تتمكن. أرادت تحطيم قادة كبار أمثال القيادي البارز محمد ضيف لكنها لم تتمكن. أرادت تدمير الأنفاق لكنها لم تتمكن أيضاً. هدّدت بهجوم بري الى غزة لكنها لم تستطع، وعليه لم تحقّق أهدافها السياسية ولا العسكرية.
الردع تحقّق والعدو سيحسب حساباً
بالتأكيد حصل الردع، يقول جابر. أكبر دليل على ذلك ما حصل في اجتماع "الكابينت" "الإسرائيلي"حيث اقترح نتنياهو إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد، ولم ينتظر موافقة الطرف الفلسطيني. وفق حسابات جابر، تمكنت المقاومة من فرض توازن ردع شبيه بالردع الذي حصل ما بعد حرب 2006 في جنوب لبنان، وما ساهم في هذا الأمر العقيدة القتالية الموجودة لدى المقاومين. يرى جابر أن لا مقارنة بين قوة "اسرائيل" العسكرية الضخمة وما تمتلكه المقاومة، لكنّه يشير الى أنّ المقاومة تستطيع أن تردع الجيش الكبير الذي يتباهى بأنه أكبر جيش في المنطقة بناء على تجارب محددة ودراسات.العدو الصهيوني علم أنّ قدرات المقاومة زادت عشرات الأضعاف، وعليه مهما طورت "اسرائيل" قدراتها العسكرية، فالمقاومة تطور قدراتها عشرات الأضعاف ما يجعل الردع موجودا.
في ختام قراءته، يشدّد جابر على أنّ المقاومة اتخذت المبادرة، وأظهرت كل أشكال الصمود ليتحقّق الردع. وعليه، باتت "إسرائيل" تحسب حساباً لأي "حماقة" ستقوم بها على غرار ما يحصل في جنوب لبنان حيث تجري "اسرائيل" مناورات لكنها لا تتجرأ على الخطأ، وتحسب حسابا. لكنّ جابر لا يخفي أنّ العدو "الاسرائيلي" لا يؤتمن فقد يقوم بخدعة ما، وعليه نخاف على القادة في المقاومة من عملاء العدو، يختم جابر حديثه.