خاص العهد
كيف السبيل لخفض العجز الاقتصادي وتحسين النمو؟
فاطمة سلامة
لا ينقضي يوم لا تُبث فيه الشكاوى من الوضع الاقتصادي، الذي يُقال فيه الكثير من المصطلحات. نستحضر في هذا الصدد "على كف عفريت" العبارة الأكثر ترداداً لدى وصف حال البلد. المؤشرات على ذلك كثيرة، وعن ذلك حدّث ولا حرج، عن مديونية تجاوزت 86 مليار دولار، وعجز بلغ في موازنة عام 2018 نسبة 35 بالمئة، وعن نمو اقتصادي لم يلامس عتبة الـ2 بالمئة. واللافت أمام هذه الأرقام، أنّها تتجّه من سيئ الى أسوأ، رغم أنّ الجميع يعي خطورتها، وأصحاب المسؤولية لا يكلون من الحديث عن هذا الشيء "المنهار" المسمى اقتصاداً. تراهم يتحدّثون عن الأمر باستياء وتأسُّف عبر المنصات الإعلامية، أما عندما "يجد الجد" فتغيب الإرادة الحقيقية بالتغيير الذي من المفترض أن يبدأ من مكاتبهم، عبر ترشيد الإنفاق، والتعامل مع موازناتهم على أنها ملك عام، لا شخصي. أغلبية المسؤولين "تقتلهم" لوازم "البريستيج" فينفقون على حساب الشعب. فلا حرج لديهم في تفاقم العجز الاقتصادي، طالما لم تقترب هذه المسألة من رواتبهم ونمط حياتهم. ومن هنا يجب أن يبدأ التغيير. فلا داعيَ لمصاريف بلا "طعمة" تُكبّد الميزانية هدراً نحن في غنى عنه. إصلاح الوضع الاقتصادي لا يتطلب فقط العمل على زيادة الواردات وزيادة النمو. إنه عملية متكاملة تتطلّب التقاء الجهود في الكثير من المجالات.
خطوة ضبط العجز في المالية العامة، لطالما شكّلت الأساس في نصائح الخبراء الاقتصاديين الذين اعتبروها ضرورية لدى الحديث عن إصلاح اقتصادي. وهو الأمر الذي شكّل أحد شروط مؤتمر "سيدر" الذي طالب الدولة اللبنانية بالقيام بإصلاحات على رأسها أن تلحظ خفض العجز سنوياً بما لا يقل عن واحد بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. فكيف السبيل الى خفض هذا العجز؟.
وزني.. هذه هي الخطوات
الخبير الاقتصادي غازي وزني يستهل حديثه بالإشارة الى أنّ عام 2018 الاقتصادي كان سيئاً جداً جداً، فالعجز بلغ مستويات خطيرة لامست حدود 11 بالمئة من حجم الاقتصاد. وعليه، فإنّ خفض العجز سنوياً 1 بالمئة على مدى خمس سنوات، يُقلّل نسبة العجز الى نحو 5 بالمئة، وهذا رقم يعني ما يعنيه في الاقتصاد اللبناني.
يسأل وزني: هل باستطاعة الحكومة خفض العجز 1 بالمئة؟ الإجابة: بالتأكيد نعم، إذا كان لدى القوى السياسية الجدية والإرادة الحقيقية للتغيير. كيف ذلك؟ هل عبر الضرائب؟ قطعاً لا، يقول وزني الذي يُشير الى أنّ الاقتصاد اللبناني لا يتحمّل ضرائب جديدة، خصوصاً أنّ أوضاع المواطنين الاقتصادية لامست الخطوط الحمراء، والواقع لا يحتمل زيادة الضريبة على القيمة المضافة أو على المشتقات النفطية. يرسم وزني خارطة طريق أمام الحكومة تستطيع من خلالها أن تُخفّض العجز الى أكثر من 1 بالمئة، وذلك عبر الآتي:
أولاً: زيادة الإيرادات
1-عبر تحسين الجباية، بواسطة:
- قطاع الاتصالات الذي يضخ عائداً سنوياً يبلغ حوالى مليار و700 مليون دولار. على الحكومة العمل على تحسين الجباية في قطاع الاتصالات بعد أن انخفضت عام 2018 حوالى 15 الى 20 بالمئة أي ما يُقدّر بـ300 مليون دولار.
- الجمارك
-ضريبة الدخل على أرباح الشركات
2- إجبار أصحاب المؤسسات على الأملاك العمومية البحرية بالالتزام بدفع الرسوم والغرامات، فهذا الملف يُعطي الدولة في الحد الأدنى 500 مليار ليرة سنوياً
3-إدراج الضريبة الموحدة على المداخيل والتي توفر حوالى 300 مليار ليرة
ثانياً: تخفيض النفقات
يُشدّد وزني على أنّ إصلاح الوضع المالي الصعب جداً هو عملية يُشارك فيها الجميع من مواطنين ومسؤولين، وعليه على الحكومة المباشرة بالآتي:
1- تجميد كلي للرواتب والأجور في القطاع العام عام 2019 ووقف التوظيف
2-المباشرة الفورية بإصلاح النظام التقاعدي الذي يحتاج الى عامين بالحد الأدنى لإنجاز التعديلات عليه، عبر توحيد نظام موظفي الإدارة ونظام الأسلاك العسكرية والأمنية. من وجهة نظر وزني فإنّ النظام التقاعدي بشكله الحالي يُشكّل قنبلة موقوتة في المالية العامة، إذ إن تبعاته أكبر من خدمة الدين والهدر في قطاع الكهرباء. يُعطي مثالاً على هذا الأمر بالإشارة الى أنّه وفي عام 2010 كانت معاشات التقاعد 1400 مليار ليرة، أما في عام 2018 فقد بلغت 3850 مليار ليرة وهو رقم ضخم جداً.
3- إصلاح قطاع الكهرباء، عبر:
-وضع سقف محدّد لدعم الكهرباء لا يتجاوز المليار و300 مليون دولار سنوياً كحد أقصى، عكس ما يحصل اليوم حيث يلامس الصرف في هذا القطاع حد الملياري دولار سنوياً.
-تطبيق القانون لناحية تعيين مجلس إدارة لقطاع الكهرباء وتشكيل هيئة ناظمة
3- خفض خدمة الدين، عبر الاتفاق مع القطاع المصرفي، وهذا الأمر تمّ في موازنة عام 2002 حيث حصلت الدولة على 4 مليار دولار بفائدة صفر، وفي عام 2019، باستطاعتها، وفق وزني، الحصول على 6 مليار دولار على عامين بفائدة صفر، ما يُوفّر 500 مليار ليرة سنوياً.
كل ما سبق يُسهم بتخفيض العجز، حسب وزني، إضافة الى العديد من النقاط التي تتعلّق بإعادة النظر بالمباني التي تستأجرها الدولة، فضلاً عن المساهمات في القطاع الخاص وغيرها.
يستعرض وزني كل هذه النقاط، ليشير الى أنّ بإمكان الدولة اللبنانية خفض العجز إذا ما وجد القرار السياسي، وعندما نُخفّض العجز من حجم الاقتصاد، نخفّضه حكماً من الناتج المحلي، ما يُشكّل رسالة إيجابية الى الخارج ويسهم في النمو الاقتصادي والاستقرار المالي في البلد.
حبيقة: لترشيد الانفاق
بدوره، الخبير الاقتصادي لويس حبيقة يُشدد لدى حديثه عن السبل الكفيلة بتخفيض العجز، على ضرورة خفض الانفاق وترشيده عبر إيقاف مزاريب الهدر، فضلاً عن ضرورة حزم الدولة أمرها بمسألة مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة.
ويلفت حبيقة الى أهمية وضع حد لإيجارات الدولة "الفضفاضة" والإنفاق في غير محله، وعلى أمور ثانوية. برأيه لا بد من وضع رؤى تعزّز النمو الاقتصادي، وتخلق عوامل ثقة بالبلد تسهم في جذب الاستثمارات وتزيد الودائع. وفق قناعاته، لا بد من رفع النمو أقله الى 8 بالمئة على غرار عام 2010، لكنّ ذلك يحتاج الى استثمارات قوية وأفكار يُصار الى بلورتها لا أن تبقى حبراً على ورق.