خاص العهد
"مراوغة أميركيّة" في مفاوضات فيينا.. ما خلفيّات طرح "الإتفاق المؤقّت"؟
حسن شريم
تتواصل مباحثات فيينا على مستوى الخبراء بين إيران ومجموعة 4+1، فيما تتركّز المفاوضات على إلغاء الحظر الأميركي، في وقت يشدّد الفريق الإيراني المفاوض برئاسة علي باقري كني على موضوعي "التحقق" و"الضمانات" وصولًا إلى "اتفاق دائم" يمكن التعويل عليه.
في غضون ذلك، عقد فريق خبراء الفريق الإيراني المفاوض ومجموعة الدول 4+1 إلى جانب ممثلي الإتحاد الاوروبي، الاجتماع الأوّل في إطار الجولة الثامنة أمس الاربعاء؛ تحت إطار "فريق العمل الثالث المعني بتقييم الإنجازات المتحققة والقرارات الخاصة بطبيعة تنفيذ التعهدات من قبل الطرفين"، مركزًا على موضوع "التحقّق من إجراءات واشنطن"، باعتباره أحد أهم الملفات الموكلة إليه، علمًا أنّ موضوع التحقّق الذي شكّل في وقت سابق أحد القضايا الخلافية لدى الأطراف الغربيّة، تم اعتماده اليوم كأحد المهام الرئيسة لفريق العمل الثالث خلال مفاوضات فيينا.
ويأتي تأكيد الفريق الإيراني المفاوض على "مبدأ التحقّق" و"الضمانات" بشأن استمرار أمريكا في الإمتثال إلى تعهداتها المنصوصة ضمن الإتفاق النووي، في ظلّ التجربة السابقة مع الأميركيين حيث تنصّلت الإدارة الأميركية من تنفيذ كامل بنود الاتفاق النووي خلال عهد باراك أوباما، وأيضًا انسحابها غير القانوني من هذا الاتفاق في عهد دونالد ترامب.
في الأثناء، يتمّ التداول حاليًا بأنّ الجانبين الأوروبي والأميركي قدّما اقتراحًا بشأن "توافق مؤقت" في مفاوضات فيينا، في وقت أوضح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني وحيد جلال زادة أنّ طهران لم تؤيّد أو تعارض هذا الاقتراح، معتبرًا أنّ "طهران تريد التحقّق من إلغاء الحظر برفعه عن البنوك وقطاع النفط ويكون بإمكاننا بيع النفط وتسلّم الأموال نقدًا"، ومبيّنًا أنّ "أحد الضمانات بالنسبة لطهران هو إصدار قرار أممي وتحديد قيمة خسارة في حال انسحاب الجانب الأميركي مرّة ثانية من الاتفاق".
حول تطورات مسار المفاوضات في فيينا ومدى إيجابيّتها وحيثيات هذا "التوافق المؤقت" المزعوم، أشار الباحث في الشؤون الإيرانيّة الدكتور محمد شمص في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنَّ "الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران تريد أن تنهي نظام اجراءات الحظر الأميركي حتى لا تكون أداة بيد الأميركيين للعودة إليه بحجج وذرائع واهية".
ورأى شمص أنَّ فحوى الإتفاق "المؤقت" يتضمّن رفع العقوبات عن إيران بمعنى تعليقها وليس إلغاؤها، لأنّ إلغاءها يحتاج إلى قرارٍ من الكونغرس الأميركي ومصادقته وبايدن لا يمكنه إعطاء إيران هكذا ضمانات خاصة وأن الكونغرس ليس في صفِّه.
وما البيان الصادر عن 100 نائب من الحزب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي، الذين طالبوا بعدم عودة واشنطن إلى الإتفاق النووي، إلاّ دليلًا إضافيًا يوضّح الصورة أكثر بشأن الهواجس حيال "التزام الولايات المتحدة" بالتعهدات الدوليّة وعدم تكرار ما قامت به في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب.
ما تقدّم يشير إلى أنّ ما يُثار عن "اتفاق مؤقت" يقع في إطار المراوغة، خاصّة أنّ تركيز إيران على آليات التحقق من تنفيذ رفع العقوبات، فإيران تريد آليات عمليّة وفعليّة وتنفيذيّة لبنود الإتفاق، لا سيّما وأنَّ اتفاق عام 2015 لم يلقَ التزامًا من الغربيين والأوروبيين، بحسب شمص.
إذًا، ايران تسعى وراء اتفاق مستديم يمكن التعويل عليه، وليس هناك أيّ مشروع قرار لديها بشأن "التفاوض حول اتفاق مؤقت" إطلاقًا؛ ويؤكد هذا الأمر ما نقلته وكالة "ارنا" نقلًا عن "مصدر قريب" من الفريق الإيراني المفاوض قوله إنّ "جدول أعمال الوفد الإيراني لا يحمل أيّ موضوع فيما يسمى بـ "الإتفاق الأقل" خلال المفاوضات".
وفي ذات السياق، قال الباحث في الشؤون الإيرانية الدكتور حكم أمهز أنّ "الحديث عن اتفاق نووي مؤقَّت قد طُرح سابقًا وأحد أبرز بنوده أنَّه يستمر حتى انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وعلى إيران تخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم، وأن توقف تصنيع أجهزة الطرد المركزي واستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة مقابل أن يُفرج عن بعض الأرصدة الماليّة المجمّدة في الخارج".
ولفت أمهز في حديث لموقع "العهد" الإخباري إلى أنّ هذا المشروع كان طُرِح في عهد الرئيس الإيراني السابق الشيخ حسن روحاني ورفضته إيران آنذاك، والآن عندما يُطرح مجددًا فمن الطبيعي رفضه، وما أعلنه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية السيد وحيد جلال زادة بأنّ إيران لا استراتيجية لديها للبناء على اتفاق مؤقت، يأتي في إطار الرد الواضح على هكذا طرح.
أمهز أشار إلى القرار الإيراني الرسمي الجامع حول التوصل إلى اتفاق متكامل شامل دائم يقوم على أساس رفع العقوبات بشكل كامل إضافة للضمانات والتحقق وبعدها تعود إيران لالتزاماتها بالاتفاق النووي، وأوضح أنّ ما يجري الآن هو أنَّ الإدارة الأمريكية تتذرّع بأنها غير قادرة على رفع العقوبات بشكل كامل باعتبار أنَّ قسمًا منها يرتبط بالكونغرس وغير ذلك من ذرائع واهية.
وخلص أمهز إلى أنّه "حتى الآن لا يمكن القول بالتفاؤل بنسبة عالية ولا بالتشاؤم بنسبة عالية؛ فإيران أرسلت وفودًا للمشاركة في المفاوضات النووية الجارية حاليًا مؤلفة من خبراء من البنك المركزي ومنظمة الطاقة الذرية وأجهزة اقتصادية وغير اقتصادية معنيّة بالتبادل المالي والمتعلقة برفع العقوبات، وهذا يدلّ على وجود مؤشر إيجابي ولذلك أُرسلت هذه الوفود للبحث بالآليات التقنيّة والتطبيقيّة.
في الموازاة، بحسب أمهز، هناك أيضًا محادثات بين نائب وزير الخارجية الكوري الجنوبي ونائب وزير الخارجية الإيراني رئيس الوفد المفاوض علي باقري كني في فيينا جرى خلالها الاتفاق على الافراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية وهي قرابة الـ7 مليارات، كما اتُفق على تشكيل لجنة لتنفيذ الآليات التطبيقية لإعادة هذه المبالغ إلى إيران.
وأوضح أمهز، أنّ هناك مجموعة مؤشرات تدلُّ على الايجابيات ولكنها تتحرك ببطء ولا يمكن أن نقول أنه جرى التوصل لاتفاق أو وصل إلى خواتيمه قبل أن تُنجز كل العملية التفاوضية، ولكن الأمر أشبه بالانتخابات أي لا يُمكن الاعلان عن النتائج قبل إقفال الصناديق والفرز وبعدها تُعلن النتائج.
يمكن القول في خلاصة ختاميّة، أنّ الحديث عن "اتفاق مؤقت" أو أيّ اتفاقٍ لا يلبي المطالب الإيرانية فهو غير وارد بالنسبة للجمهورية الإسلامية، وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ إيران تملك أوراق قوّة على طاولة المفاوضات؛ فقد تمكنت من التخلّص من الكثير من العقوبات المفروضة عليها فهي تصدِّر النفط وتتبادل العمليات الاقتصادية والمالية مع العديد من الدول، وأصبحت عضوًا في منظمة "شانغهاي" وعقدت اتفاقيات استراتيجية مع الصين وروسيا، فضلا عن قدرتها على انتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 بالمائة، وغيرها من الأمور التي تعزِّز الموقف الايراني في شتّى المستويات، ختم أمهز.