خاص العهد
جودة وسلامة الغذاء في لبنان: "احذر مما تشتري"
يمنى المقداد
لم نعد نتحدّث في لبنان عن حياة طبيعية في شتّى نواحيها. فقد غيّرت الأزمة الاقتصادية والمالية أولويات المواطن الى حد جذري، لتقتصر على تحصيل القوت اليومي، والحفاظ على الحدّ الأدنى من أسس الصحة، وربما التعليم، علمًا بأنّه أصبح حكرًا على المقتدرين كما سواه من مقومات الحياة.
أكثر من ذلك، فقدت الأولويات التي رتّبناها وقلّصناها كثيرًا مواصفات الجودة والسلامة، فسعر المنتج الجيّد أصبح مرتفعًا جدًا، هذ الأمر دفع بالمواطن لشراء بضائع "أرخص" من دون الالتفات إلى درجة جودتها، ما يضع صحته على المحك، تحديدًا ما يتعلّق منها بالغذاء.
لبنان يستورد أكثر من 80 % من المواد الغذائية التي يتّم استهلاكها، وفق مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر. نسبة تأثرت من دون أدنى شك بتذبذب سعر الصرف، فإمّا أنّها انخفضت لارتباط الاستيراد بسعر الدولار ومدى توفره نقدًا، وتمّ تعويض حاجة السوق منها بأنواع أقلّ جودة، ما أفقد السوق اللبناني منتجات من شركات عالمية رائدة في عالم الجودة، وإمّا أنّها متوفرة، لكن المواطن لا يستطيع شراءها.
فما هي معايير جودة وسلامة الغذاء؟
الأستاذ والباحث في سلامة وتصنيع الغذاء في الجامعة اللبنانية ـ الأميركية الدكتور حسين حسن أشار لموقع "العهد" الإخباري إلى مفهوم الجودة بأنّه مطابقة المنتج للمعايير المحليّة أو العالمية، وهي مهمة تقوم بها مؤسسة المواصفات والمقاييس "ليبنور" تحت وصاية وزارة الصناعة، بحيث تعطي كل منتج غذائي معايير معينة. وجودة المنتج المرتفعة تعني أنّه مطابق لمواصفات "ليبنور" المحلية أو الأوروبية والأميركية، فيما يشتمل مفهوم الجودة على: مكونات المنتج، المحتوى الغذائي، المواد الممنوع والمسموح إضافتها ونسبتها، والشكل الخارجي واللون والمذاق والسماكة ونسبة الحموضة، والملوثات..إلخ.
أمّا سلامة الغذاء وفق حسن فهي خلوّ الغذاء من المخاطر التي تتسبب بتلوّثه وحدوث "التسمّم الغذائي"، وتتراوح المخاطر بين بيولوجية (الجراثيم)، وكيميائية (الترسبات ـ المبيدات الزراعية ـ المضادات الحيوية)، وفيزيائية (الشعر)، ومخاطر تحسسية (القمح)، وأمراض منقولة غذائيًا بالأخص عند الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة (كبار وصغار السن، الحوامل، المرضعات، أصحاب الأمراض المزمنة، الأمراض المناعية، أو الذين يتناولون علاجًا كيميائيًا للسرطان، وزارعة الأعضاء).
فقدان السيطرة على محتويات السوق
في ضوء الأزمة الحالية، لم تعد السيطرة على جودة وسلامة المنتجات في الأسواق اللبنانية بنفس الفعالية السابقة، وفق حسن، الذي يعيد ذلك إلى إضراب موظفي القطاع العام، وعجز المفتشين عن مراقبة المنشآت الغذائية نظرًا لتدني رواتبهم وارتفاع سعر البنزين، وكذلك دخول السوق منتجات لمعامل غير مرخصة، فالتراخيص لم تعد تمنح بسرعة كالسابق، وهناك معامل كثيرة بدأت بالإنتاج من دون رخصة ولا يمكن لأحد أن يعرف ماذا يدور فيها وكأنّها خارج سلطة الدولة، إضافة إلى عامل تهريب البضائع واستحالة تكوين أي فكرة عن جودتها وسلامتها.
حسن أوضح أنّ المواطن اليوم عاجز عن شراء منتجات من مصادر عالمية معروفة بجودتها نظرًا لارتفاع أسعارها، ويشتري "الأرخص"، وهو أحيانًا غير جيّد لناحية الشكل الخارجي، واللون والمذاق والرائحة، ما يؤدي إلى تلفه ووقوع هدر غذائي، وقد تحتوي هذه المنتجات على مواد محظورة ما يعرض حياة المستهلك للخطر على المدى الطويل متسببًا بأمراض السرطان أو الضغط أو القلب.
هل بوسع المستهلك حماية نفسه في ظل هذه الفوضى والعجز الرسمي؟
حسن نصح المواطن بقراءة مصدر المنتج واسم المصنّع ورقم الهاتف، كما شدّد على ضرورة التبليغ عن أيّ مشكلة في المنتج، منوهًا بالمتابعة الفعالة للشكاوى لمصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد في هذا الشأن، داعيًا المواطنين للتواصل مع المصلحة على الرقم 1739، وأكد على الدور الرقابي للمواطن.
أمّا مسؤولية الدولة فتتحقّق وفق حسن بتفعيل مراقبة حركة دخول المنتجات للسوق وتراخيص المعامل الجديدة، وزيادة عدد المفتشين وتفعيل الرقابة على المواد المستوردة، وتفعيل الجمارك لمنع التهريب، وأخذ عينات عشوائية من السوق وفحصها. كما دعا الدولة إلى تفعيل الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء، لافتًا الى أن هناك وزارات عدّة تدخل في هذا الموضوع وهي وزارات الصحة والزراعة والصناعة والإقتصاد والسياحة والداخلية، مطالبًا البلديات بتفعيل الكشف على المؤسسات الغذائية.
لا معايير للجودة بل مواصفات للغذاء
جمعية حماية المستهلك ورغم صعوبة الإمكانيات المادية واللوجستية، لا تزال تقوم بدور رقابي ناشط.
مسؤولة المراقبة ونائبة رئيس الجمعية الدكتورة ندى نعمة عرّفت في حديثها لموقع "العهد" الإخباري، سلامة الغذاء بأنّها خلو المنتج من العوامل الممرّضة، فيما الجودة هي المواصفات العامة التي يجب أن تكون ثابتة، لافتة إلى أنّه لا يوجد معايير للجودة في لبنان، بل هنالك مواصفات للغذاء يجب التقيّد بها، واعتبارها مرجعًا عند مراقبة الأسواق والاستيراد.
جمعية حماية المستهلك: أكثرية الشكاوى حول نوعية المنتج
تعمّ السوق اللبناني فوضى يستحيل معها تحديد حجم البضائع الغذائية والاستهلاكية الجيدة وتلك السيئة في أسواقنا، ولا توجد معطيات وأرقام وفق نعمة التي أكدت ارتفاع عدد الشكاوى خلال الأزمة مشيرة إلى أنّ جمعية حماية المستهلك تعمل كرأي عام وسلطة مراقبة لعمل الدولة، وتحمي وتدافع عن حقوق المستهلكين، وتمثّلهم في كلّ اللجان، وتقوم بالمتابعة والضغط، وتعتبر أنّ هذا الواقع الفوضوي المخيف منذ بداية الأزمة، وعدم وجود خطة للمراقبة وإدارة الأزمة أثقل كاهل المستهلك بالضغط وعدم القدرة على الاستمرار.
ولفتت إلى أنّ دور الدولة يتّم عبر وزارة الاقتصاد، وهي السلطة التنفيذية المسؤولة عن تسطير المحاضر والمخالفات، أمّا الجمعية فهي تتلقى الشكاوى وتدافع عن حقوق المستهلكين. وتضيف نعمة أنّ أكثرية الشكاوى اليوم هي حول نوعية المنتج الذي يشتريه المستهلك، والذي يكون غير صالح، وهذا يعود إلى عدة أسباب أبرزها التخزين، واستيراد أنواع جديدة للأسواق أقل جودة، عطفًا على عدم المتابعة والمراقبة من قبل الدولة.
دور المواطن: المقاطعة
نعمة شدّدت على أنّ تقصير الدولة أو غياب الرقابة، لا يعفي المواطن من تحمّل مسؤوليته في هذا الموضوع، إذ يتوجب على المستهلك مقاطعة المتجر الذي يبيع منتجات مغشوشة، والتبليغ عن أيّ شكوى للوزارة والبلدية والجمعية، وعدم شراء المنتجات المبرّدة، لا سيّما اذا كان المتجر يقطع الكهرباء عن البرادات، لافتة إلى أنّ الرعاية مطلوبة في هذه المرحلة الحسّاسة وخصوصًا مع التضخم وارتفاع الأسعار وانهيار قدرة المستهلك الشرائية.
مصلحة حماية المستهلك: الشكاوى على الرقم 1739
أسواق لبنان متخمة بما "هبّ ودبّ" من بضائع غذائية واستهلاكية، ما يهدّد حياة المواطن، لا سيّما إن عجز الأخير عن الاختيار الصحيح، ليبقى خلاصه فقط بالسعي لتحقيق الأمن الذاتي لغذائه، عبر إدراك معايير جودة وسلامة المنتج الذي يستهلكه.