خاص العهد
حكومات لبنانية بلا خطط نهوض..وحاكم يتحكّم بالنقد والمال
فاطمة سلامة
ما إن يُفتح الملف المالي والنقدي في لبنان حتى تتبادر الى الذهن تلقائيًا صورة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. يُجمع خبراء في عالم المال والاقتصاد أنّ سياسة الحاكم بأمر المصرف تكاد تكون سبب كل النكبات والأزمات التي يمر بها اقتصاد لبنان. طبعًا، تلك السياسة ما كانت لتستمر لولا أداء الحكومات المتعاقبة منذ التسعينيات، والتي عبّدت الطريق للحاكم لـ"يركّب أذن الجرة" كما يحلو له. إلا أنّ أكثر ما يستدعي الغرابة هو كيف لحاكم يصدر في حقّه العديد من الدعاوى محليًا وخارجيًا ويظل حرًا طليقًا يُكمل مهامه في سدّة الحاكمية دون حسيب أو رقيب!. لا بل يُواصل العبث بما تبقى من مالية دولة، ويدافع بشراسة عن "كارتيل" المصارف على حساب المودعين الذين خسروا جنى عمرهم بلمح البصر.
ولا يتكبّد عناء من يغوص في الوضع النقدي والمالي في لبنان ليكتشف أنّ ثمّة مجموعة يقودها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتتكوّن من سياسيين ومصرفيين تقود لبنان نحو الانهيار. ثمّة ممارسات لا يمكن تصديقها منذ أكثر من عامين حتى اليوم. معنيون بالأزمة يتعاملون مع الاقتصاد اللبناني وكأنه بألف خير. ورغم أنّ أوراق الإصلاح والتعافي للخروج من الأزمة كانت كثيرة بين أيدي المعنيين، إلا أنّ "التطنيش" كان سيد الموقف. بالنسبة لهؤلاء، المصارف خط أحمر وأي حل يتحمّل فيه هذا الكارتيل الخسارة ممنوع، وهذا ما يُفسّر سرعة الانهيار التي ضربت كل مقوّمات الاقتصاد في لبنان.
والمؤسف أنّ تلك المجموعة لا تزال حتى اليوم ورغم وصول لبنان الى الدرك الأسفل تضع مصلحتها فوق أي اعتبار. تمامًا كما أنها لا تزال تراهن على مقترحات خارجية ووصفات معلّبة، "تبصم" عليها بالعشرة وتوقّع "على العمياني" كما يقال حتى ولو حملت للبنان المزيد من الانهيار، كما حدث مؤخرًا لجهة الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، والوصفة الجاهزة التي قُدّمت للبنان. ثمّة من هلّل لها ووصفها بأنها حبل نجاة رغم تجارب دول غير مشجّعة أبدًا.
الحكومات المتعاقبة شجّعت على الاقتصاد "الربوي"
الخبير المالي والاقتصادي الدكتور حسن حمادة يعتبر في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ حاكم مصرف لبنان يشكّل جزءًا من أزمة كان للحكومات المتعاقبة منذ التسعينيات اليد الطولى فيها لقتل ما تبقى من اقتصاد خلال فترة الحرب. ويشدّد حمادة على أنّ هذه الحكومات شجّعت على الاقتصاد "الربوي" غير الموجود في أي اقتصاد ليبرالي في العالم. برأيه، لا يوجد في العالم اقتصاد ليبراالي يُعطي كل هذه الفوائد السخية خصوصًا على الدولار، ويطلب من المستثمرين وضع أموالهم في المصارف بفوائد عالية، بدل الاستثمار بها في القطاع الحقيقي. كل هذا وسط غياب دور فعلي للاقتصاد، حيث انتهت الحرب الأهلية ولم يكن هناك خطة نهوض كأي دولة في العالم رغم أن الفرص كانت موجودة ولا تزال حتى اليوم.
ويرى حمادة أنّ الجزء الأخطر في السياسة النقدية تجلى بتثبيت سعر الصرف لمدة طويلة. هذه الخطوة تعاكس النظرية الاقتصادية، فالتثبيت عادة ما يكون لفترة مؤقتة، وريثما يحدث الاستقرار النقدي والنهوض الاقتصادي يعوّم لاحقًا سعر الصرف. وهنا يشدّد حمادة على أننا عشنا على وهم خلال العشر سنوات الماضية. وهم دمّر ما تبقى من اقتصاد، فالسياسة النقدية كانت خاطئة، والسياسة المالية غائبة، ما شجّع مصرف لبنان على التعدي على السياسة المالية، وإرساء سياسات ليست من اختصاصه كالسياسات الإسكانية التي هندس خلالها قروضًا على شكل رشاوى بفوائد شكلية. تمامًا كما حدث مع أغلب المؤسسات الإعلامية التي تلقت قروضًا ما يفسّر عدم مهاجمة هذه المؤسسات للسياسات النقدية لحاكم مصرف لبنان رغم كل ما يحصل.
الحكومة الحالية لا تملك خطة جدية فعليًا للخروج من الأزمة
العقلية التي حكمت لبنان منذ التسعينيات لا تزال موجودة حتى اليوم. لا خطط لإنقاذ الاقتصاد ولا نوايا جدية للخروج من الأزمة. وفي هذا الإطار، يؤكّد حمادة أنّ الحكومة ذهبت الى الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد وسط عدم وجود قدرة لديها على وضع خطة فعلية للنهوض الاقتصادي، وعدم مناقشتها لخيارات أخرى. ورغم عدم نظرته السلبية المطلقة للاتفاق مع صندوق النقد، إلا أنّ الخطورة تكمن -برأيه- في أنّ كل الدول التي تعقد اتفاقيات مع الصندوق تسعى للتخفيف من حدة الشروط، إلا أنّ الحكومة الحالية لا تملك خطة جدية فعليًا للخروج من الأزمة ما جعلها تستسلم لصندوق النقد الدولي وشروطه التي كان من ضمنها وقف الدعم، لينحصر ببعض الأدوية وربطة الخبز اللذين سيأتيهما الدور أيضًا لأن لا قدرة لدى مالية الدولة على الاستمرار في الدعم.
ويشدّد حمادة على أن لا حكومة لبنانية تعمل لصالح الشعب اللبناني. وفق حساباته، ثمة أطراف داخل الحكومة يمثلون الدولة العميقة والمصارف، وهنا نرى أنه رغم شروط صندوق النقد القاسية جدًا -يقول حمادة- إلا أنها قد تكون أرحم من المقترحات التي تطالعنا بها الحكومة اللبنانية والدولة العميقة وما تمثل من مصارف ومصالح كبار النافذين في البلد. على سبيل المثال، من ضمن الطروحات التي اقترحتها الحكومة في ما يسمى بخطة التعافي "الليلرة" التي تؤدي الى طباعة كمية هائلة من الليرة اللبنانية في السوق ما يحدث تضخمًا هائلًا وارتفاعا هائلا بسعر الصرف.
وهنا يؤكّد حمادة لو أنّ المعنيين ساروا منذ البداية بالخطة الواضحة التي اقترحتها حكومة الرئيس السابق حسان دياب لكنا خرجنا من الأزمة بين 3 الى 4 سنوات ولم يكن الدولار ليتخطى الـ5000 آلاف ليرة بأسوأ الحالات. تلك الخطة كانت تقتضي توزيع الجزء الأكبر من الخسائر على الدولة، والمصارف ومصرف لبنان، وجزء صغير من المودعين لكن للأسف رأينا كيف تعاملوا مع حكومة دياب وسط دفاع مستميت عن المصارف على حساب الشعب. وفي سياق متصل، يتطرّق حمادة الى مشروع "الكابيتال كونترول" الذي كان يجب أن يقر قبل أن تفتح المصارف أبوابها عقب أزمة تشرين الأول 2019. برأيه، إقرار "الكابيتال كونترول" يكون فجأة كي لا يسمح للناس بتهريب المزيد من الأموال، لكن للأسف ثمّة مسرحية هزلية تحدث اليوم لإقرار "الكابيتال كونترول" رغم أنّ جزءًا كبيرًا من النواب هم محامون لدى المصارف وبالتالي يمثلون مصلحتها، يختم حمادة.