معركة أولي البأس

خاص العهد

تقدير موقف | اليوم 60: إنجازات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وإخفاقاتها
24/04/2022

تقدير موقف | اليوم 60: إنجازات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وإخفاقاتها

عمر معربوني | كاتب وباحث في الشؤون العسكرية 

مواضيع العرض | العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ـ الإنجازات والإخفاقات 

أنهت العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا شهرها الثاني، وهو ما بات يحتاج الى تقييم موضوعي لما تحقق من أهداف، ولما حصل من إخفاقات، علماً بأن استعراض الإنجازات والإخفاقات يخضع للإنقسام العالمي حول تقييم العملية الذي ينطلق من التموضعات السياسية وليس للوقائع.

ان غالبية ساحقة من الخبراء في الجهة المعادية لروسيا تعتمد اهواءها السياسية لإطلاق مواقف ترتبط بنتائج العملية، وهو امر يخالف أبسط قواعد التحليل العلمي، ويندرج ببساطة ضمن الحرب الإعلامية والنفسية.

إن مقاربة الخبراء المعادين لروسيا ومحاولات إظهار هزيمتها في أوكرانيا لا تعني انه لا يوجد إخفاقات في بعض جوانب العملية، وهو برأيي امر طبيعي في ظل مواجهة دخلت عليها اميركا ودول الغرب كافة، وبكل قوتها وامكانياتها المالية والعسكرية والإقتصادية باستثناء العديد البشري المباشر لجيوش هذه الدولـ ومعداتها مع الإشارة الى عمليات تنظيم انتقال المرتزقة الراغبين بالمجيء الى أوكرانيا.

إن تقييم العملية يجب ان ينطلق من مقاربة النتائج المحققة في مضمون الأهداف التي حددتها روسيا، وليس انطلاقاً من المدّة الزمنية التي لم تعلن عنها روسيا اصلاً لنُجري تقييماً حولها، وحول اذا ما كانت مستمرة ضمن الوقت المحدد او تجاوزته.

اهداف العملية 
1ـ البعد العسكري 
أ ـ تحرير إقليم الدونباس 

وهي عملية قطعت شوطاً كبيراً حيث تجاوز ما تمّ تحريره من جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك 42 الف كلم مربع من اصل 56 الف كلم مربع هي مساحة الجمهوريتين، مع الإشارة الى ان التحضير لإكمال تحرير ما تبقى من مساحة يجري بشكل منتظم على أربعة محاور رئيسية تستهدف ثلاث مدن هامة، وهي سفيرودونيتسك وسلوفيانسك وكراماتورسك التي تشكل العقد الأساسية لخط الدفاع الأوكراني الحصين، والذي تمّ بناؤه على مدى 8 سنوات، حيث تُظهر الفيديوهات والصور مدى صلابة هذا الخط والخبرة الهندسية الموضوعة فيه، وهو السبب الرئيسي لبطء العمليات التي صدرت أوامر عليا من الرئيس بوتين بصددها حفاظاً على أرواح الجنود الروس، واستغراق الوقت اللازم لدك هذه التحصينات بالتزامن مع استهداف منشآت امداد هذه القوات على  الحد الأمامي، واستنزافها عبر المشاغلة المستمرة لإيصالها الى مرحلة الإنهيار.
بما يرتبط بهذا الهدف لا احد يستطيع مدّة دقيقة لإنهاء المهمة التي يتم تنفيذها بالقضم والتقدم الآمن.

ب ـ نزع سلاح أوكرانيا 
المقصود هنا هو الأسلحة ذات الطابع العملياتي والإستراتيجي وتتضمن أسلحة الجو والبحر ومنظومات الدفاع الجوي والصواريخ التكتيكية والعملياتية.

في هذا الجانب استطاع الجيش الروسي حتى اللحظة ان يُخرج 143 طائرة مقاتلة من اصل 170 من الخدمة، وحقق سيطرة جوية شبه مطلقة بالإضافة الى غالبية الحوامات القتالية في سلاح الجو الأوكراني، حيث تم تدمير 110 حوامات، واقتصار الأمر بما يخص المسيرات على مسيرات الإستطلاع التكتيكية بعد اخراج المسيرات الهجومية، وخصوصاً طراز "بيرقدار" من أجواء أوكرانيا سواء بالتدمير او بالتحييد بسبب السيطرة الجوية الروسية بالطائرات ومنظومات الدفاع الجوي.

أنظمة الدفاع الجوي الأوكراني ايضاً أصيبت بضربة كبيرة حيث تم تدمير اغلبها، ويتم تدمير ما تبقى منها لحظة تشغيل أنظمة الرادار التابعة لها، علماً بأن هذه الأنظمة باتت تعمل بنمط التشغيل اللحظي وليس التشغيل الدائم.

إضافة الى ما تقدم فان القوات الأوكرانية فقدت أغلب صواريخها التكتيكية سواء منصات اطلاق (توتشكا ـ أو) أو راجمات "سميرتش" و"اوراغان" وعدد كبير من راجمات "غراد بي ام – 21" وغالبية قطع المدفعية الثقيلة المحمولة والمقطورة.

سلاح المدرعات فقد حوالي 60% من قدراته ويتم تشغيل ما تبقى من دبابات على خطوط التماس من ضمن تحصينات معدّة بعناية، وهي بذلك تحولت الى مجرد مدافع مضادة للدروع والعربات وفقدة ميزتها الأساسية وهي الحركة التي تعتمد عليها الجيوش لتحقيق الصدمة في الميدان.

ـ منع أوكرانيا من تصنيع السلاح النووي 
في السيطرة المباشرة تمكن الجيش الروسي من السيطرة على محطة "زابوروجيا" النووية وهي اهم محطات أوكرانيا وانسحب من محطة "تشيرنوبل" المتوقفة اصلاً عن العمل، في حين أوقف الجيش الروسي تقدمه نحو محطة "يوزنوكرانسك" شمال مقاطعة نيكولاييف، وهي ثاني اكبر محطة نووية في أوكرانيا في حين ان وحداته لا تزال بعيدة عن محطتي "خلمنتسكي" و"ريفن" الواقعتين في الشمال الغربي، والتي لا يمكن الوصول اليهما الا بعملية عسكرية من جنوب بيلوروسيا، وهو امر مستبعد في المنظور القريب، الا ان لا شيء يمنع من ان يكون لدى الروس خطط ترتبط بالمحطتين، علماً بأن تسوية سياسية ستؤدي بالتأكيد الى وجود إجراءات رقابة عبر المنظمات الدولية المعنية لضمان عدم تصنيع أوكرانيا للأسلحة النووية.
في هذا الجانب يمكن القول ان روسيا لم تستطع حتى اللحظة تحقيق غاياتها وهو ما يستلزم برأيي تحولات ذات طابع استراتيجي لم تتوفر حتى اللحظة.

2 ـ البعدين السياسي والإقتصادي 
ـ حتى اللحظة لم تحقق موسكو أهدافها السياسية في أوكرانيا بما يرتبط بحياد أوكرانيا وعدم انضمامها لحلف الناتو، رغم ان الأوكرانيين قدّموا لجولة مفاوضات اسطمبول ورقة يؤكدون فيها استعدادهم لتنفيذ الطلبين سرعان ما تم التراجع عنهما عبر تعطيل المفاوضات، وطرح مطلب وقف العملية قبل البحث بأي توجه يرتبط بالمفاوضات، وجاء ذلك بعد انسحاب الجيش الروسي من محيط كييف شرقاً وغرباً وشمالاً، ما يفسره البعض نقطة ضعف روسية يبني عليها الجانب الأوكراني ومن خلفه اميركا والغرب.

ـ استطاعت روسيا ان تتجاوز العقوبات عبر تفعيل العلاقات السياسية مع نصف العالم الآخر، وتحديداً في غالبية دول الشرق وهي تستعد مع هذه الدول للوصول الى خواتيم مهمة بتأسيس حلف سياسي اقتصادي يعتمد نظاماً مالياً مستقلاً عن اميركا والغرب، إضافة الى توسيع شبكة المشاريع المشتركة واعتماد العملات الوطنية في التبادل التجاري بين دول الحلف.

لكن عقبات كبيرة تعترض روسيا على المستوى الاقتصادي لإيجاد بدائل لما كانت تستورده من الغرب، وستخفف الإجراءات الروسية الإستباقية من وطأتها وتأثيرها، مع ضرورة الإشارة الى ان سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الروبل يشهد انخفاضاً متتالياً، وهو دلالة على وضع صحي ومطمئن بما يرتبط بوضع الاقتصاد الروسي الذي ستدفعه العقوبات الى الإعتماد بشكل كلي على الطاقات الذاتية والوطنية، ما يعني على المدى المتوسط والبعيد استقراراً مستداماً لن تؤثر فيه العقوبات الا بنسبة ضئيلة.

على المستوى الاقتصادي، لا بد من الإشارة الى أن تأثير العقوبات على المدى المتوسط والبعيد سيكون كارثياً على أوروبا، وتحديداً اذا ما استمرت المواجهة في أوكرانيا لوقت طويل، فقد تستعمل روسيا حينها سلاح الغاز والنفط عبر منع تدفقه اذا ما امتنع الأوروبيون عن دفع سعره بالروبل، وهو ما سيظهر خلال شهر من الآن ويمكن حينها البناء عليه.

بشكل عام ورغم وجود بطء في العملية العسكرية الروسية الاّ ان الكثير من الإنجازات قد تحقق، ويحتاج الى تراكمات إضافية للوصول الى مرحلة اخضاع أوكرانيا عسكرياً، وتالياً فرض شروط روسيا السياسية عليها وهو برأيي مسار طويل اختار الرئيس بوتين للإنتصار فيه اعتماد طريقة النصر بالنقاط بعد تعذر تحقيق الهدف بالضربة القاضية.

كييف

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة