معركة أولي البأس

خاص العهد

قريبًا..تدابير جديدة للضمان الاجتماعي تُخفّض من فاتورة الاستشفاء
23/07/2022

قريبًا..تدابير جديدة للضمان الاجتماعي تُخفّض من فاتورة الاستشفاء

فاطمة سلامة

لم يعُد المريض المضمون مضمونًا بالمعنى الفعلي للكلمة. التغطية الاستشفائية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي باتت زهيدة جدًا مقارنة بالفاتورة الاستشفائية. يدفع المريض نحو 90 الى 95 بالمئة كـ"فروقات" ضمان من جيبه الخاص، أما الضمان فيتحمّل من 5 الى 10 بالمئة فقط، بينما في الواقع يجب أن تكون الصورة معكوسة. كل هذا ونحن نتحدّث عن فواتير استشفاء "تقصم" ظهر المريض نظرًا لتحولها من سعر صرف 1507 ليرات الى نحو 30 ألف ليرة للدولار الواحد. كلفة الاستشفاء العالية دفعت مرضى كثيرين للاستدانة، تمامًا كما دفعت البعض الى بيع ممتلكات من أرض ومنزل وذهب وغيرها لتسديد الفواتير العالية التي باتت أكبر بكثير من قدرة المريض على التحمل.

ولا يخفى أنّ فاتورة الاستشفاء تختلف من مستشفى الى آخر، بحسب هامش الربح الذي يبغيه كل واحد منها. أحد المستشفيات زوّدنا ببعض الأسعار التي يدفعها المريض المضمون وتشمل فرق الضمان وما لا يغطيه، ما يُبيّن "الحِمل" الذي بات ثقيلًا على المرضى المضمونين. الفاتورة التي يدفعها المريض بدل عملية قلب مفتوح تبلغ 140 مليون ليرة. فاتورة عملية توسيع شرايين القلب "بالبالون والراسور" تبلغ 50 مليون ليرة. فاتورة تمييل قلب 8 ملايين ليرة. فاتورة عملية ماء زرقاء في العين تبلغ 20 مليون ليرة. فاتورة عملية مرارة تبلغ 18 مليون ليرة. فاتورة ولادة طبيعية 10 ملايين ليرة، أما القيصرية فـ18 مليون ليرة. هذه الأسعار تبدو ثقيلة على المريض رغم أنّ المستشفى الذي يعتمدها لا يتقاضى أرباحًا غير واقعية، فما بالنا بأرقام الفروقات "المخيفة" التي يدفعها المضمون في مستشفيات أخرى تتقاضى أرباحًا خيالية؟!.    

تقديمات الضمان للاستشفاء ستُرفع خلال الأسبوعين القادمين 

لدى سؤال مدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي عن الحلول المقترحة من قبل الضمان للتخفيف عن الفاتورة التي يتكبدها المريض، يبشّر اللبنانيين بمضاعفة التعريفات والتقديمات من قبل الضمان مرتين ونصفًا الى ثلاث مرات خلال الأسبوعين القادمين للتخفيف عن كاهل المريض.  

قريبًا..تدابير جديدة للضمان الاجتماعي تُخفّض من فاتورة الاستشفاء

لكنّ كركي يبدو عاتبًا على المضمونين أنفسهم. كيف لما يقارب ثلث الشعب اللبناني أن يبقى ساكتًا على هذا الواقع؟. كيف يضطر البعض لبيع ممتلكاته للاستشفاء ولا نرى تحركًا على مستوى الأزمة الحاصلة؟. وفق كركي، يجب أن ينزل الى الشارع مئات الآلاف. يجب أن ينتفض لهذا الواقع 600 ألف مضمون مع عائلاتهم أي مليون و400 ألف شخص لدفع الدولة الى التحرك. كما يسجّل كركي عتبًا على كل الحركات النقابية التي من مسؤوليتها الدفاع عن الأجراء والمضمونين. وفق كركي، اذا بقي المضمونون في منازلهم وتظاهر كما يحصل عادة 100 الى 200 شخص فقط لن يحصّل المضمون شيئًا من الدولة، متمنيًا أن تكون التحركات العمالية على قدر الأزمة وأن تتحمّل الدولة مسؤولياتها بموازاة قيام الضمان بواجباته. 

المشكلة ليست بالضمان بل بالعملة المنهارة 

وفي معرض حديثه عن الأعباء التي بات يتكبدها المواطن، يلفت كركي الى عدم رضاه عن الواقع الحاصل، لكنّه يشير الى أنّ تقديمات الضمان في فرع ضمان المرض والأمومة كانت مبنية على الاشتراكات التي يحصّلها الضمان. وعليه، فالمشكلة ليست بالضمان بل العُملة المنهارة والبلد المتأزم. اشتراكات الضمان لا تزال وفقًا لسعر صرف 1507 ليرات، والفاتورة الاستشفائية وفقًا لـ 30 ألف ليرة، وبالتالي يذهب المريض الى المستشفى ويدفع 95 بالمئة من جيبه الخاص في حين أنّ العكس يجب أن يكون. 

فوائض بـ600 مليار ليرة في فرع المرض والأمومة تخولنا مضاعفة التعريفات

يعد كركي بتغيُّر ما في واقع التقديمات الحالي. يلفت الى أنّ الموازنة العامة للفروع أنجزت -ولأول مرة منذ 50 عامًا ينجز الضمان موازنة عامة للفروع- ورفعت الى مجلس إدارة الضمان، وقد تبيّن أنّ هناك فائضًا بعدما زاد الحد الأدنى للأجور الى مليوني ليرة، وزاد الشق الخاضع للاشتراكات لفرع المرض والأمومة الى الخمسة ملايين ليرة بدل مليونين ونصف. وعليه، فإنّ المبلغ الذي دخل الى الضمان حقّق فوائض في فرع المرض والأمومة بقيمة 600 مليار ليرة، ما دفعنا الى اقتراح زيادة التقديمات الاستشفائية من مرتين ونصف الى ثلاث مرات، الأمر الذي سيخفّض كثيرًا مما يدفعه المواطن من فروقات. 

التعريفات قد تضاعف 4 الى 5 مرات عام 2023 اذا...

ويشير كركي الى أنّ الفوائض لن تنعكس على العام الحالي بأكمله، فالموازنة التي أعدت لم تُعد عن السنة بأكملها. وهنا يعد كركي بأنّ مفاعيل الزيادات العام القادم ستكون على مدار العام ما يخولنا زيادة تعريفات الضمان في العام المقبل 4 الى 5 مرات. لكن كركي يعود ويؤكّد أن الأمر مرتبط بطريقة تعاطي الدولة. الأخيرة للأسف لا ترصد ولا تدفع اللازم، وهي رفعت الزيادات في موازنة 2022 لكل الأجهزة الضامنة 4 أو 5 مرات، وللضمان مرتين فقط. وفق كركي، على الدولة أن ترسي نوعًا من المساواة والعدالة بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وباقي الجهات الضامنة لنتمكّن من مضاعفة التعريفات أكثر فأكثر عام 2023. 

نحو خطوات إصلاحية 

بموازاة الحديث عن رفع للتعريفات، يلفت كركي الى خطوات إصلاحية سيقوم بها الضمان بعدما أرسل موازنة الفروع الى مجلس الإدارة. برأيه، لا بد من إصلاحات تسهّل عملية 
معالجة الفواتير وتضبط الإنفاق الصحي أكثر. على رأس هذه الإصلاحات التوجه من مبدأ التفصيل في فاتورة الضمان التي يحتوي بعضها على عشرات الصفحات الى مبدأ المبالغ المقطوعة، وهذا مبدأ معتمد في العديد من الدول. وفق كركي، نحن أمام فرصة لإصلاح كل الأنظمة في الضمان الاجتماعي في كل ما يتعلّق بالدواء والاستشفاء والمعاينات لأنّ النظام القديم لم يعد فعالًا. وتباعًا سنرفع الى مجلس الادارة القرارات اللازمة. وهنا يطالب كركي الدولة بتعديل موازنة الضمان، لأنها رصدت له 1200 مليار ليرة فقط في موازنة 2022 بينما طالبنا بـ 2500 مليار ليرة وذلك مساواة بباقي الأجهزة. على الدولة رصد الاعتمادات التي يجب أن ترصدها ودفعها للضمان فضلًا عن دفع الديون المتوجبة عليها والبالغة 5000 مليار ليرة. 

الرقابة ستزداد 

كما يلفت كركي الى أنّ الرقابة ستزداد على المستشفيات بعد إقرار مضاعفة التقديمات، اذ من غير المسموح للمستشفيات تقاضي فروقات ضمان كبيرة. ولدى سؤاله عما اذا كان المريض سيشعر بالفرق الكبير بعد إقرار الزيادة، يوضح كركي أنّ فرق الضمان للولادة الطبيعية يبلغ حاليًا نحو 10 ملايين ليرة، لكن بعد مضاعفة التقديمات لن نسمح للمستشفى بأن يتقاضى من المريض أكثر من مليونين. وهنا ينوّه كركي الى أنّنا زدنا 3 مرات كل ما يتعلق بغسيل الكلى لأننا ومنذ تأسيس الضمان قررنا عدم تدفيع المريض أي ليرة، فيما نحن متجهون الآن نحو زيادة جديدة لكل جلسة حتى لا يدفع المريض من جيبه. 

من الحديث عن التعريفات، ينتقل كركي للحديث عن الإشاعات التي تطال الضمان من حين لآخر. برأيه، ثمّة كلام في غير محله في ما يتعلق بمتانة الصندوق وقوة المؤسسة. وخلافًا لكل ما يصدر من تصريحات إعلامية، فإنّ الضمان الاجتماعي ورغم كل ظروف البلد يعتبر الأمتن مقارنة بكل مؤسسات البلد. من الناحية المالية يعتبر الضمان أقوى المؤسسات حاليًا نظرًا للفوائض الكبيرة التي حققها وحسن إدارته. 

فرع تعويضات نهاية الخدمة يمتلك ضعف ما تمتلكه المؤسسات الأخرى

يعطي كركي أمثلة على متانة الصندوق، فيلفت الى أنّ فرع تعويضات نهاية الخدمة يمتلك ضعف ما تمتلكه المؤسسات الأخرى. ثمة دراسات وأرقام أعطتها مؤسسات مستقلة أكّدت أن صندوق نهاية الخدمة مستدام أقله لعام 2065. وهنا يطمئن كركي المضمونين لو سحب الجميع تعويضاته لا مشكلة عملانية بالضمان وكل الأموال متوفرة. 

وفي ما يتعلّق بالتعويضات العائلية، فهذا الصندوق الذي كان عاجزًا منذ أكثر من 10 سنوات، حقّق منذ سنتين وفرًا بقيمة 300 مليار ليرة في السنة، لافتًا الى أنّنا رفعنا الى مجلس الإدارة مقترحًا لزيادة قيمة التعويضات العائلية للناس، لم تتلقفه الدولة منذ 4 الى 5 أشهر ما يحرم الأجراء اللبنانيين من زيادة في التعويضات العائلية في حين أنهم بأمس الحاجة لهذه الزيادة.

مشروع جديد للتقاعد 

يعود كركي ويكرّر أنّ ثمة فوائض كبيرة، ولكن للأسف فالدولة لا تستغل هذا الموضوع لتريح المواطن اللبناني، موضحًا أننا أنجزنا مشروعًا جيدًا جدًا في ما يتعلق بالتقاعد لتخيير الناس بين سحب تعويض نهاية الخدمة أو تقاضي معاش تقاعدي مدى الحياة. هذا المشروع سيُرفع فيه تقرير الى وزير العمل، لأنّه بحاجة الى زيادة القليل من الاشتراكات، لإعادة القدرة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة.

أنجزنا كل ما يتوجب علينا والملاءة المالية جيدة 

وعليه، يؤكّد كركي أننا كإدارة أنجزنا كل ما يتوجب علينا، مشددًا على أنّ الملاءة المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي جيدة، وهي ممتازة في فرع التعويضات العائلية ونهاية الخدمة، ونحن هنا لم نتكلم بعد عن الـ400 مليون دولار التي لا تزال في محفظة الضمان ويتم احتسابها وفق الـ1500 ليرة.
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد