معركة أولي البأس

خاص العهد

قمة طهران: دمشق تحضر فعلياً وتغيب بروتوكولياً
25/07/2022

قمة طهران: دمشق تحضر فعلياً وتغيب بروتوكولياً

محمد عيد

لم تغب دمشق عن قمة طهران بين زعماء كل من إيران وروسيا وتركيا، وليس من المبالغة القول إن البيان الختامي للقمة قد صيغ في جزء كبير منه من بنات ثوابت سياستها التي حملها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى هناك ليقطع الطريق على محاولات التفرد التركي بالقرار دون أن يسقط المرونة السياسية في العلاقة المحتملة مستقبلاً مع تركيا حين تعود هذه الأخيرة "إلى رشدها" بضمانات كل من الحليفين المقتدرين إيران وروسيا.

* قمة استثنائية

يرى عضو الوفد السوري السابق إلى مباحثات جنيف الدكتور أسامة دنورة أن هناك عوامل عديدة جعلت من قمة طهران ذات أهمية استثنائية، من الوضع في أوكرانيا والبحر الأسود، إلى التلويح التركي المتكرر بعدوان جديد على الأراضي السورية، وصولًا إلى المشهد المتحرك للعلاقات الثنائية بين كل دولتين من الدول الثلاث التي اجتمع زعماؤها في القمة..

وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري، لفت دنورة إلى أن الطرفين الروسي والايراني عمدا خلال هذه القمة الى ممارسة عوامل التأثير المكثفة على الجانب التركي بغية نزع فتيل العدوان التركي المرتقب، وبالمقابل تحويل هذا التهديد الى فرصة لتصل الأطراف الثلاثة الى أرضيّة مشتركة رافضة للاحتلال الأمريكي ورعايته للمشروع الانعزالي في الشمال الشرقي السوري.

وأشار دنورة إلى أن الايرانيين والروس الذين يدركون أن المقصد الانتخابي قد يكون واحداً من أهم أهداف اردوغان من خلال عدوانه المحتمل عملوا على توجيه رسائل الردع ورسائل الترغيب عبر تعزيز التشبيك الاقتصادي مع الجانب التركي. فأردوغان يريد أن يصيب عدة أهداف برمية واحدة، ويتعلق ذلك بموضوع اللاجئين السوريين، وبالفعل العسكري بحد ذاته كونه عمل سابقاً لمصلحة اردوغان كرافعة انتخابية، واظهار قدرته على التحرك ضد الأكراد رغم الدعم الأمريكي، وهو الأمر الذي يصب في خانة شعبيته لدى الناخب القومي التركي المتشدد لا سيما حليفه الأساس حزب الحركة القومية.

وبحسب المحلل السياسي وعضو الوفد الوطني السوري إلى اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف فإنه من الممكن القول مبدئيًا إن القمة نجحت أقله في إبعاد شبح المواجهة العسكرية عن الواجهة على المدى القريب في الحد الأدنى، لأن معادلة الكلفة - الفائدة بدت وكأنها قد اختلت في الحسابات التركية، لا سيما بعد الرسائل الواضحة التي وجهت من أعلى مستوى سياسي ايراني (ممثلاً بآية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي) حول خطورة أي عمل عسكري تركي حتى على تركيا ذاتها.

* النوايا التركية وتطور موقف قسد

وحول القدرة على تحويل نتائج القمة الثلاثية في طهران إلى واقع ملموس خصوصًا بعدما أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعقب انتهاء قمة طهران مباشرةً الحديث عن أن عملية غزو جيشه للشمال السوري لا تزال ضمن الأجندة التركية بانتظار ما سيتحقق على الأرض أشار دنورة إلى أن الأمر يتعلق بلا شك بصدق النوايا التركية، وهو أمر يصعب التعويل عليه استنادًا الى تجارب سابقة ولكنه يتعلق أيضًا بتحقيق خرق حقيقي على مستوى سحب الذريعة التركية المتمثلة بالمشروع الانعزالي "القسدي".
 
وبحسب دنورة يبدو أن "التسويات التركية - الامريكية حول ما يتعلق بتوسيع الناتو قد تكون أنجزت على حساب المظلة الاستراتيجية الأمريكية الحامية لتنظيم "قسد" وهو أمر لطالما نبهنا اليه من حيث كون اللاعب الاقل رسوخاً وتجذراً وقوة هو الاقرب لأن يتم التخلي عنه في زمن المقايضات والتسويات". ويمكن القول بناءً على معطيات ملحوظة أن هناك تطوراً ذا مغزى في موقف "قسد" وقادتها ازاء انتشار الجيش العربي السوري في العديد من المناطق التي تعتبر خطوط تماس في مواجهة التركي، ولكن ذلك لم ينضج على ما يبدو لحد الآن ليرقى الى مشهد حل على المستوى السياسي نتيجة محاولات التخريب الأمريكية.

وأشار دنورة الى أن "تفكيك المشروع التركي الاحتلالي - التوسعي - الداعم للارهاب على الارض السورية يبدأ من تفكيك المشروع - الذريعة المتمثل في النزعة الانعزالية - الانفصالية لـ"قسد".

وشدد دنورة على أن التركي مدعو اليوم لأن يعيد قراءة المشهد الذي يطفو على السطح في الشرق الأوسط منذ مطلع العقد الحالي، وأن يكف عن الاتكاء على سياساته المستهلكة خلال العقد المنصرم، والتي تأسست على أساس زلزال سوسيوبوليتيكي خطير أُطلق عليه "الربيع العربي"، مشيرًا إلى أن المرحلة الحالية تنذر بأن يكون التركي ذاته هو في صدارة من يدفعون الثمن في حال استمراره في مقارباته السابقة، أقله ضمن الظروف الانتخابية الحالية.

ولفت عضو الوفد الوطني السوري إلى مباحثات اللجنة الدستورية في جنيف في حديثه لموقعنا إلى أنه من المقروء جلياً أن التركي يحتاج الروسي والايراني، وكلاهما يحتاجان التركي ايضاً، ولذلك فإن التواجد عند حافة الهاوية أمر سلبي لجميع الأطراف، والبدائل الايجابية ليست غائبة اذا تم تكريس العمل الجماعي للدول الثلاث دون نكوص أو التفاف، مشيراً إلى أن أزمة السياسة الأمريكية على مستوى جمع وتوحيد وقيادة مواقف الحلفاء في المنطقة جعلت الامريكي - من حيث لم يقصد -  يصل الى حالة تعزيز الفراغ الذي تحدث عنه بايدن بدلاً من اعادة ملئه أمريكياً. وبنفس القدر تبدو روسيا وايران أكثر من هو مرشح لتعظيم دورهما الاقليمي واوراق قوتهما الشرق أوسطية على حساب الانكفاء الامريكي.

* دمشق الحاضر الغائب

وحول تأثير السياسة السورية على نتائج القمة الثلاثية في طهران، أشار دنورة في حديثه لموقعنا إلى أن حضور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد كان جوهرياً من حيث الموضوع الأساس على جدول أعمال القمة ألا وهو الموضوع السوري، مشيرًا إلى أن المقداد حمل معه الى طهران ثوابت موقف دمشق واعتباراتها السيادية والاستراتيجية، كما حزم في حقيبته قدراً من المرونة السياسية التي لا تتعارض مع تلك الثوابت، ولكنها كفيلة في الوقت ذاته بالاقتراب من احتمالات وصيغ الحل. فوجود المقداد وفق دنورة يعكس حضور سوريا سياسياً دون حضورها بروتوكولياً لأعمال القمة، حيث يبقى من غير المقبول سورياً المشاركة في اجتماعات سياسية على مستوى عالٍ مع دولة لا تزال تمارس ضد سوريا سياسات الاحتلال ودعم الارهاب.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل