خاص العهد
من العقاب الى التأهيل.. نقلة ثقافية نوعية في سجن حمص المركزي
محمد عيد
لم تعد سميرة تعاني من وحشة الفراغ ولا من سطوة الذاكرة التي حولتها إلى نزيلة سجن لا تملك إلا أن تتلو فعل الندامة بين جدرانه، بعدما زلت بها القدم يوما إلى مهاوي الجريمة، لكنها اليوم غيرها بالأمس، بعدما استهواها خطاب ثقافي نبع من داخل السجن نفسه حين حولته اتفاقية نوعية مبرمة بين وزيري الثقافة والداخلية إلى مركز ثقافي نقل هؤلاء السجناء إلى عوالم أخرى بعيدا عن جدران السجن الباردة.
حين يتحول السجن إلى مدرسة
يمسك نزلاء سجن حمص المركزي بالكتب، تتنوع عناوينها تبعا لميولهم، بعدما وجدوا من يناقشهم في محتواها ويحملهم على جناح الفكرة إلى تداعياتها المختلفة عليهم "جميل أن ننشغل بشيء مفيد بعدما كانت حياتنا مقتصرة على الأذية، أذية أنفسنا بالدرجة الأولى" يقول السجين خالد لموقع "العهد" الإخباري.
فكرة تحويل السجن إلى مركز ثقافي تعتبر سابقة في المنطقة بعمومها، كما أكد توفيق الإمام معاون وزير الثقافة السوري لموقع "العهد" الإخباري: "هذه ظاهرة تعتبر الأولى في هذا الشرق والهدف منها دمج هؤلاء النزلاء في الحياة الإجتماعية والثقافية وافتتحنا على هامش المركز الثقافي معرضا للأعمال اليدوية والفنون التشكيلية للأخوة النزلاء وسيتم افتتاح معاهد ثقافة شعبية وستقوم وزارة الثقافة بتعليم هؤلاء النزلاء على فن المسرح والرسم والرياضة وتعليم اللغات العربية والإنكليزية والروسية".
الوزير أكد أنه "سيتم نقل هذه المعروضات إلى المركز الثقافي العربي في حمص لإقامة معرض لهؤلاء النزلاء. من حقهم أن يشاهد الناس ما يقومون بعمله أثناء فترة وجودهم في هذا السجن".
العودة إلى مربع الإنسانية الأول
قائد شرطة حمص اللواء خالد الهلال أوضح لموقع "العهد" الإخباري أن هذه الخطوة تعتبر قفزة نوعية تخطوها وزارة الداخلية لتعميم الثقافة داخل السجون: "إدارة السجون تشجع كل السجناء الذين لديهم طموحات علمية وثقافية، ممن دعتهم الظروف لأن يكونوا داخل السجن، ونحن نسهل انتقال السجين إلى مراكز الامتحان وإلى الدور العلمية عندما يتطلب الأمر ذلك لنيل شهادة عليا في السجن وهذا يعتبر إنجازا بحد ذاته وتعميما لهذه الظاهرة الحضارية".
مدير سجن حمص المركزي العميد بلال سليمان تحدث لموقع "العهد" الإخباري عن وجود دورات كمبيوتر وخياطة ومحو أمية ونجارة وأعمال أخرى، وهناك "مكتبة تم رفدها بهذا العمل الرائع الذي يعتبر شعلة ومنارة وكان صداها رائعا من أجل إعادة تأهيل السجناء من أجل أن ينخرطوا مجددا في المجتمع".
حين يتحول السجين إلى واعظ
تحاول سميرة أن تجمع بين الفائدة المعنوية والمادية من خلال اشتراكها في المعرض ومواظبتها على متابعة الحلقات الثقافية التي يديرها ببراعة العاملون في وزارة الثقافة من زوار السجن: "هناك أعمال تشكل ابداعاً للفتيات وتساعد على التغيير، ينشغلن بأمور مهمة، في حال خرجت احداهن من السجن ستكون بيدها مصلحة تعيش منها ولا تسلك سبيل الضلال مجددا، كذلك المسرح يسعى للترويح عن النفس وتقديم رسالة هادفة".
في المقابل وعبر موقع "العهد" الإخباري، أرسل السجين محمود رسالة شكر إلى إدارة السجن: "نشكر إدارة السجن، تخرجنا من داخل السجن إلى واقع كنا نعيشه في الخارج. نحن نعيش كأسرة، ونصرف وقتنا في العمل بورشات إصلاح السيارات، وورشات الدهان، وورشات الخرز وغيرها الكثير والرسالة التي نود إيصالها هي أننا نتمنى على الموجودين خارج السجن ألا يخطئوا، لأننا نعشق الحرية ببساطة ولكن قدرنا ساقنا إلى هنا".
اللافت في الأمر أن هناك سجناء في مستوى معقول من التعليم، وعلى خلفية النقاشات الهادفة داخل السجن بدؤوا يعدون دراسات وأبحاثاً عن الجريمة والعقاب والقصاص والدوافع وغيرها من العناوين التي غابت يوما عن حياتهم ولم يجدوها للمفارقة إلا داخل غياهب السجن الذي تحوّل بقرار مسؤول إلى مدرسة.