خاص العهد
هل حقّقت الهجمات الأوكرانية المضادة على جبهتي خيرسون وخاركوف أهدافها؟
عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية
على مدى اكثر من أسبوعين تستمر القوات الأوكرانية بتنفيذ هجمات مضادة على جبهتي نيكولاييف ـ خيرسون في الجنوب وايزيوم ـ بالاكلايا في مقاطعة خاركوف، وفي حين ان القوات الأوكرانية لم تستطع حقيق أي تقدم على جبهة نيكولاييف ـ خيرسون استطاعت ان تحرز بعض التقدم على جبهة ايزيوم ـ بالاكلايا.
نفّذت القوات الأوكرانية الهجوم على بالاكلايا ـ ايزيوم من ثلاثة محاور بعديد بشري قوامه حوالي 30 الف جندي يقابلهم على بقعة انتشار الجيش الروسي حوالي 5 الاف جندي.
وعلى الرغم من الهجوم المضاد العنيف، كان الثمن الذي دفعته القوات الأوكرانية كبيراً جداً، في الوقت الذي كان القرار الروسي هو تنفيذ تدبير إعادة التموضع لمنع الإحتكاك المباشر مع القوات الأوكرانية التي تتفوق بـ 6 اضعاف في العديد البشري على الوحدات الروسية.
وفي محاولة منه لتأكيد استمرار ضخ الأسلحة لأوكرانيا كانت أوامر الرئيس الأوكراني فلاديميير زيلنسكي بضرورة تحقيق انتصارات ولو بنسبة ضعيفة، ولهذا السبب وبعد فشل الهجمات المتكررة على جبهات خيرسون وكريفوي روغ في جنوب أوكرانيا، بدأت القوات الأوكرانية بتنفيذ هجوم كبير على محور بالاكلايا ـ ايزيوم في منطقة تشكل عقدة تموضع ضعيفة للجيش الروسي.
الجيش الروسي استطاع تنظيم إعادة تموضع منظمة الى أماكن اكثر قوة خلف نهر سيفرسكي دونيتسك، وبدأ بتعزيز الجبهة بقوات إضافية لكن ذلك لا يعني أن اخفاقاً ميدانياً روسياً قد حصل وان نصراً اوكرانياً محدوداً قد تحقق.
وبما يرتبط بالنتائج، التقدم السريع لأوكرانيا في الشرق وضع القوات الروسية في موقف دفاعي، في حين أكدت وزارة الحرب الأميركية، يوم الخميس الفائت، أن أوكرانيا بدأت رسميا الهجوم المضاد الرئيسي الذي طال انتظاره، والذي نتج عنه تقدم على طول الخطوط الأمامية لأوكرانيا في الشمال.
ومن بروكسل، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن نشر موسكو تعزيزات، يظهر أن روسيا تدفع "ثمنا باهظا"، كما أعطى وزراء مال الاتحاد الأوروبي الـ27 الضوء الأخضر، الجمعة لتقديم مساعدات جديدة بقيمة خمسة مليارات يورو، لأوكرانيا في شكل قرض، من أجل مساعدتها على التعامل مع تداعيات الحرب.
ودفع التقدم الذي أحرزته أوكرانيا، روسيا لتسريع إرسال التعزيزات إلى خاركوف، وأثارت احتمالية حدوث أكبر انعكاسة لموسكو، منذ أن اضطرت إلى سحب قواتها من أنحاء العاصمة كييف.
ويبدو الهدف الغربي عموماً والأميركي خصوصاً عبر دفع القوات الأوكرانية لهذا النوع من الهجمات الذي يمكن تنفيذه لمرات محدودة، وعدم القدرة على الإستمرار به كنمط دائم هو الإيحاء بأن روسيا تخسر الحرب.
وفي هذا الجانب لا بد من استعراض اختصارات لعناوين سادت في الإعلام الغربي لمواكبة الهجمات الأوكرانية، حيث يتم الترويج بأن موسكو بدأت فعليا تخسر الحرب، إذ تشير التقارير أن روسيا بدأت فعليا بجلب معدات عسكرية من حلفائها (الصين وإيران وكوريا الشمالية)، من أجل مساعدتها في استكمال غزوها لأوكرانيا، خصوصا بعد أن تكبدت خسائر فادحة على المستوى البشري داخل وحداتها المقاتلة.
على المستوى العسكري تشكل المناطق التي انسحب منها الجيش الروسي نقاطاً هامة بما يرتبط بتطوير العمليات من اتجاه الشمال نحو سلافيانسك وكراماتورسك ما يصعب الأمر على الجيش الروسي مستقبلاً في التقدم على اتجاه واحد من الشرق نحو المدينتين.
وهنا لا بد من متابعة مراقبة الأوضاع بدقة حيث اعتقد ان القوات الأوكرانية ستنكفيء في تقدمها نحو الشمال للضغط وعدم عبور نهر سيفرسكي دونيتسك نحو الشرق والجنوب حتى لا تفقد قدرة تزويد قواتها بما يلزمها بشكل مرن.
بالمقابل سيشكّل هذا الإخفاق بالنسبة للجيش الروسي دافعاً نحو إعادة النظر في عديد القوات المنتشرة على الجبهات، والبدء برفع العديد بما يتناسب مع حجم القوات الأوكرانية الذي وصل الى حوالي 800 الف عنصر، ويتم العمل على ايصاله الى مليون عنصر لإحداث التفوق بالأفراد على التكتيك الروسي وهو الدمج بين أسلحة الدقة العالية والعدد المحدود من القوات.
وانطلاقا من هذا الأمر فإن أحد أهداف اميركا من هذه العمليات هو دفع الروس الى الدفع بعدد كبير من القوات واعتماد نمط الحرب الشاملة بدل نمط العملية الخاصة المحدودة، إضافة الى ان الضغط سيستمر في الأسابيع القادمة القادمة لإحراج الرئيس بوتين والقيادة الروسية امام الشعب الروسي.
ولهذا من المتوقع ان الجيش الروسي سيقوم بعملية تقييم شاملة لأنماط عمله، وسيتخذ خلال أسبوع الى أسبوعين على ابعد تقدير قرارات تتناسب مع الخطط والقدرات الأميركية التي يتم زجها في المواجهة، حيث بات مؤكداً ان أميركا وضعت كل ثقلها في التسليح والإستخبارات والإستطلاع التقني في هذه المواجهة، وفي معلومات مؤكدة ان حوالي 54 قمر صناعي وُضع بخدمة القوات الأوكرانية لمسح الأراضي وتحديد الثغرات والمساعدة برسم الخطط وما الى ذلك.
ختاماً: لا يمكن اعتبار ما حققته القوات الأوكرانية سوى انتصار تكتيكي محدود يمكن للجيش الروسي تجاوزه ببساطة واعتماد العديد من المناورات لتلافي تداعياته على البعدين العملياتي والاستراتيجي للمواجهة الدائرة في أوكرانيا.