خاص العهد
استفتاءات للانضام إلى روسيا وتعبئة جُزئية.. هل ينتقل الصراع إلى حرب شاملة؟
زكريا حجازي
تنتظر جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتا خيرسون وزاباروجيا الاستفتاء الشعبي حول الانضمام إلى روسيا، بين 23 و 27 أيلول/سبتمبر، في حين أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية في قوات احتياط جيش بلاده، وسط تصاعد التهديدات الغربية.
وأكَّد مدير المركز الثقافي العربي الروسي، الدكتور مسلم شعيتو، في حديثٍ لموقع "العهد الإخباري" حق سكان دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا، بالانضمام إلى روسيا، كونهم روس بالأصل ومدنهم روسية تم ضمها إلى أوكرانيا. مشددًا على أنَّ الخطأ الذي ارتُكب في خاركوف لن يتكرر وحكمًا روسيا ستعود إليها.
وقال الدكتور شعيتو إن مناطق لوغانس وغانس ودونباس وخاركوف ودونيتسيك التي تعتبر مستودع الفحم الحجري والمواد الأولية، وكذلك خيرسون ومنطقة أوديسا، وخاركوف وزاباروجيا، كلها مناطق روسية و80 في المئة من سكانها شعب روسي بامتياز.
وأوضح أنَّ هذه المناطق تم ضمها إلى أوكرانيا أيام الثورة الاشتراكية، ليكون في أوكرانيا يد عاملة عندما كانت تفتقر لليد العاملة، وألحقوها إداريًا بمنطقة سموها "أوكرانيا"، وظلت هذه مستمرة مع بقاء الاتحاد السوفياتي.
وأشار إلى أنَّ الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن تخلى للأوكرانيين عن القرم ودونباك، وأوديسا ودانسك وخاركوف على أساس أنهم شعب واحد، ولا مشكلة في ما بينهم، وحينها وجد الأميركيون والأوروبيون فرصةً هناك لتحريض سكان هذه المناطق ضد روسيا ونجحوا بتقليبهم على روسيا باستعمال وسائل التباعد الاجتماعي، وأقنعوا كل الشعب الموجود في أوكرانيا بأن روسيا عدوتهم، وأن مصالحهم مع أوروبا، وبإمكانهم العمل فيها.
وأضاف: "مع انتشار وسائل التواصل ونشوء جيلين، صار الأوكراني الذي هو روسي أصلًا يتصور نفسه فعلًا معادٍ للروس، وأن الروس هم أعداؤه، وحتى الكنيسة التي يجب أن تكون الأكثر وعيًا استطاعوا تقسيمها".
ولفت شعيتو إلى أنَّ هذه المناطق هي من أهم المناطق الصناعية والزراعية في أوكرانيا، وخاصة إذا تحدثنا عن خيرسون وامتدادها إلى دونيتسك عبر زابوروجيا، والتي تُعد الممر البري الوحيد المؤدي إلى القرم، ناهيك عن كون المنطقة الوحيدة التي تمد القرم بالمياه تمر عبر خيرسون.
وأكَّد أنَّ روسيا لا يمكنها التخلي عن هذه المناطق لأهميتها الاستراتيجية ولشعبها الذي هو روسي، وقال: "إن الخطأ الذي ارتُكب في خاركوف لا أعتقد بأنه سيتكرر في منطقة أخرى، وحكمًا روسيا ستعود إلى خاركوف، لأنها هي أيضًا مدينة روسية".
وتابع: "هذه مناطق استراتيجية من حيث الانتماء والقومية والديانة والاقتصاد والزراعة والصناعة والجغرافيا لكونها نقطة وصل بالقرم، ولكونها تؤمن الحماية من الأيادي المتطفلة من جهة البحر الأسود. بعدما خسر الروس علاقتهم مع رومانيا وبلغاريا عليهم ألا يسمحوا لأوكرانيا بالوصول إلى البحر الأسود".
واعتبر أنَّ هدف روسيا الأساسي من ضم هذه المناطق إليها، كان يجب أن يُنجز سنة 2014 عندما ضموا القرم. ولا غرو من أن الأمر كان سهلًا عليهم اقتصاديًا وعسكريًا وإنسانيًّا.
ورأى شعيتو خلال حديثه لـ"العهد" أنَّ "ضمَّ هذه المناطق إلى روسيا هو جزء من أهداف العملية العسكرية الروسية إلى جانب أهداف أخرى منها: ألَّا تكون أوكرانيا في حلف الناتو، وسحب كل المختبرات البيولوجية والكيميائية التي أنشأتها الولايات المتحدة في أوكرانيا وعددها 33 مختبرًا، وإزالة التمييز ضد روسيا من الدستور الأوكراني، وألا تمتلك أوكرانيا أسلحة دمار شامل، واستبدال السلطة الحالية بسلطة تكون بالحد الأدني محايدة ولا تؤيد الغرب ولا تعادي روسيا، وهذا الأخير مطلب روسي جديد".
وتطرق إلى ما كانت ترتكبه السلطات الأوكرانية بحق المناطق التي تسعى الآن للانضمام إلى روسيا، خلال السنوات الثمانية الأخيرة، والتي تسبَّبت بمقتل ما يقارب الـ 13 ألف شخص وممارسة التمييز العنصري، والإجراءات القاضية بمنع اللغة الروسية، ومنع التقاليد والقيم الروسية، ومن ثم تقسيم الكنيسة التي كانت تابعة لموسكو وإنشاء كنيسة أخرى كاثوليكية.
ولفت إلى أنَّ ضرب روسيا بقيَمها هو هدف استراتيجي يسعى له الغرب دائمًا، كما يسعى ويحاول أن يضرب الشرق في قيمه، وقد صل الأمر به في روسيا إلى حد التدخل العسكري.
وأكَّد شعيتو أنَّ كل ما حدث في أوكرانيا، وخاصة المعركة الأخيرة في خاركوف هي معركة ناتو بامتياز، معتبرًا أنَّ الجنود الأوكرانيين كانوا العناصر البشرية في هذه المعركة التي قتل فيها عدد ضخم جدًا منهم، وأدارها 150 جنرالًا وضابطًا من الحلف واستخدم فيها 270 قمرًا صناعيًّا عسكريًّا ومدنيًا للناتو، بالإضافة إلى عدد كبير من المرتزقة من كل الدول الأوروبية، ومنهم عدد من الدواعش ومن "إسرائيل" وغيرهم.
ومن هذا المنطلق، أعرب شعيتو عن اعتقاده بأنَّه، كان لا بد للرئيس الروسي بوتين أن يعيد النظر بالخطة العسكرية التي كانت تعتمد على ما يقارب الـ 100 ألف جندي، على جبهة طولها فوق الـ1000 كلم، وهو ما دعاه إلى إعلان التعبئة الجزئية واستدعاء 300 ألف من قوات الاحتياط.
ولفت إلى أنَّ الهجوم الأوكراني على خاركوف تم بأكثر من 40 ألف جندي مقابل 5 آلاف جندي روسي لم يتمكنوا بطبيعة الحال من الصمود أمام هذا الهجوم لفترة طويلة، في حين لا يمكن لروسيا قصف الجنود الأوكرانيين لكونهم أوكرانيين وليسوا قوات حلف الناتو، ولا يمكنها تدمير البنى التحتية والقرى التي كانوا موجودين فيها لأنها تعتبرها روسية، ولذلك اضطرت للانسحاب.
وبيَّن شعيتو جدية الرئيس الروسي بإعلان التعبئة الجزئية واستخدام الأسلحة الاستراتيجية "إذا ما صار أمن روسيا مهددًا". من دون أن يستبعد احتمال أن تتحول الحرب إلى حرب نووية، من عيار خفيف أو متوسط أو ثقيل، وصولًا إلى مستوى الدمار الشمال.
وأشار الخبير بالشؤون الروسية إلى ما يكرره الرئيس بوتين بين الفينة والأخرى: "لا عالم بدون روسيا" ويقصد بالعالم هنا "الغرب" و"ما معنى العالم إذا لم تكن روسيا موجودة؟" وهو بذلك يقصد أنه إذا تعرضت روسيا إلى التجزئة أو التدمير كما فعلوا بالاتحاد السوفياتي، فيجب تدمير كل الغرب، معتبرًا أن الروس تحدثوا بصراحة عندما أكدوا أن ردهم لن يكون على أوكرانيا وإنما على مراكز القرار في برلين ولندن ونيويورك، في حال تطور الأمر باتجاه أكثر سلبية وأصبحت روسيا مهددة.
وحول إعلان الرئيس بوتين التعبئة الجزئية، رأى أن روسيا تريد من خلال هذا الإجراء توجيه رسالة واضحة إلى الناتو ودول البلطيق القريبة جدًا من المدن الروسية الأساسية، بأنها لن تترك أمنها بالطريقة التي تُرك فيها أيام يلتسِن، وقال: "يجب أن يتخوف الغرب لأن إعلان روسيا الحرب لن يكون سهلًا عليهم".
واعتبر الدكتور شعيتو أنَّ الاشتباك بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم كراباخ، في هذه الفترة كان موجهًا ضد روسيا، حيث أقدم الجيش الأذربيجاني على عمليته العسكرية ضد أرمينيا بطلب من المخابرات البريطانية والصهيونية والتركية.
ورأى أنَّ الاشتباك الذي وقع بين قرغيزستان وطاجيكستان أثناء مؤتمر "شانغهاي" الذي عقد في أوزباكستان كان ردة فعل على حدث مهم تمثل بهذا المؤتمر الذي بدأت فيه دول كبرى مثل الصين والهند وروسيا وإيران وجماعة "شانغهاي" البحث عن تشكيل عالم جديد لا يتحكم فيه الأميركيون، مشيرًا إلى أنَّ هذه المعركة السياسية والعسكرية ستستمر طويلًا.
وأوضح أنَّ الأميركيين هم المستفيدون من أزمة الغاز الناشئة عن الحرب في أوكرانيا، لافتًا إلى أنَّ الأوروبيين كانوا يحصلون على الغاز الروسي بأسعار زهيدة جدًا بسعر 300 دولار لكل 1000 متر مكعب، والآن باتوا يشترونه من أميركا أو مما يصادره الأميركيون من مناطق أخرى بسعر 3 آلاف دولار، إضافة إلى أن أميركا تبيع لهم الأسلحة، ما يعني أن هناك مصلحة أميركية باستمرار الحرب في أوكرانيا حتى تستمر ببيع الغاز للأوروبيين.
وختم الدكتور شعيتو قائلًا: "الأميركيون يريدون تدمير الاقتصاد الأوروبي وتحويله إلى اقتصاد مستهلك، كل ذلك ضمن خطة أميركية لتدمير أوروبا بأسلحة أوروبية وبيد أوروبية كما تحاول الآن أن تدمر روسيا بيد روسية لأن الأوكرانيين هم روس".