معركة أولي البأس

خاص العهد

في لبنان.."الحق في السكن" مهدّد
19/10/2022

في لبنان.."الحق في السكن" مهدّد

إيمان مصطفى 

تجهد مهى (اسم مستعار) بالبحث عن شقة سكنية مقبولة في بيروت وضواحيها ببدل إيجار معقول يتواءم مع راتبها. كل محاولاتها بإقناع مالك الشقة التي تقطن فيها حاليًا بتخفيض بدل الإيجار -الذي وصل إلى 500 $- فشلت! زميلتها في العمل تشكو الحال نفسه؛ في حين يطالبها مالك الشقة برفع بدل الإيجار وفرضه بـ "الدولار الفريش" قبل انتهاء العقد! وقس على ذلك من أزمات الإيجارات التي لا تنتهي مع أغلب المواطنين اللبنانيين. 

وفي رحاب هذا الواقع المأساوي، يبرز الكثير من الأسئلة على رأسها: "إلى أين تذهب الطبقة الفقيرة فيما رواتبها لا تساوي نصف بدل إيجار شقة في مناطق شعبية؟". للأسف "لا شقق للإيجار بمبلغ أدنى من 9 ملايين ليرة للشقة في أكثر الأحياء شعبية". أما الشقق المقبولة نسبيًا فيتراوح بدل تأجيرها بين 300 و400 دولار، أي بنسبة تتراوح ما بين 12 مليون ليرة لبنانية و16 مليون ليرة اذا ما احتسبنا سعر صرف الدولار في السوق السوداء بـ 40 ألف ليرة، ما يعني فعليًا أنّ بدلات إيجار الشقق ارتفعت تدريجيًا دون حسيب أو رقيب، وباتت تتخطّى الحد الأدنى للأجور بأشواط. 

نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين وليد موسى يقول لـ "العهد": "إن تكاليف الإيجارات أخذت مسارًا تصاعديًا، وارتفعت ارتفاعًا جنونيًا، في حين أصبح غالبية المالكين يحددون البدل بـ"الفريش دولار" للحفاظ على قيمته، مع الغلاء الفاحش ومصاريف الحياة المتعبة. ومع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء واستفحال الأزمة اللبنانية برزت مشكلة تمثّلت بمطالبة المالكين بزيادة الايجارات على المستأجرين".

يقارب موسى المعضلة بين حق المالك من جهة ومراعاة حق المستأجر وظروفه من جهة أخرى، ويشدد على أن المستأجرين باتوا الفئة الاجتماعية الأكثر هشاشة من ناحية ضمان السكن واستدامته، لا سيّما بسبب عدم وجود مؤشر رسمي لبدلات الإيجار. 

موسى يقر أن ثمة مشكلة كبيرة، اذ إن أسعار الإيجارات الجديدة و"المدولرة" لا تتلاقى مع رواتب المواطنين المتدنية، موضحًا أنه "في العقود المبرمة سابقًا كان المستأجر يلجأ الى دفع بدل الإيجار بالدولار، إما بموجب شيك أو بالعملة الوطنية بسعر الصرف المحدد من قبل مصرف لبنان أي 1500 ليرة لبنانية، أمّا الآن ومع سلسلة الانهيارات والتضخم الكبير الحاصل وغياب القروض المدعومة من المصارف، بات لزامًا عليه الدفع بـ "الدولار الفريش"!".  

أزمة الإيجارات السكنية وغيرها تحتاج الى حلٍّ سريع، بحسب موسى، لناحية تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر. و"لا يجب أن ننسى أنّ المالكين يعانون أساسًا من الإجحاف في الإيجارات القديمة إذ لا يزال لدينا منازل بدل إيجارها لا يتجاوز الـ 100 دولار سنويًا، وهذا المبلغ زهيد جدًا"، بحسب موسى. 

والحل وفقًا لنقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين هو بإنشاء وزارة للإسكان -خصوصًا في ظل غياب السياسة الإسكانية الشاملة - تنظم العلاقة غير المتوازنة بين المالك والمستأجر، وتضع خططًا سكانية، تلحظ التفاوت بين المناطق، وتحدّد الأسعار بشكل مدروس يراعي الطرفين، أملًا بأن تتابع الحكومات الجديدة هذا الموضوع الملحّ لأن من حق كل مواطن أن يؤمن حياة كريمة لعائلته في منزل مستقر.

هل يحق للمالك فرض دفع الإيجار بالدولار أو رفعه خلال سير العقد؟

بناء على ما تقدم، يوضح الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين لـ "العهد" بعض القوانين التي تحكم المالك والمستأجر، ويقول: "إذا كان العقد مبرمًا على سنة، يستطيع المستأجر الزام المالك بالتمديد لغاية الـ 3 سنوات، أما بدل الإيجار، فإنه يخضع للتفاوض بين الطرفين عند توقيع العقد". 

وعن مطالبة المالك بتسديد بدل الإيجار بالدولار الأميركي، يقول يمين: "إن عملة الإيفاء بالأساس هي الليرة اللبنانية، ولكن نظرًا للظرف المالي الاستثنائي في البلد والتدهور المتصاعد لقيمة العملة الوطنية حدث انقسام بالاجتهاد القضائي حول مدى قانونية وإلزامية اشتراط إيفاء بدل الإيجار بالدولار الأميركي"، مؤكدًا أنه ليس من موقف واضح وحاسم بعد بهذا الخصوص.

اذًا، هل يحق للمالك رفع بدل الإيجار قبل انتهاء المدة؟ يجيب يمين بالنفي، ويؤكد أنه اذا كان هناك عقد مبرم بين الطرفين، فعلى مالك السكن أن يلتزم به حتى تاريخ انتهاء صلاحيته، عندها يحق له تجديد العقد ومطالبة المستأجر بزيادة بدل الإيجار تماشيًا مع الأوضاع الراهنة، لكن لا يمكنه أن يرفع البدل ويجبر المستأجر على دفعه خلال فترة سير العقد، فالمبلغ المحدّد يكون ملزمًا للجانبين، الا إذا تضمّن العقد بندًا يقضي بارتفاع الإيجار تصاعديًا خلال المدة المحددة. وهنا ينصح يمين المستأجرين بقراءة العقد جيدًا، قبل التوقيع.

إقرأ المزيد في: خاص العهد