خاص العهد
فسيفساء رومانية في الرستن السورية.. الاكثر ندرة في العالم
دمشق ـ محمد عيد
أعلنت وزارة الثقافة السورية اكتشاف لوحة فسيفسائية أثرية نادرة في مدينة الرستن السورية التابعة لمحافظة حمص وسط سورية، تحتوي على مشاهد لما يعرف بـ "حرب الأمازونات"، والمميز في هذه اللوحة أنه لا يوجد مثيل لها في العالم من حيث الحجم وغنى المضمون وهي تعود للعصر الروماني، ولم يصبها الكثير من الأذى رغم الزمن الذي مر عليها، والتبدلات المناخية، والطمر، بالاضافة إلى وجود المجموعات المسلحة في المكان وحفرها الأنفاق حول البناء الذي تقع اللوحة أسفله.
متابعة فورية
في تصريح خاص بموقع "العهد" الإخباري أكد مدير آثار حمص حسام حاميش أنه تم تكليفهم من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف بالكشف على اللوحة، والتي تم التنقيب عنها بشكل أصولي ومنهجي، حيث تم التوجه إلى الموقع، وبعد الكشف العيني على اللوحة تبين أنها تعاني من بعض المشاكل، منها فقدان بعض المكعبات وتلف أجزاء من المكعبات التي تشكل جزءا أساسيا من المشهد الاسطوري، إضافة إلى بعض الشقوق التي ظهرت على سطح اللوحة فضلاً عن مشكلة الانتفاخ، فتم التعاطي مع اللوحة بشكل منهجي علمي متبع عالمياً، وتم إجراء تدعيم اسعافي للأماكن الأكثر تضرراً وخطورة باستخدام "المونة"(مواد الترميم) التقليدية المستخدمة عالمياً.
واضاف مدير آثار حمص في حديثه لموقعنا بأن "الرستن، أريتوزو، ربة الينبوع، ربة المياه"، في الأسطورة الإغريقية هي مدينة سلوقية ـ نظرية تحتاج إلى مزيد من الدراسات ـ تحتوي على العديد من المواقع الأثرية، حيث تم إكتشاف مجموعة من "اللقى" أثرية ذات صفة نادرة، ومنها تابوت الرستن، وهو التابوت الرخامي المحفوظ في متحف دمشق، إضافة إلى لوحة فسيفساء أخرى موجودة في متحف حمص، وتعتبر من اللوحات ذات القيمة الفنية والجمالية العالية، تم استخدام تقنية الرصف بالمكعبات الزجاجية في الأرضيات وهذا شيء ذو أهمية بالغة على المستوى الدولي حيث لا بد أن تصبح هذه اللوحة قبلة المتاحف وعلماء الآثار العالميين.
مضامين رائعة
مدير التنقيب والدراسات الأثرية في المديرية العامة للآثار والمتاحف همام محمد أكد في تصريح خاص بموقع " العهد" الإخباري أن "الجميع الآن أمام اكتشاف مهم ونادر على مستوى العالم، والمتمثل في اكتشاف لوحة فسيفساء من العصر الروماني مؤرخة على القرن الرابع الميلادي، وتكمن أهمية هذه اللوحة بأن المشهد الممثل عليها غير موجود بهذا الشكل المتكامل، لدينا نماذج بسيطة عن "حرب الأمازونات"، لكن هذه اللوحة هي مشهد كامل عن هذه الحرب، وتمثل في منتصفها البطل آخيل مع ملكة الأمازونات في اللحظة التي قتلها فيها أثناء حرب طروادة قبل أن يقع في حبهاـ وفي الطرف الآخر هركليز مع ملكة الأمازونات عندما طلب منه أن يقوم بالعمل التاسع حيث أن الأعمال التي يقوم بها هركليز وهي أعمال أسطورية وخارقة كانت ١٢ عملا ـ بحسب الأسطورة ـ فهذا العمل هو التاسع عندما طلب منه أن يأخذ الزنار السحري لملكة الأمازونات وقتلها في تلك الفترة".
وأشار محمد في حديثه لموقعنا بأن "هذا هو المرسوم على الإطار المنتظم (المربع)، أما الإطار الدائري الثاني فهو يمثل الأمازونات مع اسمائهم وكذلك ملوك اليونان مع حربهم ضد ملوك طروادة وعندما اتحد ملوك اليونان ضد الطرواديين، وبالتالي نشاهد تسميات كل من اليونانيين والأمازونات في نموذج فريد مع تفاصيل دقيقة جداً حتى السلاح والأحصنة وكل التفاصيل المتعلقة بالشخصيات".
وأضاف مدير التنقيب والدراسات الأثرية أن "الإطار الثالث للوحة هو في زوايا اللوحة حيث نشاهد تمثيلاً لآلهة الرياح الشمالية والجنوبية باتجاه عقارب الساعة، وهذه الآلهة معروفة في الأساطير وتشير إلى الإنقلاب الصيفي والخريفي والشتوي مع تمثيل فصول العام إلى جانبها، وهذا المشهد الأسطوري نشاهد في جانبه مشهداً اسطوريا آخر يمثل "الاله زيزون" مع زوجته في المنتصف وحوله الحوريات بشكل منتظم أيضاً، وهذا النموذج لـ "زيزون" هو معروف ويوجد نماذج عنه، بينما مشهد حركة الأمازونات هو شكل غير معروف على مستوى العالم".
ويتابع مدير التنقيب والدراسات الشرح فيقول: "إن اللوحة هي جزء من مبنى مهم جداً ونحن لم نقم بتنقيب وكشف كامل المبنى، بل قمنا بتنقيب مساحة بناء تم شراؤه في العام ٢٠١٨ بالتعاون مع متحف نابو في لبنان ونقل ملكيته للمديرية العامة للآثار والمتاحف حيث قمنا بهدم البيت وإجراء عملية التنقيب ضمن هذا الجزء الذي تبلغ مساحته حوالي ٢٠٠ متر مربع".
وحول أبعاد ومقاسات اللوحة يؤكد محمد أن "لوحة الفسيفساء طولها حوالي ٢٠ متراً وعرضها ٦ أمتار وهي الجزء المكتشف حتى الآن، أي أننا لا نعلم حدود هذه اللوحة حتى الآن، كونها ممتدة أسفل الشارع واسفل البيت المجاور، وبالتالي لا يمكن أن نطلق أحكاماً نهائية في الوقت الحاضر إلى حين انتهاء أعمال التنقيب ومعرفة ما سيتم الكشف عنه، لدينا عناصر معمارية مهمة، لدينا بوابات وجدران ولدينا أيضا بقايا رسوم جدارية".
إكتشاف نادر
وأشار مدير التنقيب والدراسات الأثرية إلى الدور التخريبي للمجموعات الإرهابية المسلحة: "للأسف هناك تخريب حصل من قبل المسلحين عند ما كانوا في مدينة الرستن ونشاهد مجموعة من الأنفاق حول هذه اللوحة وحول البناء بشكل كامل".
مضيفاً بأن "الإكتشاف نادر على مستوى العالم نتيجة لهذا المشهد الأسطوري، "الاسطورة معروفة بالالياذة تحدث عنها هوميروس عندما أتى إلى حرب الأمازونات مع الطرواديين، وبالتالي لا يوجد لدينا مشهد كامل يمثل هذه الأسطورة إلا في هذه المنطقة، منطقة الرستن حتى الآن لدينا نماذج بسيطة ظهرت في مناطق تركية، وظهرت في قبرص، وهي عبارة عن اجزاء بسيطة أطلق عليها لوحة الفسيفساء، ولاجزاء تمثل حرب الأمازونات، لكن لدينا الآن مشهد كامل لهذه الحرب مع ما ذكر مع الأسطورة مع الاسماء".
ولفت محمد إلى الأهمية الأخرى للاكتشاف في الرستن المذكورة في القرن الرابع في المصادر"مملكة اريتوزا"، وهذه المملكة معروفة جدا ومذكورة في المصادر لكن لم يكن هناك أعمال تنقيب لكون المدينة مسكونة ومأهولة والمدينة الأساسية تكمن في قلب المدينة الحالية حيث جرت بعض الاكتشافات عن طريق الصدفة، كما هو الحال في تابوت الرستن المحفوظ في المتحف الوطني في دمشق، وهذا التابوت له أهمية كبرى، أما بقية الأعمال فلا يوجد معلومات عن بقية المملكة، وبالتالي ضمن إطار الإمبراطورية الرومانية في تلك الفترة يوجد ممالك مثل افاميا القريبة، ولدينا فكر فلسفي ممثل على اللوحة، أي أن الفكر السوري في تلك الفترة لاسيما مع ظهور الافلاطونية الحديثة في مدينة افاميا يشير إلى وجود أدباء ومفكرين عالميين أنتجوا هذا الفن، وهذا الابداع وربطوه مع الفكر الفلسفي الذي كان سائدا في تلك المنطقة".