خاص العهد
التعليم العربي مقابل التطبيع: المهمّة ليست مستحيلة
لطيفة الحسيني
لا ينفصل التطبيع الرسمي الجاري بين أكثر من دولة عربية وخليجية مع العدو الصهيوني عن تسرّب مفردات الخيانة الى المناهج التربوية. الخطر محدق بالأجيال الناشئة والوعي يفرض التحرّك من أجل وضع حدّ لمحاولات تزوير المفاهيم القومية لدى أطفال الأمة.
العمل التربوي القومي واجب
في اليوم العالمي للتضامن مع فلسطين وعلى بعد أيام قليلة من يوم المعلم العربي لمقاومة التطبيع مع العدو، الحديث عن ضرورة التصدّي لمشاريع تغلغل مفردات الصهاينة الى الطلاب والتلامذة في المدارس العربية بات لزامًا.
رئيس رابطة بيت المقدس لطلبة فلسطين في لبنان خالد بديوي يعزو التقاعس الجاري على صعيد الدول العربية حيال قضية المسلمين الأولى الى التغييب المقصود لفلسطين عن كلّ المناهج العربية والإسلامية باستثناء دول الممانعة، فيما تحضر مفردات العدو في كتبٍ عربية معتمدة في الدول المطبّعة كالإمارات.
بديوي وفي مقابلة مع موقع "العهد" الإخباري، يؤكد ضرورة إيلاء المناهج التربوية العربية التي تُدرّس للطلاب فلسطين أهمية كبيرة لما لها من قيمة للعرب وللمسلمين طبقًا لكلام الله في كتابه الكريم "سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" (الآية 1 من سورة الإسراء).
وحتى يكون معشر الأساتذة على مستوى المواجهة، يرى بديوي أن على "المعلّم العربي والإسلامي أن يكون على دراية كاملة بما يحصل من حولنا ولا سيّما المربّين الجدد الذين يجب أن يكونوا قادرين على تقديم فلسطين للجيل الناشئ وتبيان من هو العدو".
ويُشير الى وجوب أن "يبدأ العمل التربوي القومي من الصفوف الابتدائية وليس الانتظار الى الصفوف العليا، لتشكيل وعي لأبنائنا بأن هذه هي فلسطين المغتصبة وأن هناك احتلالًا اسرائيليًا لها وهذه الأرض للعرب والمسلمين، وتحريرها يحتاج الى مقوّمات الأمة العربية والاسلامية"، واصفًا البرامج التعليمية التي تتناول التطبيع بـ"الضعيفة جدًا" وفي بعض الدول بـ"غير الموجودة أصلًا"، ويُشدّد على أن "المطلوب مناهج مبسّطة لإيصال الفكرة الى الجيل والطلاب الصغار".
ويخلص الى أن وضع المعلّمين العرب مُكبّل بسبب الأنظمة وما ترسمه من خطط وسياسات، فهم ليسوا قادرين على القيام بشيء، ولهذا يقعون بين ناريْن بين مقاومة التطبيع وأضراره ومخاطره، وبين ملاحقتهم أمنيًا.
لصناعة عربية - إسلامية خالية من أيّة مصطلحات تطبيعية
بالنسبة لمسؤول العلاقات العامة في منتدى المعلمين الفلسطينيين في لبنان سامر عنبر، ما هو مطروح اليوم حول تطوير المناهج بمعنى تزويرها مفروض من الخارج ولا ينبع من الذات ومن عقيدتنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا.
يقول عنبر لـ"العهد" إن "هناك دواعيَ متعددة لتطوير المناهج الحالية بالعالم الإسلامي خصوصًا لجهة عدم توجيه المناهج الحالية في بعض الأقطار الإسلامية توجيهًا إسلاميًا، والقصور التربوي عامّة والمناهج الدراسية خاصة، وعدم قدرة المناهج الحالية على الإسهام الفعال في توجيه التغير الاجتماعي، إضافة الى عجز المناهج الحالية عن ملاحقة التطور في الفكر التربوي والنفسي وتطبيقاتهما".
وبناءً على عجز المناهج الحالية عن الإسهام الفعّال في حلّ مشكلات المجتمع، يدعو عنبر إلى تطوير المناهج والعمل على إزالة معوّقات تطوير المناهج لناحية صناعة عربية - إسلامية خالية من أيّة مصطلحات تطبيعية مع الكيان المحتل.
ويحذّر عنبر من أن "التطبيع هو الركن الأساس للسيطرة الإسرائيلية، إذ يجعل منه الكيان الصهيوني أهمّ أركان استراتيجيته التي ينتزع بواسطتها مصالحه بالتدرّج، وهو من أخطر المعارك بالنسبة لنا نحن العرب، لأنه تهديد استراتيجي هدفه تصفية القضية الفلسطينية، وتفكيك الدول والبلدان العربية على أسس قبلية وطائفية وإثنية، ليصبح الكيان المركز وأقوى قوّة إقليمية، وعبره يروم التأسيس لمرحلة الحصول على الشرعية والاعتراف بالرواية الصهيونية، وزرعها في عقول الشباب العربي، باختراق الجانب المعنوي والنفسي وضرب مناعتهما عن طريق التطبيع التربوي والثقافي - وجوهره تشكيل القيم بالمفهوم الصهيوني، وغايته أنسنة الكيان الغاصب، وإخضاع العقل العربي للاستسلام- بنزع الأمل منه وفرض حقيقته عليه، كما جاء في ورقة التطبيع الثقافي والإعلامي"، مشيرًا الى أن هذا المشروع يقوم على "خلق صورة ذهنية لكيان متطوّر تقنيًا وعلميًا وديموقراطيًا كما يروّج لها إعلاميًّا في حاضرنا اليوم".
وبتقدير عنبر، احتلال القلوب والعقول أقوى وأصعب من احتلال المواقع الاستراتيجية، وإذا نجح العدو في إخراج فلسطين -القضية المركزية- من ذاكرة العرب فلا عروبة، أمّا إذا نجح التطبيع فهذا يعني تطويعًا وتتبيعًا وهزيمة واستسلاما، وعندها على الأمة السلام.
ماذا عن وضع المدارس اليوم؟ يُبيّن عنبر أنها على "شفا حفرة يُخشى أن نقع فيها، إذ إن المدارس اليوم ليس لها مرجعية واحدة تهتمّ ببرامجها ومنهاجها، ولا سيّما الخاصة منها التي تتمحور مناهجها حول السياسة التي تتبعها إدارة أو مرجعية المدرسة".
ما الحلّ اذًا؟ يرى عنبر أن علينا أن "نعمّم تاريخ وجغرافيا فلسطين على أوسع نطاق ممكن لنقف في وجه موجة التطبيع التي تجرف الاخضر واليابس"، ويحثّ على "زيادة الوعي الثقافي والتاريخي لدى المعلم الذي يعلّم الطلاب، بحيث تكون عنده خلفية المقاومة ضد كل ما هو داعم للكيان بجميع أنواعه ومنها التطبيع من خلال المناهج الدراسية الجديدة التي يسعى لها هذا الكيان".
كذلك يلفت عنبر الى "أهمية إطلاق حملات التوعية على كل صعيد وخصوصًا في المدارس من المراحل التعليمية الأولى للطلاب، لنزرع فيهم الوعي الثقافي والتاريخي والحضاري والفَهم لكل ما يجري من حولنا، حتى لا نقع في منزلقات خطيرة يريد هذا الكيان جرّنا إليها".