معركة أولي البأس

خاص العهد

أنقرة تغازل دمشق وتدق طبول الحرب.. و"قسد" تجترّ أخطاء الماضي
30/11/2022

أنقرة تغازل دمشق وتدق طبول الحرب.. و"قسد" تجترّ أخطاء الماضي

محمد عيد

تحاول أنقرة أن تبقي على كل الأوراق التي بيدها فيما يخص الملف السوري. فالحديث عن الشيء ونقيضه بات سمة السياسة التركية التي ترسل الرسائل إلى دمشق مبدية استعدادها لتطبيع العلاقات وإنجاز تفاهمات ثنائية فيما تواصل القوات التركية الاستعدادات لشن عدوان عسكري جديد على الأراضي السورية مهدت له بالقصف الجوي.
 
أما "قسد" المعنية مباشرة بهجوم الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له على معاقلها في الشمال فعادت إلى استعطاف الجيش السوري للتدخل دون أن ترضخ، وبالاعتماد على موقف أمريكي ــ لم يتجاوز استنكار العدوان التركي ــ لشرط دمشق المسبق بتسليم الشريط الحدودي للحكومة السورية الشرعية.

اقتراع بدماء السوريين

تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام بالعثور على جميع المتورطين في تفجير شارع الاستقلال في اسطنبول ومحاسبتهم، مؤكداً أن بلاده "ستهاجم كل المناطق التي يقطن فيها الإرهابيون داخل تركيا وخارجها". وأكد أردوغان أن الجيش التركي سيعمل على تطهير منطقتي منبج وعين العرب وغيرهما من المناطق زاعمًا أن الهدف هو إرساء الأمن والاستقرار في تركيا ودول الجوار.

المحلل السياسي والاستراتيجي وعضو الوفد السوري إلى مباحثات جنيف الدكتور أسامة دنورة اعتبر أن "عمليتي التفجير في تقسيم ومرسين ترتبطان مباشرة بالحسابات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية وللرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصيًا، وهي التي استوجبت ولدواع انتخابية صرفة التصعيد الأخير في الشمال السوري".

وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري، أشار دنورة إلى أن أردوغان يحاول استعادة سيناريوهات الماضي القريب، فعشية كل انتخابات كان الاحتلال البري التركي للأراضي السوري يمنح الرئيس التركي وحزبه أفضلية انتخابية بعد اللعب على الهاجس الأمني التركي تجاه تنظيم (PKK) الذي يشكل استهدافه رافعة انتخابية لحزب العدالة والتنمية الطامع أساساً بالاراضي السورية، فضلاً عن كونه يضمن تأييد أوساط القوميين الأتراك الذين يمثلهم حزب "الحركة القومية" الحليف الرئيس لأردوغان.
 
ورأى المحلل السياسي أن عمليات التفجير في الداخل التركي توفر حالة من أجواء الطوارئ الوطنية والأمنية التي تطلق يد أردوغان في التعامل بالشكل الأمني الذي يريده داخليًا كما تطلق لسانه بتخوين كل من يتساءل عن أسباب مغامراته العسكرية في سوريا وغيرها وخصوصاً أنصار حزب "الشعوب الديموقراطي المعارض".

أسباب دون التطبيع

وحول إطلاق أردوغان وبقية المسؤولين الأتراك للعديد من التصريحات التي تعلن رغبتها في تطبيع العلاقات مع دمشق، وعلى أعلى مستوى، وحديث مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا الكسندر لافرنتييف عن أن بلاده تتلقى إشارات من أنقرة ودمشق بشأن استعدادها لاتخاذ خطوات تجاه بعضهما البعض وهو الأمر الذي تأمله موسكو، شدد عضو الوفد السوري لمباحثات جنيف أن هذا السياق لم يتبلور بعد في إطار تفاهمات علنية يمكن الاستناد اليها في رسم مسار الأحداث في المستقبل القريب، كما أنه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأنه أنتج تفاهمات سرية ولو في الحدود الضيقة للاتفاق، مشيراً إلى أن كل ما صدر في هذا السياق لا يتعدى تصريحات تركية تعلن رغبتها أو عدم ممانعتها في تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، دون أن تصل هذه التصريحات إلى حد "إعلان النوايا" على الأقل فيما يخص تفكيك الفصائل الإرهابية التي تدعمها تركيا أو الشروع في عملية انسحاب جيش الاحتلال التركي من الأراضي السورية، وهما المطلبان اللذان تشدد عليهما دمشق قبل الشروع في أية عملية تطبيع مع أنقرة.

ولفت دنورة إلى أن التطبيع مع دمشق بات حاجة تركية على المدى البعيد ولم يعد مجرد حاجة انتخابية بعدما أثبتت القيادة السورية قدرتها العظيمة على الثبات وبدا الجيش السوري قادراً على تحرير كل الأراضي التي سيطر عليها الإرهاب، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من ذلك فإن أردوغان وحزبه يعتمدان سياسة الحفاظ على أكبر قدر من المكاسب في ظل إصرار دمشق على عدم التفريط بأي من حقوقها الوطنية والحفاظ على ترابها.

وحول المدى الذي يمكن أن تصل إليه عملية "المخلب ــ السيف" حسب التسمية التركية للعدوان وإمكانية تطورها إلى غزو بري جديد، أشار دنورة في حديثه لـ"العهد" الى أن هذا الأمر غير مستبعد بشكل كلي لا سيما وأن أردوغان قال إنه سيطهر منطقتي منبج وعين العرب، ولكن مع ذلك فإن  العملية غير مضمونة النتائج على المستوى العسكري حيث يمكن أن يخضع جيش الاحتلال التركي لعملية استنزاف وعلى المستوى السياسي يمكن أن تؤزم علاقات أنقرة مع كل من واشنطن وموسكو ما قد ينعكس سلبا على النقاط التفضيلية الانتخابية التي يدبر أردوغان كل هذا التدبير لأجلها.

"قسد" والمراوغة ذاتها

وفيما يرتبط بعلاقة "قسد" مع دمشق على ضوء التهديدات التركية بشن عدوان جديد أكد دنورة أن "قوات سوريا الديمقراطية ـ قسد" ترتكب الأخطاء نفسها عشية كل غزو تركي للأراضي السورية، فهي تستصرخ دمشق للتدخل مراهنة في الوقت نفسه على تضييع الوقت لحين تبلور موقف أمريكي داعم ومناقض للخروج التركي عن النص.

وأشار المحلل السياسي والاستراتيجي إلى أن اجتماع قائد القوات الروسية في سورية بقائد "قسد" مظلوم عبدي والذي جاء بناء على طلب من عبدي نفسه لم يحمل أي جديد فالجنرال الروسي حمل معه ثوابت دمشق وعرضها على "قسد"، وهي إخلاء الشريط الحدودي بعمق ٣٠ كم وتسليمه للجيش السوري بما يبطل حجة أنقرة لتبرير الغزو، لكن ردود "قسد" لم تتجاوز الكلام الدبلوماسي الداعي إلى الحوار مع الحكومة السورية من دون تقديم أية تنازلات أو حتى ضمانات، وهو الأمر الذي ستتعامل معه دمشق "بمسؤولية وطنية"  بعيداً عن الوعود الكاذبة المراهنة على التدخل الأمريكي.

قسد

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل