معركة أولي البأس

خاص العهد

 العارجون من اليم: قصة العيون التي كسرت المخرز
12/12/2022

 العارجون من اليم: قصة العيون التي كسرت المخرز

يوسف الشيخ

لم يكن العميد بحري أفرايم بن شوشان قائد سلاح البحرية الصهيوني بين عامي 1985 و1989 يعلم وهو يدلف إلى مقر عام أركان الجيش في الكيرياه غروب يوم الخميس 10-12-1987 وهو الضابط  الأعلى المناوب تلك الليلة في جيش العدو، أنها ستكون أصعب وأقسى ليلة في حياته العسكرية. فهذا الضابط ذاو الأصول التركية المولود عام 1940 والذي يحمل إجازة الماجستير في العلوم الاستراتيجية ويعتبر أحد أبطال سلاح البحر في جيش العدو ممن شاركوا في عملية شيربورغ الشهيرة والتي قام فيها سلاح البحرية الصهيوني عام 1969 بالتعاون مع ثلاثة من أجهزة مخابراته بتهريب 5 سفن من طراز "ساعر 3" من أحد الموانئ الفرنسية  بتواطؤ من أركان الدولة الفرنسية العميقة الذين اعترضوا على قراري الجنرال شارل ديغول وجورج بومبيدو بفرض حظر على تسليح كيان العدو بعد قيام مجموعة من وحدة كوماندوس البحرية الصهيونية شييطت 13 بقيادة رفائيل إيتان (الذي أصبح لاحقاً رئيس أركان جيش العدو خلال اجتياح لبنان عام 1982) بتنفيذ الهجوم ليلة 28-12-1968 على مطار بيروت الدولي، وتفجير 13 طائرة لشركة طيران الشرق الأوسط كانت جاثمة على أرضه بذريعة ردع منظمة التحرير الفلسطينية، التي نفذت إحدى مجموعاتها عملية اختطاف لطائرة صهيونية تابعة لشركة "ال عال" لمبادلة ركابها بمئات الأسرى العرب والفلسطينيين في سجون العدو.

 

 العارجون من اليم: قصة العيون التي كسرت المخرز
 العميد بحري أفرايم بن شوشان قائد سلاح البحرية الصهيوني بين عامي 1985 و1989 الأول على اليمين خلال مراسم تأبينية في 3-1- 1988 في مقبرة قتلى البحرية في مقبرة جبل " هرتزل"

تسبب الهجوم على مطار بيروت في العام 1968 بنقمة عالمية ضد العدو، وأدانه مجلس الأمن الدولي بقرار صدر للمرة الأولى والأخيرة، واضطرت الولايات المتحدة التي كانت تمتلك حصة بنسبة 58 % من الطائرات المستهدفة إلى التصويت بالموافقة على القرار 262 الصادر في 31-12-1968 بإجماع الأعضاء الـ 15.

إذاً تسبب القرار بفرض حظر فرنسي على تسليح العدو الذي كان ينتظر تسلم 7 فرقاطات من نوع "ساعر 3"، وقبيل أيام من سريان قرار الحظر نفذت بحرية واستخبارات العدو عملية أسمتها " الأوراق المتساقطة Falling Leaves"  لسرقة خمسة من هذه الفرقاطات من ميناء شيربورغ الشهير من بينها فرقاطة ستحفر ليلة 10-12-1987 أي بعد 18 سنة من عملية شيربورغ عميقاً في وعي العدو وفي ذاكرة بن شوشان الذي أتى إلى قيادة البحرية من قيادة سفن الصواريخ التي يضم سربها رقم 914 في ميناء "الشيطيت 3" بالخضيرة (حيفا)  الفرقاطة ساعر 3 المسروقة من فرنسا  والمسماة "السيف - INS Herev" .

ففي الساعة 22:10 من ليلة الخميس 10-12-1987 أبلغ بين شوشان من قيادة مقر عام البحرية الكائن في نفس المبنى في الكيرياه بأنه تم فقدان الاتصال بالفرقاطة "ساعر 3" المسماة بـ" INS Herev  " وأن سفينة أخرى من نوع "ساعر 2" تطلق نداء استغاثة من المياه الاقليمية اللبنانية مقابل الشاطئ بين الصرفند وصور. لم يدر بن شوشان وهو يسابق الأدراج في الطوابق الأربعة أو الخمسة نزولاً في مبنى الكيرياه كيف سيتصرف مع هذه المصيبة فهو أوعز لضابط الاتصال في غرفة عمليات الاركان بابلاغ كل من يجب ابلاغه من القيادات العسكرية والسياسية والأمنية. ولدى وصوله إلى باب مقر عام البحرية وجد بانتظاره الضابط المسؤول في المقر العقيد البحري دايفيد بن بعشات ينتظره مؤدياً التحية وموجزاً في نفس الوقت بإحاطة سريعة عن الموقف. وللمفارقة فإن بن بعشات الذي يصغر بن شوشان والذي كان قائداً للبحرية الصهيونية خلال عدوان الـ 33 يوماً على لبنان سيعايش بعد 19 سنة نفس الموقف في عين التوقيت في 14-7-2006 عندما ألقى سماحة السيد حسن نصر الله عصا رجال الله في بحر بيروت مخرجاً سلاح البحرية الصهيونية من الخدمة الفعلية بجملة واحدة " "الآن في عرض البحر، في مقابل بيروت، البارجة الحربية العسكرية الإسرائيلية التي اعتدت على بنيتنا التحتية وعلى بيوت الناس وعلى المدنيين، انظروا إليها تحترق، وستغرق ومعها عشرات الجنود الإسرائيليين الصهاينة".

* ماذا حصل ليلة الخميس- الجمعة تلك بعد الساعة 21:45 ليل 10-12-1987؟

بعد انسحاب العدو من جزء كبير من جنوب لبنان والبقاع الغربي  في شباط/ فبراير 1985 نتيجة لضربات المقاومين من جميع الانتماءات وبعد خروج حزب الله إلى العلن في 16 شباط/ فبراير 1985 بإعلانه عن هويته وميثاقه ورسالته المفتوحة إلى العالم، كانت تنتظر المقاومة الاسلامية مهمة شاقة فهي التي قاومت العدو منذ اللحظات الأولى في صيدا والنبطية وخلدة واستمرت تلاحقه بالعمليات النوعية والاستشهادية بين عامي 1982 و 1985، بالقدر المتيسر من الموارد المادية والبشرية وبعزيمة لا تلين ولا تتوقف عن البذل واجتراح القوة من الضعف. وغدت بعد الانسحاب الصهيوني عام 1985 أمام مسؤولية تزخيم وتوسيع الجسم المقاوم ليتابع المسؤولية الملقاة على كاهله بتحرير الأرض كل الأرض، فكان القرار بتنظيم وتوسيع وهيكلة الجسم المقاوم بما يتناسب مع الواجب الجهادي الذي فرضته ظروف الانسحاب الصهيوني وتحرير مساحات واسعة من الاراضي اللبنانية المحتلة.

أجرت قياده المقاومة الاسلامية عملية تقييم شاملة للسنوات الثلاثة الماضية (1982-1985) كما أجرت عملية تقدير واستشراف للاحتياجات القادمة وما يتطلبه استكمال تحرير الأرض بالاستناد إلى قاعدة معلومات أولية دقيقة، فوجدت أن الانسحاب أنتج عدداً من الأمور الايجابية الواجب الاستفادة منها أهمها اتساع رقعة الجغرافيا التي يمكن العمل فيها بحرّية دون ضغط ومراقبة من الاحتلال، فضلاً عن أنها فتحت حيزاً واسعاً لعمليات التجنيد والاستقطاب وتوسيع هامش الخيارات لبناء الجسم المقاوم من أبناء المناطق المحررة، كما أن بعض المسؤوليات العملياتية قد توسعت حيث أصبح جزء كبير من ساحل الجنوب اللبناني محرراً، وعليه يجب مواكبة هذا التغير التعبوي (العملياتي) بما يلائمه حيث إن القوة ذات الاختصاص البحري أصبحت بحاجة إلى زيادة وإدخال اختصاصات جديدة في مجال العمل البحري تلائم المتطلبات الميدانية، فجرى إقرار بناء قسم متكامل للاختصاص البحري والاسراع في رفده بالموارد المناسبة بشرياً ومادياً من عتاد وسلاح وإمكانيات مناسبة للاختصاصات الجديدة.

وضعت العقيدة القتالية لهذا القسم (الذي بقي سرياً حتى يومنا هذا) وفق الفلسفة العسكرية التالية:

بناء قوة بحرية للمقاومة الاسلامية تلعب دورًا حاسمًا في الاستجابة غير المتكافئة بشكل عام، وتحقق المبادئ التالية:

1. الاستجابة لجوهر وفلسفة مدرسة الحرب الجهادية البحرية غير المتكافئة وتطويرها لتحقيق الرؤى الاستراتيجية والمفاهيم العملياتية للمقاومة الاسلامية.

2. تعظيم ثقافة الاستشهاد، ودورها كمضاعف للقوة في الحرب غير المتكافئة.

3. المحافظة على خصوصية التنظيم العسكري البحري مزدوج الاتجاه [القدرات التقليدية وغير التقليدية] مع التركيز على الطبيعة غير التقليدية لطرائق القتال.

4. تطوير القدرات البحرية الراهنة، مع التركيز على طبيعتها غير التقليدية وهيكلها وطريقة تدريبها وتكتيكاتها.

5. وضع السيناريوهات المحتملة على المستوى الاستراتيجي والعملياتي لاستخدام القوة البحرية في مسرح العمليات الممتد على طول المدى البحري اللبناني في  الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط  مما يؤمن حماية السواحل اللبنانية من استباحة واختراقات العدو.
 
6. تحقيق أفضل الشروط للتطوير وبناء الخبرات وفق تحليل الدروس المستفادة للاستفادة منها لتحقيق أعلى وأفضل أداء ممكن.

7. المساهمة في تحرير ما تبقى من أراض لبنانية محتلة وفق مداومة العمل في مجال الاختصاص.
وخلال فترة قياسية تم استكمال بناء القوة البحرية للمقاومة الاسلامية بما يلزمها من موارد بشرية ومادية وبأعلى درجات الكفاءة والتجهيز المطلوبة.

مع تكثيف العمل ضد فلول الاحتلال في مناطق النبطية والأوسط بين ربيع 1985 وصيف 1986 وضعت المقاومة الاسلامية خطة من عدة مراحل لتنفيذ سلسلة من العمليات النوعية ضد مواقع العدو الذي تحصن في لسان جبلي يمتد من تخوم البقاع الغربي الجنوبية إلى حدود جزين مستخدماً الخنجر الجغرافي للاعتداء على الاهالي في صيدا والنبطية والبقاع الغربي وتزامن ذلك مع قيام بحرية العدو باستباحة الشواطئ اللبنانية الممتدة من مقابل بلدة الناعمة جنوب بيروت إلى مقابل الحدود الجنوبية لمدينة صور، وعرض الصيادين والسفن التجارية التي كانت تنقل  البضائع والمواد الغذائية من وإلى مينائي صيدا وصور للخطر ولم يكد يحل خريف العام 1986 حتى أصبحت مرافئ الجنوب البحرية خاضعة لشبه حصار من البحرية الصهيونية فيما كانت الاستنسابية الصهيونية تتحكم بنشاط الصيد البحري في كل المياه الاقليمية اللبنانية.

وكان العدو قد استفاد منذ العام 1978 من تحكم جماعة "القوات اللبنانية" بعدد من موانئ المنطقة الشرقية ليبني لها قوة بحرية من 5 زوارق دورية من نوع "دبور"، وبعد العام 1985 تم توجيهها كلها لمراقبة أي نشاط بحري يرتبط بحزب الله، من مرفأ بيروت إلى مقابل منطقة البربارة جنوب مدينة طرابلس اللبنانية، حيث تجاوزت "القوات اللبنانية" في تشرين ثاني 1987 المهمة الموكلة إليها من العدو واعتقلت الجامعي أحمد طالب (الذي سلمته عام 1990 للعدو ليقضي في معتقلاته 10 سنوات).

درست قيادة المقاومة الاسلامية وضعية العدو بعد انسحابه وتقوقعه في أقل من 1100 كيلومتر من شريط حدودي ضيق مع لسان من المرتفعات يصل حتى جزين فتقرر منعه من العمل بحرّية في ذلك العارض الحساس المهم الذي يفصل الجنوب عن البقاع الغربي ويؤمن لجيش العدو وعملائه رؤية وإشرافاً على كامل المنطقة التي انسحب منها عام 1985. وتقرر تنفيذ عملية مزلزلة لا يمكن أن ترد على خاطر العدو. اقترح الأخوة في الوحدة البحرية في المقاومة الاسلامية أن تأتي الضربة في البحر فيما اقترح الأخوة في الوحدة البرية للمقاومة أن تنقذ سلسلة عمليات اقتحام نوعية للحصون المنيعة العالية في كامل الشريط الجبلي الحاجز بين الجنوب والبقاع الغربي فتمت الموافقة على الطلبين.

كانت المهمة التي ستنفذها الوحدة البحرية تتطلب عملاً "استشهادياً" فتفاوت القوى بين المقاومة والعدو الذي يمتلك أقوى قوة بحرية في شرقي المتوسط بأفضلية 85 سفينة وطراداً وزورق صواريخ وغواصات مدعومة بأقوى سلاح جو في المنطقة تفرض على قسم تخطيط العمليات في الوحدة البحرية اختيار الهدف الذي يتوافق مع العقيدة القتالية البحرية للمقاومة الاسلامية. فتم انتخاب عدة أهداف وبدأت عمليات الرصد والاستطلاع المكثف لدراسة هذه الأهداف واستعدادها وجاهزيتها وتولى فريق من قسم العمليات عملية انتخاب العناصر المناسبة لهذه المهمة وأخضع كل الأخوة في الوحدة البحرية لسلسلة من الاختبارات التي كانت ستعطي الجواب.

كان بين أيدي هذه اللجنة عدد كبير من الملفات واستدعي أعضاؤها للخضوع لدورات تأهيل تتراوح مدتها بين 3 و6 أشهر حتى يكون جميع المنتخبين تحت مجهر الملاحظة والمراقبة. وقد وضعت اللجنة معايير لانتخاب المنفذين ففوجئت بنجاح معظم أصحاب الملفات المرشحة، واعتمدت معايير أكثر دقة وأشد صرامة لا يمكن الافصاح عنها. برز 6 من الأفراد الذين يمتلكون جميع المواصفات المطلوبة معنوياً وفنياً ويتمتعون بالمهارات المطلوبة فضلاً عن أن معظمهم من أصغرهم سناً الشهيد حسين محمود كزما إلى أكبرهم الشهيد عبد الرحمن حوماني كانوا يتمتعون باللياقات القيادية الميدانية.

كان الستة المنتخبون ممن شاركوا في العمليات وأتموا مراحل التدريب بتفوق ويتمتعون بروحيات عالية فضلاً عن أنهم جميعاً من أهل القيام بالليل.

قبيل العملية

بتاريخ 25-11-1987 وقبل 16 عشر يوماً من العملية البحرية في 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 1987، وفي تمام الساعة العاشرة والنصف مساء من يوم الأربعاء أقلعَ سرب من الطيران الشراعي الفلسطيني من مطارهِ السري الكامن في مكان ما من لبنان باتجاه فلسطين المحتلة.

 العارجون من اليم: قصة العيون التي كسرت المخرز

* الطيران الشراعي الفلسطيني

كان توقيت العملية توقيتاً صحيحاً يعبّر عن فهم استراتيجي عميق للمرحلة السياسية والظروف الراهنة (آنذاك) فقد تم اختيار الوقت المناسب لقلب دفة الصراع مع العدو الصهيوني، حيث المناخ العام لتلكَ المرحلة كان يشير إلى اليأس والإحباط والقنوط والتآمر الذي كانَت ولا زالت منظومة جامعة الدول العربية تشارك فيه، حيث كانت قمة عربية في عمان الأردن من أولوياتها بند رئيسي هو مناقشة حل الكونفيدرالية الاردنية الفلسطينية، وهو حل كان سيؤدي حتماً إلى تصفية المقاومة الفلسطينية وإضاعة ثلاثة أرباع فلسطين.

قام تشكيل الشهيد طيار ملازم "أبو عمار أدهم" باقتحام معسكر قيادة المنطقة الشمالية للجيش الصهيوني في فلسطين المحتلة، المعروف بمعسكر (غيبور) أو ما يطلق عليه معسكر (الأبطال) من لواء غولاني، وهم من أكثر جنود وقوات وضباط الكيان الصهيوني تدريباً وتسليحاً وكفاءةً وخبرة.

هبط التشكيل في مكانين متفرقين، الأول كان الشهيد الحلبي السوري خالد أكر قائد العملية الذي هبط في مدرج طيران قديم قريب من هدفه.

وفي الوقت المحدد بدأ الشهيد أكر بالاقتحام، برمي المعسكر بالقنابل على المهاجع والخيم، وقد فوجئ الضباط والجنود وأذهلوا وأفزعتهم المفاجأة خاصة بعدما بدأ الشهيد أكر بإطلاق النار عليهم. ولم يستطع العدو أن يتبادل النيران قبل مضي 15 دقيقة من بداية المعركة، حيث كان الدمار قد حاق بأكثر من مكان في المعسكر وعدد القتلى والجرحى قد ملأ أرض المعسكر وأمام بواباتهِ. استمرت المعركة ما يقارب الـ 90 دقيقة استشهد خلالها الرفيق الحلبي البطل خالد محمد أكر قائد التشكيل المقاتل.

استنجد العدو كعادتهِ بقوات من خارج المعسكر وغطت سماء المعركة طائرات مروحية وقذائف الإنارة والإضاءة.

أما الطائرة الشراعية الثانية التي كان يقودها الشهيد المقاوم التونسي ميلود ناجح بن نومه فقد اضطرت للهبوط نتيجة لخلل فني فوق مرتفعات (حلتا) في الجنوب اللبناني وقام الشهيد ميلود بالاشتباك مع قوات العدو الصهيوني لإكمال المعركة موقعاً في صفوفهم عدداً من القتلى والجرحى وبقى يقاوم إلى أن نال الشهادة في صباح 26- 11- 1987 م.

هذه العملية بقوتها ونتائجها بمواجهة عجز العدو وتآمر الأنظمة العربية على المقاومة والحق الفلسطيني كانت الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الفلسطينية الأولى "انتفاضة الحجارة" في 3-12-1987.

نتيجة لقوة وزخم العملية ونتائجها الكارثية على العدو، حاول الاحتلال الصهيوني أن ينفث غضبه في لبنان وأخذ يعربد في البر والجو والبحر على طول المنطقة الممتدة من جنوبي بيروت حتى حدود المناطق المحتلة، وصارت الدوريات البحرية التي تقترب كثيراً من الساحل اللبناني تستهدف الآمنين في بيوتهم حيث سقط العديد من الشهداء والشهيدات.

* قرار المقاومة: المرحلة الأخيرة من عمليات "رسول الله"

فكان قرار المقاومة بالرد والبدء بالمرحلة الأخيرة من عمليات "رسول الله (ص)" على أن يكون رداً يردع العدو عن غيه ويرسل إلى المنتفضين الفلسطينيين إشارة مزلزلة بأن المقاومة الاسلامية معكم وإلى جانبكم. نتيجة للاعتداءات البحرية الصهيونية المتكررة صار العدو يتخذ شكل الروتين في عملياته البحرية في المياه الاقليمية اللبنانية وبعد دراسة مستفيضة للميدان وللروتين الصهيوني ونقاط القوة والضعف المحتملة تقرر استهداف العدو في اي منطقة مقابل الساحل الممتد من الصرفند إلى معركة، حيث إن العدو كان يتحرك بشكل مطمئن داخل المياه الاقليمية اللبنانية ويصل في بعض الأحيان إلى مسافة لا تبعد أكثر من 800 متر من الشاطئ.

*  تفاصيل العملية

ولم ترضَ قيادة المقاومة بتنفيذ عمل ضد هدف بحري صغير، بل قررت أن توجه صاعقة للعدو في ليلة باردة، ويكون القمر فيها في ربعه الأخير، ومن حيث لم يحتسب العدو. تحركت عند الساعة 21:45 العاشرة إلا ربع ليلاً مجموعتان من الكومندوس البحري التابع للمقاومة الاسلامية باتجاه دورية بحرية صهيونية تضم سفينة صواريخ من طراز "ساعر 3" وتدعى "حيريف ـ السيف" وسفينة صواريخ مرافقة من نوع "ساعر 2" مكلفة بحراسة السفينة ساعر 3 التي يبلغ طولها 49 متراً وعليها عدة أنواع من الذخائر (صواريخ سطح ـ بحر وسطح ـ بر + عدة ألغام بحرية) تكفي في حال انفجرت لمسح السفينة من الوجود. كانت نقطة الضعف الرئيسية التي تسمح للأخوة المجاهدين بالاقتراب والالتحام بالسفينة هي نظام الكشافات، لأن أجهزة الحرب الالكترونية المضادة عليها في ذلك الوقت لم تكن تستطيع أن ترصد هدفاً صغيراً قليل البصمة بحجم المجموعتين المقاومتين وكان أحد عيوب "ساعر 3" ــ التي سحبت تقريباً الآن من الخدمة ولم يبق منها إلا عدد قليل ــ أن غرفة القيادة الرئيسية كانت على السطح قريبة من منطقة الكشافات.

وبنداء "يا رسول الله (ص)" قام الشهيد محمود بغدادي باستهداف منطقة الكشافات فأصيبت من القذيفة الأولى إصابة مباشرة تسببت بمقتل الضابط المسؤول عن الكشافات برتبة ملازم أول ومساعده. ما إن أطفئت الكشافات حتى بدأ الشهيدان السيد هاشم فخر الدين وعبد الرحمن حوماني بتوجيه صلياتهما نحو البارجة، وتمكّنا خلال فترة وجيزة من اطلاق 5 قذائف على السفينة التي انفجر سطحها واندلعت النيران فيه في هذا الوقت اقتربت السفينة المرافقة من طراز "ساعر 2" وحاولت التدخل في الاشتباك فتدخلت المجموعة الثانية، وخلال نصف ساعة اشتبك معها مجاهدو مجموعة التعزيز، ورموا كل ذخيرتهم عليها. وفي الوقت الذي تدخل زورق ثالث هو زورق دورية من طراز "دبور" من العدم، كانت السفينة الأولى "ساعر 3" تنفجر بشكل مدو مطلقة كتلة من اللهب واختفت عن الأنظار فيما انسحبت باخرة "ساعر 2" بعيداً واستمرت بإطلاق القذائف والرمايات الغزيرة بمعاونة الديفور حتى انتهى الاشتباك باستشهاد كامل أفراد المجموعة المقاومة، فيما تأكد أن الزورق "ساعر 3" الذي اختفى يحمل على متنه 35 فرداً منهم القتيلان المؤكدان الملازم أول ومساعده.

 

إقرأ المزيد في: خاص العهد