خاص العهد
الجزيرة العربية: من أرض الرسول (ص) الى مسرحٍ للانفلات التامّ
لطيفة الحسيني
أرضُ الرسول (ص) اليوم لا تُشبه نفسها في أيّ من الأزمنة الماضية. قد تكون الجزيرة العربية في أكثر المراحل بُعدًا عن الإسلام وقيَمِه. في عهدِ سلمان وابنه، الحرمان الشريفان في خطر. كلّ المؤسسات الإسلامية في العالم لا تُحرّك ساكنًا طالما أن إدارتها ومرجعيّتها يحتكرها آل سعود، فكيف سيعْدل هؤلاء عن تشويههم للدين؟
حفلاتٌ موسيقية صاخبة يومية، انفلاتٌ أخلاقي وسلوكيّ مُتمادٍ، رقصٌ وفجورٌ في الشوارع والأماكن العامة، انتشارٌ لظواهرَ شاذّة عن كلّ المجتمعات الإسلامية والأعراف العربية. وضعٌ كارثيٌّ لبلدٍ نزلت فيه آيات الرحمة على النبي (ص).
إزاء كلّ التشويه الحاصل للمفاهيم الإسلامية، يرى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود أن "على العلماء أن يُبلّغوا على الرغم من تأثير الإعلام السعودي والإماراتي والقطري، خاصة أن رابطة العالم الإسلامي مشلولة تمامًا ولا تفعل شيئًا إلّا بأمر من النظام الحاكم في الجزيرة العربية".
يصف الشيخ حمود الوضع في المملكة بأنه "معضلة حقيقية"، ويُرجع ذلك الى "أننا أمام رجل لديه أفكار سيّئة، (في إشارة الى وليّ العهد محمد بن سلمان) ما أدّى الى حصولِ انحرافٍ كبيرٍ في السلوكات واختلاط واسع، مقابل الحدّ من سلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل مطلق، وصولًا الى بناء مدينة نيوم المرتقبة لتُنافس أبو ظبي ودبي بالفساد".
الشيخ حمود تحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن الدرْك الذي وصل إليه حال الجزيرة العربية في ظلّ إطلاق ابن سلمان ورشة الفوضى الدينية والأخلاقية العارمة في المملكة، وكان هذا الحوار.
* في البداية، نرى أن هناك تغييرًا كبيرًا يحصل في الجزيرة العربية، الى حدّ يمكن تسميته انقلابًا تامًا على كلّ الضوابط الإسلامية في أرضِ الحرميْن الشريفيْن، كيف تُقاربون كلّ ذلك؟
يجب أن نفهم أولًا كيف أُنشِئت الدولة السعودية، والمُرتكزات التي بُنيت عليها والمفاهيم التي نشرتها. فكرة محمد بن عبد الوهاب الذي أتى آخر القرن الـ18، وأسّس الدولة الأولى بالتوافق مع محمد بن سعود، كانت تقوم على القسوة وقتل الآخرين والاحتكار الفكري والثقافي. لم تُعمّر كثيرًا، الى أن أتى محمد علي باشا بأمرٍ من السلطان العثماني وأنهى هذه الدولة. بعد ذلك، قامت الدولة السعودية الثانية التي سُرعان ما تفكّكت جرّاء الخلافات الداخلية. الدولة الثالثة سنة 1930 أسّسها الملك عبد العزيز بن سعود بالتزامن مع ظهور النفط الذي كانت تستخرجه الدولة الأجنبية، الأمر الذي أدّى الى بروز النفوذ الأمريكي في هذه الحقبة (الثلاثينيات). الوهابيون هنا اخترعوا فكرة يحاربها الإسلاميون نظريًا فصل الدين عن الدولة، مع إعطاء وليّ الأمر أي الحاكم أن يفعل ما يشاء وعلى المواطن المؤمن أن يُطيع فقط بناءً على أحاديث نبوية مُفسّرة ومُحرّفة على طريقتهم الخاصة.
أعضاء هيئة البيعة في خدمة عائلة عبد العزيز بن سعود حتى لو لم يكونوا راضين. اليوم عندما جاء دور سلمان بن عبد العزيز جاء بابنه محمد وهو لديه رؤية خاصة تقوم على أن يلتحق بركب الحضارة الغربية، لكن ما جرى في الحقيقة أنه اعتبر أن التفلّت من القيود الدينية يُساعد على التطوّر، لكن هذا الفهم الخاطئ كان يمكن أن يُخفّف من الاجتهادات الوهابية التي تُقيّد المرأة دون أن يصل الى مرحلة الانفلات الأخلاقي. في هذا الموضوع، لدى محمد بن سلمان رأي سيّئ جدًا ومُنحرف جدًا. هنا نتذكّر فتاوى تحريم قيادة المرأة للسيارة تحت حجج واهية، وكيف أتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الى الرياض عام 2017 وأعقب زيارته إعلان مباشر بحليّة القيادة بذريعة عدم وجود دليل على حرمة قيادة المرأة. هذا يُشير الى أن الفتاوى غبّ الطلب حسب ما يريد الأمير.
نحن أمام معضلة حقيقية، وأمام رجل لديه أفكار سيّئة، ما أدّى الى حصول انحرافٍ كبير في السلوكات وحفلات غنائية واختلاطٍ واسع، مقابل الحدّ من سلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل مطلق، وصولًا الى بناء مدينة "نيوم" المرتقبة لتُنافس أبو ظبي ودبي بالفساد.
* من موقعكم، كيف يمكن أن يوضع حدٌّ لهذا التعرّض لمعايير الإسلام؟
علينا أن نتكلّم. صوتُنا أمام الإعلام السعودي والإماراتي والقطري أضعف بكثير، لكن بالاستناد الى تاريخ الاسلام والعلماء علينا أن نبلّغ والباقي على الله.
* كيف تُقيّمون أداء رابطة العالم الإسلامي إزاء ما يحصل في الجزيرة العربية؟
رابطة العالم الإسلامي مشلولة وهي تتحرّك بناء على أوامر، فهي جزء من الدولة. حاولتُ في الثمانينيات مُحاورة رئيسها عبد الله ناصيف في أحد المؤتمرات التي كانت منعقدة في ألمانيا، وراسلتُه حول عمل الرابطة في ذلك الوقت وتقاعسها عن المنكرات وفلسطين والعدوان العراقي على إيران، لكنه لم يُجِب.
رئيس الرابطة اليوم محمد العيسى أسوأ من غيره. وأتصوّر أنه يزايد على الملك وولي العهد، ويأخذ مقاولة على حسابه، كما أنه يريد أن يصل الى شيءٍ أكثر من غيره علّه يحصل على حظوة، وهذا مؤلم وخطأ.
* كيف تُعلّقون أو تُفسّرون مُشاهدة تسلّل شخصيات يهودية الى داخل المملكة، وبعضهم رُصد داخل المسجد النبوي الشريف؟
يمكن أن يكونوا قد تسلّلوا بجوازات سفر لا تُبيّن هويتهم الحقيقية، لكن الى الآن النقطة الأخيرة أي التطبيع لم يحصل ويبدو أنه لن يتمّ بانتظار شيء ما. قد يحسبُ النظام حسابَ ردودِ الفعل العربية والفلسطينية والدليل تصرّفاته في المنطقة وفي لبنان بخاصة، حيث حظر تيار المستقبل وأقصى رئيسه سعد الحريري. وهذا يُشير الى أن الموقف اللبناني يؤثّر عليه والدليل هذه الحدّة التي يتصرّف بها تجاه الحريري.
* نلاحظ دائمًا أن فلسطين غائبة عن خطبة الحرم المكي ولا سيّما معاناة الدول الإسلامية، كيف تنظرون الى هذه المسألة؟
الأمر ليس بهذه البساطة. عندما يخرج خطيب المسجد الحرام في مكة عبد الرحمن السديس ببيتِ شعر مشهور لأبي تمام ويغيّره ليُسقطه على العدوان السعودي على اليمن فهذا دعمٌ صريحٌ للحرب، وحتى الداعية محمد العريفي الذي ظهر في صور وكأنه يطلق صواريخ على اليمن كذلك يدعمها. هؤلاء سائرون بما يقوله وليّ الأمر على علّاته، وبأن هذه الحرب هي من أجل الوقوف بوجه الكفر وتحريف العقيدة، ويصعب أن يدخل أحد معهم في نقاش، عقولٌ مُغلقة.
أمّا فلسطين، فأحيانًا يصل الأمر ببعض علماء الدين في المملكة أن يقولوا أن المسلمين غير الوهابيين ليسوا بمسلمين بل أشاعرة، وبالتالي لماذا يجب أن ندعمهم؟ في بداية الثورة الفلسطينية، تذرّعوا بموضوع أنها يسارية ولا يجب دعمها. فلسطين بالنسبة لهؤلاء قرار ملكي. اذا وردت فلسطين في أدبيّاتهم، فهم يحرصون على ترداد "فلسطين عاصمتها القدس الشرقية"، ما يعني التزامًا كاملًا بالقرارات الدولية.
* كيف ترون مستقبل المملكة؟ هل تعتقدون بأن التطبيع حتمي؟
أتوقع أن تحصل مفاجآت إيجابية وليست سلبية وكلّ ما يفعله ابن سلمان يذهب هباءً. ليس بالضرورة أن يذهب تطوّر الأمور باتجاه واحد.
تصوير: موسى الحسيني
محمد بن سلمانالشيخ ماهر حمودالإسلام