معركة أولي البأس

خاص العهد

هل يُشرّع استخدام "الاحتياطي الإلزامي" بعد انتهاء ولاية سلامة؟
19/07/2023

هل يُشرّع استخدام "الاحتياطي الإلزامي" بعد انتهاء ولاية سلامة؟

يوسف جابر

هي أيامٌ تفصلنا عن انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. أيام يبحث خلالها نواب الحاكم الأربعة الاستحصال من السلطة السياسية على تشريعات من مجلس النواب لـ"تسهيل" مهمتهم في الحاكمية. تشريعات تبدو بمثابة من يطالب بـ"إعفاء مسبق" في حال أخفق في إنجاز مهامه وفق ما يقول أهل العلم والاختصاص الذين يسألون عن تحركات النواب الأربعة خلال السنوات الثلاث الماضية. 

أمس الثلاثاء انعقدت لجنة الإدارة والعدل النيابية بحضور نواب الحاكم؛ وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر موراديان. النواب الأربعة طالبوا بمواكبة تشريعية لإجراءات ضرورية للبدء "في معالجة الأزمة"، كما أعربوا عن نواياهم تجاه وقف الإنفاق مما يسمّونه الاحتياطات الإلزامية، إلا إذا قرّرت الحكومة ومجلس النواب ذلك أي إلا إذا صدر قانون يتيح لهم ذلك.

يشوعي: حاكم المصرف لم يلتزم بالاحتياطي الإلزامي

وحول هذا الموضوع، أكَّد الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي خلال حديثه لموقع "العهد" الإخباري أنَّ "حاكم المصرف لم يلتزم بالاحتياطي الإلزامي بل تخطاه كثيرًا"، مشيرًا إلى أنَّ "الاحتياطي الإلزامي هو النسبة الإجبارية التي يحددها البنك المركزي من ودائع العملاء لدى كل بنك، ومن الناحية الاقتصادية هو نسبة 25% على الودائع بالليرة اللبنانية، و15% على الودائع بالدولار، وقد تخطى الحاكم هذه النسبة بأضعاف حيث وصلت ودائع البنوك لديه الى 90 مليار دولار، بينما الاحتياطي الإلزامي لم يكن يتخطّى في حينها الـ25 مليار دولار".

وأوضح يشوعي أنَّ "سلامة خالف قانون النقد والتسليف عندما أخذ كل هذه الودائع من البنوك ودفع عليها فوائد عالية ومنعها عمليًا عن القطاع الخاص المنتج والاقتصاد، وبات يتصرف بها على هواه إن كان عبر اكتتابات لسندات دين للدولة اللبنانية أو عبر هندسات مالية أو تثبيت نقد وغيرها"، لافتًا إلى أنَّه فرط بكل هذه المبالغ لدرجة أن الأموال المفقودة لديه تلامس الـ80 مليار دولار، ولتخفيضها سجل دينًا جديدًا على الدولة بقيمة 54 مليار دولار".

أما بالنسبة لنواب الحاكم، فقال: "إنهم مضطرون إلى تحمل مسؤولية السلطة مع وقوع الفراغ، ولا يمكنهم الهروب، والآن يطلبون من الحكومة تغطية تدخلهم في السوق لضبط الأوضاع، وإطلاق منصة جديدة، وتارة يريدون توحيد سعر الصرف، ما يدل على وجود تناقض بكلامهم".

وشدَّد يشوعي على ضرورة القيام بالإصلاحات وإعادة هيكلة القطاع المصرفي والتشجيع على الاستثمارات الجديدة بهذا القطاع والعمل لاستعادة هذا القطاع عافيته وأموال المودعين، خصوصًا بعد قرار مجلس شورى الدولة بمنع شطب الودائع.

وفي السياق، رأى يشوعي أنَّه بعد رحيل سلامة من المتوقع أن يحصل تخبط على الصعيد الاقتصادي، مبينًا أنَّ "الأمر متوقف على حجم الكتلة النقدية المتوفرة لدى المصرف المركزي حيث يتحدث سلامة عن وجود 9 مليارات دولار منذ عامين، ولكن ماذا عن الخسائر التي تكبدها بسبب صيرفة؟ ومن أين يتم تغطيتها؟ فهل لا زال مبلغ الـ9 مليارات كما هو؟" سأل يشوعي. 

الكيك: ثمة لغط بين المفهوم المتداول للاحتياطي الإلزامي وبين المفهوم القانوني له

من جهتها، أوضحت الخبيرة القانونية والمصرفية الدكتورة سابين الكيك في حديث لـ"العهد" أنَّ "الاحتياطي الإلزامي هو محفظة توظيفات وليس سيولة جاهزة للاستعمال"، مشيرةً إلى أنَّ "هناك لغطًا بين المفهوم المتداول للاحتياطي الإلزامي وبين المفهوم القانوني له".

وقالت: "الاحتياطي الإلزامي هو نسبة يأخذها المصرف المركزي من الودائع في المصارف لاستخدامها في سياساته النقدية وبرامج تسليفية يحث المصارف على إجرائها وبالتالي بهذه الطريقة يكون المشرّع سمح لمصرف لبنان باستخدام جزء من الودائع بسياسة تسليفية يحافظ من خلالها على توازن اقتصادي وينفذ من خلالها رؤية اقتصادية لسياسات الحكومة، ومن هنا فالاحتياط الإلزامي من الممكن أن يكون استُخدم، وبتعاميم مصرف لبنان فإنّ أكثر من 90 % من الاحتياطي الإلزامي تمثل برامج تسليفية استعملتها المصارف"، وأضافت الكيك: "المفهوم القانوني للتوظيفات الإلزامية غير المفهوم المتداول، فبالنسبة للرأي العام ينظهر له على أنه كتلة نقدية يمكن استخدامه وقت نشاء".

وأشارت الكيك إلى أنَّ "مقصد نواب الحاكم من استخدام الاحتياط الالزامي في حال تشريعه غير واضح، فمن الممكن أن يكون هذا الاحتياط من العملات الأجنبية، ولكن مصرف لبنان لا يملك احتياطات للاستعمال عادةً، فالاحتياطات إما موجودة لدعم العملة أو لتغطية قيمة الكتلة النقدية في البلد الذي جرت طباعتها فيه، أو التوظيفات الالزامية، المصارف المركزية لا تملك هكذا كتلة نقدية من الاحتياطات غير معدةٍ لشيء حتى يتم استخدامها".

وفي السياق، استغربت الكيك ظهور نواب الحاكم فجأة حيث بات لهم حيثية للحديث باسم المصرف المركزي، مشددةً على أنَّ "مصرف لبنان يتمثل بحاكمه وعند غيابه يمثله النائب الأول فقط ونواب الحاكم مهمتهم معاونة الحاكم إداريًا، وليس من مهامهم الخروج للعلن وكأنهم هيئة لها تمثيل قانوني أو هيكلية قانونية. القرارات إما تتخذ على صعيد الحاكم ممثلًا مصرف لبنان أو في المجلس المركزي، بينما النواب الأربعة لا صيغة قانونية لهم" وفق الكيك.

وأضافت: "يحاولون خلق صيغة «النواب الأربعة» بينما هم لا يستطيعون اتخاذ قرار من دون المجلس المركزي، فلا حيثية قانونية لهم"، معتبرةً أنَّ حراك النواب الأربعة عبارة عن "هرطقات" لاستيعاب ردة فعل عبر تهديدهم بالاستقالة، والقائهم اللوم على الجهات السياسية في حين كانوا حاضرين في المصرف منذ العام 2020".

وتابعت: "فجأة أصبح نواب الحاكم معترضين على سياسات المصرف، إلا أنهم كانوا "صامتين" خلال الفترة الماضية حيث أنهم لم يتخذوا الإجراءات القانونية اللازمة التي لا تكون بالشكوى لوزير المالية بل برفع كتاب للحكومة والذهاب لمجلس شورى الدولة والقول بأن حاكم المصرف يتصرف خارج الأطر القانونية وخارج موافقة المجلس المركزي حيث تقتضي موافقته". 

ولفتت الكيك إلى أنَّ "محور حديثهم وبياناتهم وكل ما صدر عنهم فقط لرفع المسؤولية عنهم"، سائلة: من قال إنه بتولي الشأن العام يستطيع أحد رفع المسؤولية عنه مسبقًا؟ هل يريدون حصانة أو إعفاءً مسبقًا؟". 

وشدَّدت على أنَّ "أي حلول مجتزأة أو ترقيعية لا تحل أزمة بعمق الأزمة التي نعاني منها، واجب الحاكم الأول تسيير هذا المرفق العام بأقل الأضرار على المجتمع والاقتصاد إلى حين تعيين حاكم جديد، أما اليوم فالذهاب لخطوات مجتزأة تحدث إرباكًا بالحالة النقدية والاقتصادية".

رياض سلامةمصرف لبنان

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة