خاص العهد
مؤتمر "روما للتنمية والهجرة".. بداية استراتيجية توسعية أوروبية جديدة؟
تونس – عبير قاسم
لا يزال الجدل متواصلًا حول مخرجات مؤتمر روما للتنمية الذي انعقد في العاصمة الإيطالية، وكانت تونس أول من دعا لعقده بمشاركة دول شمال أفريقيا وجنوب الصحراء ودول شمال البحر المتوسط، لمناقشة أزمة الهجرة غير النظامية وبحثًا عن حلول مشتركة لهذه المعضلة.
وأتى عقد هذا المؤتمر بعد أسبوع على توقيع مذكرة التفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي والتي اعتبرتها رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني "نموذجًا لبناء علاقات جديدة مع جيراننا في شمال إفريقيا".
وعود
وتعتبر الصحفية وفاء العرفاوي في حديثها لـ"العهد" أن كل ما تمخض عن المؤتمر بالنسبة لتونس هو وعود تنتظر تنفيذها على أرض الواقع، وتضيف: "في الحقيقة إيطاليا من خلال مؤتمر روما للتنمية والهجرة نجحت في أن تأخد كل ما تريده وفي المقابل فإن تونس لم تنل إلا الوعود. فهناك وعود بتقديم مساعدات مالية ودعم لاقتصاد البلاد ولكن في المقابل فإن تونس قبلت رسميًا بإعادة أبنائها المهاجرين غير النظاميين في الخارج والأمر يتعلق بالآلاف ليس فقط في إيطاليا بل أيضًا ربما ينتقل الأمر إلى فرنسا لتحذو حذو ايطاليا وتدفع في اتجاه إعادة المهاجرين بكل ما يمثله ذلك من تحديات على الدولة التونسية". وتابعت محدثتنا "المهم اليوم هو معالجة أسباب الهجرة ومسبباتها من شبكات الاتجار بالبشر التي تجني المليارات لتحتل المرتبة الثانية بعد الاتجار بالسلاح. وفي غياب مقاربة شاملة وناجعة لمسألة الهجرة وشراكة حقيقية مع أوروبا قائمة على المساواة فإن كل هذه المؤتمرات ونتائجها ستبقى حبرًا على ورق ولن تتوقف قوارب الموت".
يشار إلى أن الاجتماع تخللته كلمة للرئيس قيس سعيد دعا خلالها إلى إلغاء ديون دول القارة الافريقية وإنشاء صندوق دولي لدعمها من جانب المانحين. وقال إنه يتم بيع الأسلحة للدول الإفريقية لتغذية النزاعات، بينما بالإمكان استغلال كل هذه الثروات المهدورة في السلاح للقضاء على المجاعات في إفريقيا.
مقاربة جديدة
من جهته قال المحلل السياسي والكاتب زين العابدين حمدة لـ"العهد" إن فكرة القمة كانت مطلبًا للرئيس قيس سعيد الذي أعلنه في نيسان/ابريل الماضي والذي لاقى ترحيبًا من جورجيا ميلوني التي عملت على مراحل على اقناع الاتحاد الأوروبي بإمكانية التوصل مع تونسي إلى اتفاق شامل يتمحور حول مقاربة جديدة تجمع بين مقاومة الإتجار بالبشر والعمل على دفع تنمية دول انطلاق المهاجرين ودول العبور. وهو ما فسرّ الرحلات المتتالية للترويكا الأوروبية المتمثلة في إيطاليا وهولندا والاتحاد الأوروبي والتي أسفرت عن توقيع اتفاق استراتيجي بين الطرف الأوروبي والجانب التونسي والذي اعتبرته روما "انموذجا" يمكن استنساخه مع مصر والمغرب وباقي الدول المعنية المشاركة في القمة.
وأضاف: "إذا كان التحرك الإيطالي لمقاومة الهجرة غير النظامية إحدى ركائز سياسة جورجيا ميلوني وحزبها الحاكم (فراتيلي دي إيطاليا) فهو، في نفس الوقت، يشير إلى الحالة الإنسانية الكارثية التي يعيشها المهاجرون واللاجئون الذين يبحثون على حياة أفضل. ومنذ أن اضطلعت جورجيا ميلوني بالحكم عملت على مقاومة موجات الهجرة ورفضت استقبال بواخر النجدة مما أربك الصف الأوروبي وجعل فرنسا تندد بالموقف "غير الإنساني" المتبع من قبل روما مما أدخل البلدين في أزمة دبلوماسية نجح ماكرون في اخمادها خلال زيارته الأخيرة لإيطاليا".
وقال حمدة: "ولم تتوقف رئيسة الحكومة الإيطالية عن الضغط على الاتحاد الأوروبي ونجحت في تمرير موقفها خلال القمة الأوروبية الأخيرة التي قبلت بمطالب روما في اقتسام نسب اللاجئين وفقا لمعاهدة دبلين ودعم منظمة "فرنتاكس" الراعية للحدود الخارجية المشتركة وربط مقاومة الاتجار بالبشر بدعم التنمية في البلدان المصدرة للهجرة".
وقدمت روما أرقاما تشير إلى رفع عدد المهاجرين غير النظاميين إلى إيطاليا إلى 80 ألف حالة منذ بداية العام 2023 مقارنة بعدد 33 ألف المسجل خلال نفس فترة 2022.
استراتيجية توسعية جديدة
وبحسب محدثنا "إيطاليا البلد المستضيف للقمة والتي تعتبر المحرك الأساسي للإستراتيجيات الجديدة لمقاومة ظاهرة الهجرة نحو التراب الإيطالي تنطلق من "الأنموذج التونسي" الذي يرسي تعاونًا مشتركًا بين الشمال والجنوب لا فقط على المستوى الأمني، بل يفتح كذلك مجالات للتنمية تستفيد بها دول الجنوب المعنية بانطلاق وعبور المهاجرين. وقالت جورجيا ميلوني في تصريح للتلفزيون الإيطالي "راي أونو" إنها تعمل على إرساء "جسر نحو افريقيا". عبارة غامضة لكنها تخفي استراتيجية توسعية جديدة لا تنبني على تكرار المرحلة الاستعمارية والتي سبق أن نددت بها ميلوني واعتبرت أن فرنسا لا تزال تستغل في البلدان الإفريقية مثل ما قامت به في السابق ونددت باستخدام "الفرنك الإفريقي" الذي يربط عضويًا اقتصاد البلدان الإفريقية بالخزانة الفرنسية.
وختم حمدة "جورجيا ميلوني لها استراتيجية مزدوجة، الأولى تركز على مقاومة ظاهرة الهجرة، والثانية تعمل على استغلال الطاقات الهائلة للبلدان الإفريقية عبر شراكة استراتيجية من نوع جديد تساعد روما على الصمود في المنافسة على الفضاء الإفريقي مع البلدان الأوروبية الأخرى".