خاص العهد
هل يُقرض المصرف المركزي الحكومة؟
لطيفة الحسيني
مادّة جديدة للأخذ والردّ بين الأفرقاء السياسيين: اقتراض الحكومة من مصرف لبنان. المشروع المُزمع استدعى تحريك المشهد المحلي لجهة انقسام الآراء حوله، بين من يُشكّك بعدم مشروعية إقراره في مجلس النواب في ظلّ اعتبار البرلمان هيئة ناخبة مُهمّتها تنحصر بانتخاب رئيس للجمهورية، وبين من يعتبر أن مجلس الوزراء ليس له تحويل أيّة مشاريع كونه يصرّف الأعمال. المسألة برمّتها باتت موضع جدلٍ مُكرّر ملّه اللبنانيون عند كلّ استحقاق أو طرح داخلي.
المشروع الذي أعلنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للوزراء في اجتماعهم أمس يدعو الى التساؤل حول الآلية الذي سيُقدّم بها في ظلّ العراقيل المتوقّعة والنقاش المُستفيض حوله، ولا سيّما أن الوزراء أنفسهم طلبوا تأجيل البحث والبتّ به حتى الخميس ريثما يتشاورون مع مرجعيّاتهم السياسية لإعطاء موقف نهائي منه.
ماذا يقول هذا القانون؟
هو مشروع قانون يرمي الى الإجازة للحكومة الاقتراض بالعملات الأجنبية من مصرف لبنان.
الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة قدّم عبر "العهد" شرحًا للمشروع وارتباطاته، فبيّن أنه "عبارة عن ديْن يمنحه مصرف لبنان للدولة"، مشيرًا الى أن "الدولة قادرة أن تفرض على البنك المركزي وفقًا للمادة 91 من قانون النقد والتسليف بأن يُقرضها أموالًا، وفي هذه الحالة لا يستطيع الأخير أن يرفض أمام إصرار الحكومة".
بحسب عجاقة، الإشكالية تكمن في أن مصرف لبنان ليس لديه أموال سوى في الاحتياطي الإلزامي أو التوظيفات الإلزامية أي أموال المودعين التي تبلغ 9 مليارات و400 ألف دولار (كما صرّح الحاكم رياض سلامة مؤخرًا). الدستور ينصّ على قدسية الاحتياطي الإلزامي، ولذلك يطلب نواب الحاكم تشريعًا نيابيًا يُتيح لهم إعطاء الإذن للمصرف المركزي بالاستدانة من هذه الأموال".
ولفت عجاقة الى أن "من الشوائب التي يواجهها المشروع هو عدم وجود ثقة في إمكانية إعادة أموال المودعين اذا مسّوا بها عبر القانون، إضافة الى التخوّف من شطب الديون مقابل عدم وجود إصلاحات جوهرية تُطمئن الناس حيال هذا الطرح".
وأوضح أن "المواد المنصوص عليها في قانون النقد والتسليف التي تخوّل مصرف لبنان إقراض الحكومة أموالًا على شكل قروض أو تسهيلات بالحساب هي 88 و89 و90 و91، إلّا أن الحكومة تستطيع أن تحدّ من الاقتراض الدائم من خلال الإصلاحات التي من شأنها أن تدفع الاقتصاد المحلي إلى الإنتاج"، مؤكدًا أن "مكاشفة الناس عبر الأداء المالي الذي دأبت عليه الدولة شهريًا متوقّف منذ عام 2021 يظهر المداخيل الضريبية وغير الضريبية، ولذلك لا تخمينات حول حجم جباية الدولة التي تعتمد اليوم على طريقة "الكاش" في كلّ معاملاتها المالية".
ماذا عن أجواء الحكومة؟
الوزير السابق ومستشار رئيس الحكومة نقولا نحاس نصح بعدم استباق الأمور، وقال لـ"العهد": "الى حينها لكلّ حادث حديث.. هناك مشروع قانون سيصدر عن الحكومة خلال اليوميْن المقبليْن واذا حصل ذلك فعلًا سيُحال الى مجلس النواب وعندها ننتظر أيّ قرار سيخرج عنهم".
اقتراح بدلًا من مشروع؟
الصورة تبدو معقّدة والوضوح أبعد ما يكون عنها. مصادر نيابية مطلعة تحدّثت لـ"العهد" عن القضية المطروحة، فأشارت الى أن "رئيس المجلس النيابي نبيه بري سيدعو الى جلسة تشريعية متى وصل إليه المشروع وفقًا للآلية المُتبعة في العادة مع كلّ القوانين، واذا تأمّن النصاب تُعقد، واذا حصلت مقاطعة لها من بعض الكتل، فهذا طبيعي على غرار ما كان يجري سابقًا في كلّ الهيئات العامة التي شهدت سجالات وانقسامات".
وأضافت "عندما يكون هناك دعوة واضحة لمُقاطعة هكذا جلسات فلن تُعقد، واذا كان هناك مصلحة جامعة وضرورة لها ستُلبّي الكتل وتحضر، فالدستور والنظام الداخلي يسمح للكتل والنواب بالتعبير عن موقفهم بالمقاطعة والتغيّب".
وعن إمكانية اللجوء الى اقتراح قانون بدلًا من مشروع قانون كي يصادق على ديْن الحكومة من مصرف لبنان، أجابت المصادر "هذا ممكن وليست المرة الأولى الذي يحصل فيها هكذا سيناريو وفقًا لمتطلّبات المصلحة العامة والدولة وتسيير أمور الناس".
في الخلاصة، لم يتبيّن حتى اللحظة مَن مِن الممكن أن يحمل "ثقل" أو "وزْر" هذا الاقتراح، على اعتبار أن القانون لا يعني فريقًا أو كتلة واحدة، بل كلّ اللبنانيين، ولا سيّما ما له من تأثير مباشر على أموال المودعين وما تبقّى منها في الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان.