معركة أولي البأس

خاص العهد

المعاينة الميكانيكية معلّقة: مناقصة جديدة وترقُب للرسوم
24/08/2023

المعاينة الميكانيكية معلّقة: مناقصة جديدة وترقُب للرسوم

في بداية شباط 2004 دخلت المعاينة الميكانيكية في لبنان حيّز التنفيذ، بعد أن  تأخّر البلد عن اللحاق بركب الدول التي أدخلت تلك الخطوة المتطورة والحضارية والتي تعتمد المعايير العالمية الى برنامجها الإصلاحي الإداري. كان من المفترض أن تسير الدولة على هذا النهج منذ العام 1998، تاريخ صدور القانون 671 ضمن موازنة 1998. المادة 20 من القانون المذكور نصّت على وضع نظام خاص للكشف الميكانيكي على السيارات والمركبات والمقطورات من دون استثناء. وفي العام 1999 أجاز قانون الموازنة لوزارة الداخلية والبلديات إجراء مناقصة عالمية وفقًا للأصول، والاستعانة بشركات خاصة للمعاينة الميكانيكية. المناقصة أجريت في العام 2002 واشترك فيها عدد من الشركات العالمية ليرسو الاختيار حينها على شركة "فال" السعودية ­ فرع لبنان.

ولاحقًا، نصّ القرار "الرقم 824" الصادر بتاريخ (31/12/2003) على تنظيم أعمال المعاينة الميكانيكية الإلزامية وطرق إجرائها. المادة الأولى منه أدرجت الآتي: "يجري الكشف الفني على المركبات الخاضعة لموجب المعاينة الميكانيكية الإلزامية للتثبت من أن جميع الشروط الفنية المفروضة عليها في القوانين المرعية متوفرة بواسطة شركة "فال" السعودية". الشركة المذكورة عُهد اليها القيام بأعمال تصميم وبناء وتجهيز وتشغيل مراكز الفحص الفني للمركبات الآلية وفقًا لدفتر الشروط الإدارية والفنية رقم 2129/ص م الصادر بتاريخ (18/03/2002). العقد كان في حينها لعشر سنوات من تاريخ المناقصة، أي حتى العام 2012. بعدها، جرى التمديد للشركة عبر عقود مؤقتة تخللها الكثير من القال والقيل ليستمر الحال على ما هو عليه حتى أيار 2022. حينها، وقّع وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي قرارًا بإلغاء المعاينة الميكانيكية حتى إشعارٍ آخر. وبالموازاة، أحال المولوي شركة "فال" المشغّلة لمراكز المعاينة الى النيابة العامة التمييزية لتقاضيها مبلغ ١٢٠ ألف ليرة لبنانية لقاء كل معاينة دون أي مسوّغ شرعي.

وعليه، لا تزال مراكز المعاينة الميكانيكية الأربعة في لبنان: الحدت، صيدا، زحلة وزغرتا، خارج التغطية رغم أهمية الكشف الميكانيكي على المركبات للتثبت من استيفائها جميع الشروط القانونية والفنية. تعليق العمل بالمعاينة يُنذر بكل بساطة بتوقف كلّي للمعاينة ما قد يترك تداعيات كبيرة، وفق ما يؤكّد رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر الذي يتولى العمل على الملف انطلاقًا من أهمية المعاينة، وحفاظًا على مئات العمال الذين باتوا بلا عمل. يشدّد الأسمر على أنّ المعاينة الميكانيكية وُجدت لتثبيت أهلية السير على الطرقات، والتثبت من أرقام الشخصيات ومنع التزوير والتهريب. لا يُخفي الأسمر أنّ لبنان تأخر كثيرًا عن اللحاق بركب المعاينة الميكانيكية التي تطال الأجزاء الداخلية والخارجية من السيارات والمركبات لتصبح مؤهلة لوضعها في السير ما يسهم في التقليل من الحوادث مع الإشارة الى ضرورة أن تكون الطرقات معبّدة وصالحة.

كان بإمكان الدولة تسيير المرفق

يوضح الأسمر أنّ الدولة عمدت الى التمديد لشركة "فال" بعد انتهاء عقدها في العام 2012 لأسباب نجهلها، اذ باتت تُمدّد بطريقة تلقائية وخلافًا للقانون. وفق الأسمر، كان بإمكان الدولة تسيير هذا المرفق بالعمال الموجودين بموجب قانون من مجلس النواب، فبعد انتهاء عقد الشركة تعود المعدات تلقائيًا الى الدولة، "وقد عقدنا عدة اجتماعات مع اتحادات النقل ولجنة الأشغال العامة والنقل النيابية في محاولة لقوننة الملف". وفي هذا الإطار، يشير الأسمر الى مشكلة كبيرة أوجدها تعليق العمل بمراكز المعاينة تمثلت ببقاء أكثر من 500 موظف بلا عمل. هؤلاء لا بد من إعادة تشغيلهم لحظة إعادة العمل بالمعاينة لأنهم قضوا سني عمرهم في مراكز المعاينة ولهم الفضل في استمراريتها. وهنا يدعو الأسمر للتعامل مع ملف عمال المعاينة الميكانيكية كملف مياومي الجامعة اللبنانية وعمال محطة المستوعبات في مرفأ بيروت الذين أعيد تشغيلهم مع الشركة الجديدة. وفي هذا الإطار، يلفت الأسمر الى أنّه ووسط كثرة السيارات والمركبات فإنّ مراكز المعاينة تحتاج الى ضعف عدد الموظفين الحالي.

لا للرسوم المرتفعة

وفي ما يتعلّق بالرسوم، يرفض الأسمر ما يتم تداوله عن فرض رسم 50 دولارًا عن كل معاينة ميكانيكية. برأيه، هذا الرقم هائل بعد أن كان 35 ألف ليرة قبل أن يرفعه مدير عام شركة "فال" وليد سليمان الى 120 ألف ليرة. وفي هذا السياق، يرى الأسمر أنّ الدولة اللبنانية لم تخطئ حين حوّلت سليمان الى القضاء، لكنها أخطأت حين ألغت المعاينة الميكانيكية. وفي هذا الصدد، يذكّر الأسمر بموقف الاتحاد العمالي العام الرافض لأي رسوم على المواطن. الاتحاد العمالي العام يكاد يكون الوحيد الذي رفع الصوت بوجه ما سُرّب عن رسوم موازنة العام 2023، وبعد لقاءات واتصالات جرى إلغاء المادتين 80-81 "وسجّلنا اعتراضًا على المادة 35 التي تعطي وزير المالية الحرية المطلقة لتحديد الدولار الجمركي، كما اعترضنا على الرسوم رسمًا رسمًا حتى قيل إنّ الموازنة ستدمج في موازنة 2024 ما جنّب الناس "الويلات". والأمر ذاته، تكرّر في موضوع الكهرباء حيث طالبنا بالغاء الرسوم الثابتة"، يُضيف الأسمر. 

مناقصة جديدة

يطمئن الأسمر أنّ مناقصة جديدة ستنطلق الأسبوع المقبل للتعاقد مع شركة جديدة واستئناف العمل بالمعاينة الميكانيكية. يوضح أنّ وضع الشروط من مسؤولية إدارة السير ووزارة الداخلية، أما الإشراف على دفتر الشروط وقانونيته ووضعه موضع التنفيذ فيعود الى المدير العام لإدارة المناقصات الدكتور جان العلية الملتزم إداريًّا والمنزّه، على حد توصيف الأسمر الذي يُعرب عن أمله بأن تتقدّم الشركات للمناقصة خاصة أنّنا نعيش انهيارًا اقتصاديًا ما يجعل الأجواء غير مشجّعة. يعود الأسمر ويكرّر: لا غنى عن المعاينة الميكانيكية حفاظًا على السلامة المرورية، فنحن في بلد متفلّت تمامًا وحوادث السير زادت كثيرًا في الفترة الأخيرة. 

السلامة المرورية غائبة 

وفيما يشدّد الأسمر على أنّ المعاينة أكثر من ضرورية للتقليل من حدة حوادث السير، يوضح أمين سر جمعية "اليازا" كامل ابراهيم أنّ أهلية السيارة عنصر أساسي جدًا في منظومة السلامة المرورية، فكلمنا كانت المركبة في حالة فنية جيدة وتخضع للصيانة الدروية من "فرامل" و"دواليب" وما الى هنالك كلما قلّت الحوادث. لكن السؤالين الأساسيين وفق ابراهيم: هل المعاينة الميكانيكية بالطريقة التي أجريت فيها جيدة للسلامة المرروية؟، وهل كل المركبات قانونية وتخضع للمعاينة الميكانيكية؟. وفق الأسمر، فإنّ الأمور لا ترتبط فقط بالمعاينة التي تبدو مهمّة خصوصًا للأشخاص الذين يعانون من إهمال فتُجبرهم المعاينة على كشف عيوب مركباتهم وإصلاحها، بل لا بد من ملاحقة المركبات غير القانونية في البلد وتطبيق القانون على المركبات التي لا تخضع للمعاينة. 

وفق ابراهيم، يجب أن يكون المشروع متكاملًا، فدور المعاينة أساسي لتكون السيارات بحالة جيدة وأن لا "تستهتر" الناس وتتجاهل الصيانة الدورية خصوصًا للمركبات الثقيلة كالشاحنات وغيرها، ولكن يجب أن يترافق هذا الأمر مع تشدد على المركبات غير القانونية. ولدى سؤاله عما اذا كانت أرقام الحوادث الى ارتفاع، يوضح ابراهيم أن المسألة تختلف من عام لعام ويساهم في هذا الاختلاف عدّة عوامل فمثلًا لا يمكن مقارنة العام 2022 بما سبقه نسبة لأزمة كورونا التي قيّدت الحركة. لكن ابراهيم لا يُخفي أن حوادث السير ارتفعت بشكل كبير خلال الشهرين الأخيرين، ونسبة الضحايا في شهر آب الحالي مرتفعة جدًا، فنحن في واقع تغيب فيه السلامة المرورية على كافة الصعد سواء لجهة وضع الطرقات غير الجيد وغياب الإنارة وما الى هنالك ما يسهم في ارتفاع عدد الحوادث.
 

الحوادثبشارة الاسمرالمعاينة الميكانيكية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة