خاص العهد
حسين حمود .. شهيد المناجاة
فاطمة ديب حمزة
كانت شمس تموز قد كشفت جحور الإرهاب في الجرود اللبنانية من جنوبها إلى شمالها. وكانت المقاومة قد أحكمت قبضتها على مفاصل المعركة وميدانها الصعب. هناك، كانت الجغرافيا هي التي تحدد مسار القتال. وكان ايضاً، عزم الرجال يرسم طريق الانتصار، ويكتب أحرف التحرير الثاني في أعلى التلال. أحرف خَبِرها الشهيد حسين حمود قبل ذلك، في قصص المقاومة التي يعشق، وكتب بعضًا منها بدمه الذي أودعته أمه - منذ أن رُزقت به - عند السيدة الزهراء (ع) .. فكان أن أطلق آخر نداءاته قبل الشهادة: يا زهراء.
آخر العنقود ..
كان التحرير عام 2000 لا يزال ينتظر موعده بثلاث سنوات .. تحديداً عام 1997 ولد حسين علي حمود .. صغير البيت، وآخر عنقوده. يكبره أخوه محمد وأخته زينب .. وقد "سميته حسين تأسيًا بعمه الشهيد، والإمام الحسين (ع)" يقول والده لموقع "العهد". نسترجع معه في أيام التحرير الثاني بعضًا من أيام حسين "الشاب المرح الضاحك، الذي لا يسبقه أحد على إلقاء التحية، ولا على مبادرة الخير، وهو الخلوق المعتد بنفسه، العارف طريق الجهاد والسائر عليه بثبات وعزيمة" يضيف الوالد وهو يتلمس افتخاره بإبنه الشهيد.. و"هو الذي سألني قبل التوجه إلى المشاركة بالجولة الجهادية في الجرود: أبي ماذا لو أصبت؟؟!! فقلت له، لك أسوة بأهل البيت وكرامة، وأما اذا استشهدت، فلك ولنا فخر وعز أمام الله إلى يوم الدين" يروي لنا أبو محمد هذه الحادثة، وهو يتذكر تحديداً كيف كانت ملامح شهيده الصغير تتبدل مع كل كلمة وتفسير .. "أصلاً حسين كان يعشق قصص المقاومة، وكان يحفظها ويرويها بطريقته البريئة" تدخل أمه – أم محمد – على خط الحديث عن شهيدها الذي "كان لا يتوقف عن المزاح والضحك ويراعي بتصرفاته كل أفراد العائلة" تقول أم محمد لموقع "العهد".
ثم تروي لنا قصة تختصر مسيرة الشهادة على طريق الورد المزين بأسماء السيدة الزهراء (ع) .. فتقول الأم: "عندما رُزقت بإبني الشهيد حسين، كان دعائي لسيدتي الزهراء (ع) بأن تحفظه وتحميه وناجيتها بأن يكون عندها، وأن يسير على درب الحسين (ع).. بعد تسعة عشر عاماً، ولحظة استشهاد حسين ابني، كانت آخر كلمة قالها كانت: يا زهراء".
الشهيد القدوة ..
.. سريعاً تشعر بحب عباس حمية، عميد فوج كشاف الإمام المهدي (عج) للشهيد حسين .. أول ما يقوله عنه : "النشيط الجدي الملتزم بكل الضوابط والعاشق للعمل الكشفي، مع ضحكة لا تفارق ثغره". كان للشهيد حسين دور في كشاف الإمام المهدي (ع) .. يحتار حمية في الكلام عنه. يكشف لـ"العهد" أن من "وصاني بالشهيد حسين عندما كان صغيراً في الكشاف، هو صهره - الشهيد محمد زبيبو، بأن أعتني به، فمشيت بالوصية .. وكأنها كان وصية الإهتمام بمسار الشهادة الموعودة".
تقول أم محمد - والدة الشهيد - أن "صهره الشهيد، كان قدوته في العمل الجهادي المقاوم، وكان يحاول أن يتشابه معه في الكثير من الصفات الجهادية، لكن هذه الصفات تطابقت يوم استدعي حسين إلى المشاركة في إحدى معارك الجرود .. ضد الإرهاب".
قبل الذهاب إلى "فليطة" نقطة القتال، أراد حسين أن يجتمع مع رفاقه الكشفيين .. جالس أهله وتحدث معهم ثم توجه إلى إحدى المقاهي .. "كان مرحاً جداً، التقط الكثير من الصور معهم .. كانت صور كلها عفوية وجميلة" يقول والد الشهيد لموقعنا.
في الطريق إلى إحد تلال المواجهات أرسل الشهيد رسالة إلى قائد فوجه في كشافة الإمام المهدي (ع) يسلم عليه، ويطلب منه المسامحة. كان ذلك نهار الجمعة الواقع فيه 21/07/2017 .. الساعة كانت الخامسة صباحاً، تحديداً بعد صلاة الفجر .. أزيز الرصاص من الاتجاه الشمالي للجرود .. هناك كانت العناصر التكفيرية تحاول أن تثبت نفسها في مواقعها .. حسين حمود مع رفاق الجهاد، استطاعوا الوصول إلى موقع جغرافي مرتفع معروف باسم (الضليل الأسود) .. رمى نيرانه وكان شجاعاً جداً، كان مقداماً وهذا فخر .. قدم أفضل ما عنده في المواجهات والقتال العسكري، لكن رصاصة واحدة أصابته في خاصرته .. فأسند نفسه إلى الأرض، وتدرج في الارتماء عليها، حتى سلّم نفسه إلى من نظر اليه والينا نظرة عز فاختاره شهيداً" يسرد الوالد هذه التفاصيل بدقة، كيف لا وهو الذي يحفظ كل تفاصيل صغيره الشهيد .. منذ ما قبل التحرير الأول، إلى أن كتب باسمه وباسم المقاومين، التحرير الثاني.
#صيف_الانتصارات