نصر من الله

قضايا وكتب

قراءة في كتاب: "يساريون لبنانيون في زمنهم، مذكرات وشهادات"
14/11/2023

قراءة في كتاب: "يساريون لبنانيون في زمنهم، مذكرات وشهادات"

مراجعة كتاب
المؤلفة: دلال البزري
العنوان: يساريون لبنانيون في زمنهم، مذكرات وشهادات
بيروت، الطبعة الأولى، أيلول/سبتمبر 2021، عدد الصفحات 368.
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات
____________

شوكت اشتي - استاذ جامعي

يشدك عنوان، الكاتبة دلال البزري، سواء كان القارىء من الذين عايشوا المرحلة، أو الذين سمعوا عنها. لأن "اليسار اللبناني"، كان له حضوره المميز وتأثيره الواضح في الأحداث اللبنانية كافة. لذلك يبدو الكتاب جديرًا بالقراءة والمتابعة. بل يمكن القول: إن هذا النوع من الكتب "حاجة" وضرورة، في الوقت ذاته. فقد نجد العديد من الكتب التي تتناول تجربة بعض الأشخاص، من خلال كتابة مذكراتهم الخاصة. غير أن متابعة الأحداث من خلال "استنطاق" بعض من عايش هذه الأحداث وكان مشاركًا فيها، أو من "صانعيها، بشكل أو بآخر، تبدو نادرة.

من هنا أهمية مثل هذه الدراسات، وإجراء المزيد من الأبحاث التي تتناول مفاصل أساسية في الحياة السياسية اللبنانية. لأن هذه التجربة غنية جدًا، وثريّة بالمعطيات التي يمكن أن تقدمها، مما يُلقي المزيد من الأضواء على هذه التجربة وأهم محطاتها. وهذا بحد ذاته، عمل يساهم في مراجعة هذه التجربة والاستفادة منها، الأمر الذي يساعدنا على تجاوز العثرات من جهة، ويكون في الوقت نفسه زادًا للأجيال الطالعة.

ضمن هذا السياق، يأتي كتاب "يساريون لبنانيون في زمنهم"، بما يكشفه عن مرحلة مهمة في مسار الحياة السياسية في لبنان، من خلال بعض الأشخاص الذين كانوا جزءًا أساسيا منها. خاصة عندما يتفحص القارىء، الملحق (1)، ص.(331- 334) (1)  الذي يضم لائحة الأشخاص الذين حاورتهم الدراسة، ممّا يجعل القارىء، الذي كان منخرطًا في "حركة" اليسار أو على ضفافها، يتيقن أهمية العمل. لأن هؤلاء الأشخاص، سواء الذين لا زالوا في الهيكل التنظيمي، أو الإطار العام، أو تراجعوا، لتغير قناعاتهم، أو لمراجعة التجربة بحد ذاتها، فإنهم جميعًا يتصفون بالصدقية والحضور المميز من جهة، ولأن الكاتبة كانت جزءًا من هذه التجربة من جهة ثانية.

إنطلاقًا من هذا التصور فإن الكتاب بمجمله، يتميز بالجدية والرصانة، ويتضمن غنًى في ما يقدمه من معطيات وما يطرحه من أراء وما ينقله من أفكار. كما يتسم بـ"الدقة" في ما يعرضه من آراء ومواقف، مع الذين قابلهم من "اليسار اللبناني"، بعيدًا عن التجريح أو التشهير أو المبالغة، الأمر الذي يزيد من أهميته. رغم ما يمكن أن يوجّه إلى مضمون الكتاب من نقد وملاحظات. أي أن الملاحظات النقدية، التي توجه للنص لا تقلل من أهمية الكتاب ولا تُلغي تنوع مضمونه.

يتألف الكتاب، إضافة إلى العنوان الرئيس والمقدمة والخاتمة، من خمسة عشر فصلًا، تختلف في الشكل، لجهة عدد الصفحات وفي المضمون، لجهة المعطيات المتوفرة وعدد الأشخاص الذين تم الاستشهاد بآرائهم، وطبيعة الحدث/ الموضوع الذي يتناوله الفصل. وقد تتنوع نقاط النقد وتتشعب، لأن المواضيع التي يتناولها الكتاب عديدة ومتشعبة، مما يجعل المراجعة محفوفة بـ"المخاطر" و"المطبات". وقد تُحمّل المراجعة بعض الأعباء لجهة، "الاتهام" بـ "الانتقائية" في اختيار ما تتناوله. من هنا ضرورة التأكيد بأن هذه المراجعة تستند إلى المنهج العلمي والإجراءات الأكاديمية، وتهدف إلى إغناء الحوار وتعميق النقاش في مثل هذه الدراسات، وليس اصطياد الهفوات وتعداد الأخطاء.

فكرة الدراسة

مرت" فكرة" الكتاب بعدة "محطات"، قبل أن تتبلور في العنوان الرئيس. فقد انطلقت من "اليسار العربي الذي إنقسم حول الانتفاضة السورية"، إلى "اليسار السوري نفسه، وإنقساماته حول الانتفاضة السورية". غير أن اتساع الموضوع، وعدم وجود "معطيات" كافية عنه... زاد ما يمكن أن نسميه "الارتباك". من هنا ساهم مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات عزمي بشارة "باقتراحه أن أنتقل في دراستي إلى الميدان اللبناني الذي أعيشه وأعرفه أكثر من أي ميدان آخر"، ص. (22). وقد تنبهت الكاتبة بعد هذا "التوجه"، إلى "أسبقية اليسار اللبناني على الانقسام حول الانتفاضة السورية"، وإلى أن الجذور الحية لهذا الانقسام "عائدة إلى الانقسام الوطني اللبناني حول وصاية النظام السوري"، وعلاقته بـ "حزب الله" ودور الأخير في "حماية" النظام لاحقًا.

لكن بعد جمع "المقالات" كان "الاستنتاج الأولي"، أن الانقسام اللبناني حول هذه الانتفاضة يتمظهر بين "المحور الممانع" ومحور "محاربة الاستبداد". وتبين، للمؤلفة، أن هذا السجال عقيم لا يُشجع على التوغل في تفاصيله. ص. (26)، الأمر الذي فرض تغيير "وجهة الدراسة"، نحو مرحلة محددة في مسار اليسار اللبناني (بدت عمليًا، مرحلة الستينيات والسبعينات). من هنا ارتأت المؤلفة أن "تتبع المواقف من أولها" لمتابعة هذه المرحلة، إستنادًا إلى مجموعة من التساؤلات مثل: كيف يتكون الموقف السياسي، في المرحلة المدروسة؟ وكيف تطورت؟ ما سياقاتها؟ ما القوى الحيوية التي صاغتها أو تغيرت وانشقت عنها أو قدمتها؟ كيف بلغت الآن ما بلغته، سواء بالضد مع هذه التجربة أو معها. واختارت حزيران/يونيو 1967 نقطة الانطلاق، لعرض هذه المسارات، ص.(29). وتتابع المؤلفة في الفصل الثاني (2) "حيثيات هذا الخيار" وبذلك أصبح موضوع الدراسة محددًا، بما هو عليه في عنوان الكتاب.

إختيار الأشحاص

 يستعرض الفصل الثاني طبيعة الأشخاص، وكيفية مقابلاتهم وطبيعة ما تعتبره "عينة عشوائية" (سنناقش تعبير العينة في سياق المراجعة). لكن  عملية اختيار اليساريين لمحاورتهم لم تكن بالأمر السهل. لأن اليسار اللبناني"موزاييك، فسيفساء بالمعنى المجازي للكلمة"، إنه موجود بشكل أو بآخر. فهناك القدماء الذين ما زالوا يعتزون بيساريتهم، وهناك "المتبرىء" تمامًا من ماضيه، وهناك المتشدد بعقيدته يحاول تطويرها، وهناك من صعد إلى "مراتب غير دنيوية" فصاروا إسلاميين، وهناك الأعضاء الذين ما زالوا "ملتزمين بأحزابهم اليسارية"، وهناك من يعمل في "المنظمات غير الحكومية " وله قضية/قضايا محددة مثل "المرأة أو البيئة ..." تتخذ "صبغة" يسارية أو "وجهة يسارية"....
هذا التبعثر، الذي لم يعد فيه اليسار كما كان عليه في الستينيات والسبعينيات، "تصعب لملمته"... لذلك اختارت المؤلفة حصر الدراسة في "حزبين شيوعيين فقط، هما الحزب الشيوعي اللبناني، ومنظمة العمل الشيوعي". مبرر هذا الاختيار يعود إلى أنهما "يملكان إطارًا، هو "البنية الداخلية الحزبية"، رغم كل ما أصابها، وإن بتفاوت بينهما، "لصالح الحزب". رغم أن هذا المبرر يبدو "ضعيفًا جدًا، سواء بالنسبة للحزب الشيوعي الذي يعاني من "إختلالات واضحة" في بنائه التنظيمي وحياته الداخلية، أو بالنسبة لمنظمة العمل الشيوعي، فانها تبدو وكأنها في وضعية غير تنظيمية. وتوضّح المؤلفة بأن من قابلتهم، من منظمة العمل الشوعي، أو سعت إلى مقابلتهم تعرفهم جميعًا ويعرفونها. أما من قابلتهم من الحزب شيوعي، فمنهم من كان زميلاً في الدراسة، أو "رفيقًا في التظاهرات والنشاطات.... عشية الحرب الأهلية،. غير أن عملية إختيار اليساريين،  تخللها "جوانب سلبية"، سواء في عملية "تفريغ المقابلات"، أو لجهة رفض البعض إجراء المقابلة لأسباب متعددة، بعضها يعود إلى موقف المؤلفة "المعادي لحزب الله"، أو لكونها "سنيًة"، رغم أن "نصفها سنّي" ونصفها الآخر "شيعي"، أو لاعتبار البعض أن الموضوع من " المواضيع الخشبية" والتي صارت "حديدية"، أو لطبيعة بعض الأشخاص .... الخ. لهذه الأسباب، أستقر العدد على (42 مقابلة (3))، رغم أن القائمة التي كانت قد أعدتها تبلغ ضعف هذا العدد، ص. (31-32). حيث تم توجيه، اسئلة "نصف مفتوحة"، لكل من الذي تمت مقابلتهم. لكن لم يكن هناك "إجماع على التجاوب مع الأسئلة.ص. (35).

لقد وصّفت المؤلفة طبيعة هذه "العينة" حسب مجموعة من المتغيرات هي على النحو الآتي:

- لجهة الأعمار: تتراوح ولادة من تمت مقابلتهم بين 1929 و 1977، وعليه تم توزيع هذه المرحلة الممتدة على "ستة أجيال، تبعًا لشريحة جيلية تمتد عشر سنوات". تُبيّن متابعة هذا التوزيع، أن الشريحة العمرية (1950-1959) تضم (19) شخصًا، يليها الشريحة (1940-1949) وتضم (13) شخصًا، والشيرحتان (1930-1939) و(1960-1969) تضم كل منها (4) أشخاص، والشريحة (1970-1979) تضم (3) أشخاص، والشريحة (1920-1929) تضم شخصًا واحدًا، ص.(37).
- لجهة الطائفة": توزع اليساريون الذين تمت مقابلتهم، طائفيًا، على النحو الآتي: 23 شيعي، 8 سنّة، 3 موارنة، 3 كاثوليك، 2 روم أرثوذكس، 2 دروز.
- لجهة المنطقة والطائفة: توزع اليساريون الذين تمت مقابلتهم على مختلف المناطق اللبنانية، وهم حسب المنطقة والطوائفة كما يلي: - الشيعة (البقاع 3، الضاحية 1، الجنوب 19). - السنة (قرى حدودية 2، صيدا 2، الأقليم 1، الكورة 1). - المسحيون (شمال 2، عكار2، زحلة 1، البترون1، لحمدون1). - الدرزيان (جبل لبنان1، البقاع1)، ص.(41).
- لجهة راهنية الإنتماء: يسيطر على أفراد العينة "المعسكر المعادي لمحور الممانعة "، ص. (42).
- لجهة المهنة: أغلبية أفراد العينة "عملهم" يتعلق بالكتابة (كتّاب، روائيون، مؤرخون، باحثون، صحفيون...)، مع إستثناءات محدودة جدا، ص. (43).

 الصراحة والموضوعية
 إن إختيار الأشخاص ومسارات هذه العملية بينت دقة العمل وجديته. غير أنها كشفت للمؤلفة معلومات، عن منظمة العمل، كانت معرفتها بها "جزئية" في أحسن تقدير من جهة، وطرحت عليها إلتزام الموضوعية و"الحياد" من جهة أخرى.
في المعلومات، التعامل مع الأمين العام في المناسبات (التعازي مثلاً)، يتماثل مع النمط التقليدي. أي كـ"الوجيه"، يجلس في الصدراة، وإذا تعذر حضوره "تحتل" زوجته مكانه. أما "الجديد" الآخر الذي وضحّته المؤلفة، فيتمثل في "انهيار" قيادة المنظمة بُعيد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. إضافة إلى التمييز الصادم بين القيادي كـ"رفيق مُغنج"، لأنه قيادي، ورفاق آخرين تعرضوا للخطف والتكيل. الأول (المُغنج، تطلق عليه اسم فاروق، اسمًا مستعارًا حتى لا تكشف اسمه الحقيقي)، يُمنح فرصة السفر إلى فرنسا لاكماله شهادة الدكتوراه، لمدة ثلاث أو أربع سنوات، على حساب المنظمة وبشكل كامل وتام، وعند عودته إلى لبنان يمتنع عن "إستئناف النضال" في صفوف المظمة، بل "شرع الرفيق "فاروق" في تأسيس وإعادة تأسيس يسار جديد". الثاني، يتم إنكاره تمامًا، وإسمه "النسيان" التام، حيث فُرض على أحدهم مغادرة البلد، "من غير رجعة"، ص. (47-48).
في الموضوعية، فرضت المقابلات، على المؤلفة، إعادة النظر في متابعة النص، من خلال إتخاذ "الحياد التام". فبعد مقابلة أول "ممانع" إكتشفت إنحيازها ورفضها لموقفه. خاصة إن كتاباتها "بانتظام ضد المحور الممانع"، من هنا قالت: سـ"أبذل جهودًا للموضوعية، ولكني لا أعتقد أنني بلغتها"، ص. (53-54). وهذا القرار جريء  وشجاع، في الوقت عينه.

 الحدث الجلل
حددت الدراسة قُبيل الخامس من حزيران العام 1967، نقطة الانطلاق. حيث أجمع غالبية  اليساريين على اعتبار هذا الحدث، بالتحديد، "منطلقا تاريخيًا"، أصابهم في الصميم ص.(59-65). لذلك تتابع الفضاءات السياسية قبل هذا التاريخ المفصلي وبعده، وموقع جمال عبد الناصر والناصرية، وأثر الحرب الباردة وخصيصة المثقف اليساري، في ظل الفقر "النظري" عشية حرب حزيران، ومعاناة "الأحزاب كلها"، سواء من الفقرالنظري أو من الجمود النظري، مستعرضة نماذج من "المثقف اليميني" المنبوذ من اليساري، و"المثقف الديني". لكن رغم كل "تجليات" المثقف، فإن الثقافة لم ترتفع معه. وتعرض مسار "إستيقاظ" الطائفة الشيعية والمنافسة "غير المتكافئة"، بين أحزاب اليسار وحركة موسى الصدر حولها، والأجواء التي حكمت الأحزاب السياسية في تلك المرحلة وتأثيرها على الحزب الشيوعي وحركة القوميين العرب ولبنان الاشتراكي، والمجموعات "المسيحية التقدمية" في لبنان التي تأثرت في ستينيات القرن الماضي، بالتيار المسيحي الذي ظهر في أميركا اللاتينية المعروفة بحركة "لاهوت التحرير" الطامحة لإقامة "مملكة الله على الأرض"، ص. (93-94).

التداعيات السياسية
غير أن من تداعيات هزيمة الخامس من حزيران في لبنان تصاعد الموجة اليسارية، واعتبار "الماركسية هي الحل"، وكان هذا التوجه معاكسًا لما جرى في المنطقة العربية، ص. (98). وتقدم الدراسة معطيات مهمة حول مسار منظمة العمل وخصيصة "الحزبين" اللذي تكونت منهما المنظمة، وهما: "منظمة الاشتراكيين اللبنانيين" و"لبنان الاشتراكي"، حيث يتسم الأخير بطابعه الثقافي المميز، مقارنة بمنظمة الاشتراكيين اللبنانيين، وتستعرض مسار حركة الانشقاقات في منظمة العمل الشيوعي وأسبابها، ص. (103-109)، ما يُظهر أن المثقفين الذين شكلوا "لبنان الاشتراكي"، سرعان ما غادروا المنظمة وهاجروها "جماعيًّا"، وكأن المنظمة بقيت من دون "مثقفين".  
كما توضّح وضعية الحزب الشيوعي اللبناني أثر هزيمة الخامس من حزيران، والمؤتمر الثاني للحزب في العام 1968، حيث تتميز الآراء المقدمة  بالجدية، وفيها ما يمكن اعتباره "جديدًا"، وصولًا للمقارنة بين منظمة العمل الشيوعي والحزب الشيوعي، ص. (125-131) وعلاقة كل منهما بالثقافة ومثقفيه. ففي المنظمة العلاقة "عاصفة، محمومة واحياناً دراماتيكية". حيث تنتهي دائمًا "بقطيعة وضغينة شخصية...". أما في الحزب الشيوعي فالعكس تمامًا. حيث أن الحزب يستطيع "إستيعاب" الآراء الأخرى في صفوفه.

وعن الوجود الفلسطيني في لبنان، تبدأ الدراسة بالمقارنة بين استقبال اللبنانيين للفلسطينيين واستقبالهم للسوريين في الأونة الأخيرة، وتوضّح موقع الوجود الفلسطيني بعد الهزيمة في حزيران، وتقارن  بين نظرة الحزب الشيوعي لهذا الوجود وما يمثله من ثورة، ومنظمة العمل الشيوعي. حيث تعتبر المنظمة إن الثورة الفلسطينة لها الدور الأساس، بينما الحزب يعتبرها "مكملة"، ص. (137). مُحدّدة مظاهرة 13 نيسان 1969 كإطار لتكريس الوجود الفلسطيني واليساري، ص. (137-138)، وتتابع مسار هذا الوجود ومظاهر التلاحم بين اللبنانيين والفلسطينيين.

وتقدم الدراسة فصلاً (الفصل الخامس) حول الطائفية والحرب الأهلية في لبنان، ومدى تراجع الثقافة خلالها، و"هجرة" المسيحيين من أحراب اليسار اللبناني في أواسط العام 1977، ص. (160)، ومسار الأسلمة والعلاقة مع الايرانيين واثر الثورة الايرانية في هذا المسار. ثم تستعرض الاجتياح الإسرائيلي في حزيرلن 1982 وأثره، ومراجعة محسن إبراهيم لهذه المرحلة. مُبيّنة ما سبق الاجتياح من معارك داخلية –جانبية، وثراء المسؤولين الفلسطنيين وتجاهل قياداتهم. كاشفة الخذلان الذي تعرضت له منظمة التحرير الفلسطين، سواء من القيادة السورية ص. (167)، أو قيادة الاتحاد السوفياتي، ص. (186)، ومدى الخسائر الانسانية والسياسية، وصولا إلى توقف الحركة الوطنية اللبنانية، ص. (181)، والاعلان عن قيام المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) ومسار تشكيلها وطبيعتها، وانشقاقاتها ص. (188-189)، والعلاقة مع حركة أمل وحزب الله والمخابرات السورية، وصعود الاسلاميين سياسيًّا. مستعرضة حرب المخيمات وعمليات الاعتيال بحق الشيوعيين، ص. (207)، والمصالحة بين الحزب الشيوعي وحزب الله، ص. (209-210)، وصولا لسقوط الاتحاد السوفياتي، وموقف كل من منظمة العمل الشيوعي والحزب الشيوعي من هذا السقوط ومسوغاته. وتشير إلى الخلاف داخل الحزب الشيوعي بعد اتفاق الطائف، وأزمة الحزب، سواء الخارجية المتمثلة بانهيار الاتحاد السوفياتي، أو "الداخلية" المتبلورة بفشل الرهان على النظام السوري، ص. (277)، ومسار المؤتمر السادس للشيوعي والخلافات/الصراعات الداخلية وبداية الانشقاقات داخله، ص. (291-292).
وتتابع ظاهرة الانقسام بين 8 و14 آذار بعد اغتيال رفيق الحريري، ومسار الأحداث وحرب 2006، التي شارك فيها الشيوعيين وقدموا شهداء فيها، إلى الاتفاق بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وصولاً إلى العلاقة بين حزب الله والنظام السوري، ص. 0307)، وموقع الشيوعيين عشية الثورة السورية، من خلال مواقفهم، ص. (309-318).

الخاتمة
تعددت مواقع الذين تمت مقابلتهم، على مدار هذا المسار الطويل، منهم من بقي شيوعيًا، ومنهم من حصر شيوعيته بماركس وليس بلينين، ومنهم من بقي يساريًا بمعنى محدد، ومنهم من أخرج نفسه من هذه الوضعية، ومنهم من لم يعرف معنى اليسار، ومنهم من يساريته لا تتعارض مع إسلاميته، إلى جانب بعض الإستثناءات.
أما الموقف من الثورة السورية، فمنهم من بقي يساريًا على النمط القديم في رؤيته لهذا الحدث، ومنهم أصبح أكثر حداثة، في خضم الأسباب المولدة لهذه الوضعية.

نماذج مختارة ذات دلالة
يمكن ذكر العديد من النماذج ذات الدلالة في سياق المقابلات المهمة التي تضمنتها الدراسة، وعلى أكثر من صعيد، وإن إتخذ بعضها آراء شخصية. لكن يمكن، في هذه المراجعة، اختيار ما ورد حول رؤية جمال عبد الناصر للبنان من جهة، والموقف من الآخر في الوطن الواحد من جهة ثانية، كنموذجين محددين، يحملان، إلى جانب غيرهما بالتأكيد، دلالات مهمة، قد تعبر عن الحاجة إلى الاستفادة منها، والتساؤل حولها.
 النموذج الأول، يرتبط بالمحيط العربي وما يمثله عبد الناصر، والنموذج الثاني، يرتبط بالبيئة اللبنانية والفهم المغلوط تجاه بعضنا البعض. الأول، كان معروفًا، إلى حد كبير، سواء من الذين إنخرطوا في التيار القومي العربي، بتلاوينه كافة، أو من الذين كانوا في عداء شرس ضد جمال عبد الناصر. غير أن "الاتجاهين" لم يكونوا على الوعي المطلوب بمضمون ما قاله عبد الناصر. بل إن "الأعداء" الشِرسين في هجومهم على عبد الناصر وهماجمته غيبوا، عمدًا متعمدًا، رؤيته للوضع اللبناني، وحرّضوا عليه بتهمة رغبته بضم لبنان إلى الجمهورية العربية المتحدة، أيام الوحدة السورية المصرية العام 1958. وهذا النموذج المختار من الدراسة، عمدًأ، يكشف العكس تماما. والثاني، المتعلق بالآخر،  لم نزل نمارسه، أو يمارسه البعض، بطرق متنوعة، وهذان النموذجان هما على النحو الآتي:

- رؤية عبد الناصر: عندما قرر عبد الناصر تأميم قناة السويس (1956)، ومواجهة العدوان الفرنسي، البريطاني، الإسرائيلي على مصر، غدت "سمعته جليلة، منبسطة، جارفة، طوفان يمحو الحدود الوطنية – لقطرية"، ص. (67)، وتعاظمت هذه النظرة بعد إعلان الوحدة السورية المصرية العام 1958، حيث صف محمد كشلي، حركة القوميين العرب في لبنان حينها، "لحظة لقائه بعبد الناصر. فقال عبد الناصر للحاضرين: محمد (كشلي) مسؤول عنكم، قالوا له حسنًا. فسأل عبد الناصر كشلي: ماذا تريد؟ ماذا تقول؟  فأحاب كشلي: "كل الشباب يريدون ضم لبنان إلى الجمهورية العربية المتحدة. فقال عبد الناصر: ماذا تقول يا محمد"؟! هذا الكلام لا يمثل الوضع اللبناني. أنتم عندكم وضع خاص. وأنا مع أي رئيس جمهورية سيأتي بعد أحداث 1958.ص. (68). تحمل هذه الحادثة دلالاتها السياسية، وتطرح تساؤلات عن كيفية تجسيدها في مسار الأحزاب عامة، والأحزاب اليسارية، موضوع الدراسة خاصة.

- الموقف من الآخر: يُسلّط وسام سعادة، الأصغر عمرًا (1977) بين اليساريين الذين تمت مقابلتهم، الضوء على مسألة، على قدر كبير من الأهمية، المتمثلة في رؤية الجماعات اللبنانية لبعضها البعض، وتصورات كل منها للآخر في الوطن الواحد. وكما يرد في الدراسة، ص.(61-62)،  فإن سعادة "ولد بعد الحرب الأهلية بعامين، من أبوين مسيحيَّين شيوعيَّين، أصرا على البقاء في المناطق "الوطنية" الإسلامية خلال السنوات الأولى للحرب الأهلية الكبرى. ووصلت مع سعادة، وربما معه أبناء جيله أيضًا، إلى بناء تصورات خاطئة عن مسيحيي لبنان، بسبب انحباسه في الشطر المسلم من العاصمة. لكن  عند انتقاله مع أهله إلى المنطقة المسيحية، هربًا من الأهوال الأمنية، فوجىء بخلْقة التلاميذ المسيحيين في المدرسة: "كنت أتخيل المسيحيين شيئًا آخر. كانوا على قدر عال من السَمار في البشرة. كنت أتخيل المسحيين شقرًا بعيون ملونة... كنت أتصورهم أقل تدينًا من المسلمين فيما هم ... كل يوم معجزة، ولا يكفي قديس أوقديسون صاروا يريدون أكثر".

لا يحتاج هذا النموذج الجهد الكبير لتبيان خطورة هذه الواقعة وتداعياتها السلبية على العلاقات بين الجماعات اللبنانية والوطن برمته. وقد كانت نظرة "العداء" المتبادل، حاضرة وبقوة عند طرفي القتال في تلك اللحظة السياسية، بكل حمولاتها  العدائية، من جهل بالآخر وتحريض عليه والتعبئة ضده..... غير أننا لا نحتاج إلى جهد كبير أيضًا، لنقول: إن هذه النظرة، للأسف، لا تزال قائمة وبأشكال متعددة، رغم مرور كل هذه السنوات. بل قد تكون أكثر رسوخًا وثبتًا وتطرفًا...رغم أن الاشتباكات العسكرية توقفت، عمليًأ، ممّا يعني إن الحرب الأهلية في لبنان، لم تتوقف بتوقف الاشتباكات العسكرية. وإذا كانت التربية الأسرية في البيئة المجتمعية التي نعيش فيها "تُشكلنا"، وهذه غدت من البديهيات، فإن "التربية" الحزبية السياسية في وطننا تقوم بالدور ذاته، لجهة رفض الآخر والتحريض عليه والتعبئة ضده... وعليه، فإن إستمرار هذا الرفض المتبادل بين الجماعات اللبنانية، يبدو أنها تؤسس لإعادة إنتاج المزيد من "الحروب" الجديدة، وإن اتخذت أشكالًا أخرى. غير أن هذين النموذجين وغيرهما، لم يكونا في إطار ما يمكن أن تخلص إليه الدراسة من خلاصات وإستنتاجات.

ملاحظات أولية

إن غنى الدراسة بالمعطيات التي قدمتها، والاراء المتنوعة والجديرة بالمتابعة، والسلاسة في العرض، والجهد الواضح في إلإعداد، والسعي للبقاء في إطار الموضوعية..... لا يُلغي، عمليًا، بعض الملاحظات الأولية، المترابطة فيما بينها، التي يمكن إدراحها، وباختصار، على النحو الآتي:

- العنوان الرئيس: يجذبك هذا العنوان "يساريون لبنانيون...."، خاصة وأن تعبير "اليسار" ناله ما يكفي من "الاتهامات"، وتعرض إلى الكثير من التشويه، لأسباب متعددة، لا تدخل في موضوع مراجعة الكتاب. لذلك فإن تطرق "اليساريون" بأنفسهم، لتوضيح آرائهم وتحديد مواقفهم، يُزيل، مبدئيًا"، أو يُفترض أن يُخفف من ثُقل هذه الوضعية عليهم. غير أن العنوان يُثير ثلاثة ملاحظات أساسية:

الأولى، تعبير "اليساريون..." يبدو شاملًا وغير محدد. خاصة وأن النص يتابع "يساريون لبنانيون" في الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي بالتحديد، الأمر الذي كان من الأدق حصر العنوان الرئيس بالشيوعيين اللبنانيين أو "ضبط" العنوان ليكون "يساريون..." نماذج محددة للدراسة.

الثانية، تعبير زمنهم يحمل بعض الإلتباس. بمعنى أي زمن تتابع الدراسة للـ"يساريين..."؟ الماضي؟ أم الحاضر؟ أم الأثنين معا؟ أم إن زمنهم إنقضى ومضى، ولم يعد لهم زمنًا؟

الثالثة، العنوان الفرعي، مذكرات وشهادات، يدفع للتساؤل: هل حقيقة تابعت الدراسة المذكرات؟ وما مبرر إدراج هذا المصطلح.
إن هذه الملاحظات ترتبط بمضمون الدراسة، كما سيأتي في سياق الملاحظات.

 - المقدمة: تبدو المقدمة خارج "فكرة" المقدمة ومعناها، وهذا بحد ذاته أزمة ليست شكلية. وهذا الأمر يدعو للتساؤل عن الغاية من هذه المقدمة؟ وماذا يمكن أن تخدم في سياق الدراسة؟ وإلى ماذا تهدف في الأساس؟

تبدأ المقدمة بالمقارنة بين "ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019"، و"ثورة أو ثورات اليساريين المعنيين بهذه الدراسة"، ص. (11). وتتناول المقارنة: "معنى الثورة"، "أحوال الدنيا"، "الشعارات"، "القادة"، "الأطر"، "طبيعة النشاطات"، "النساء"، "الصفة". ورغم "أهمية" هذه العناوين وبعض "اللمعات" التي تتضمنها وجرأتها النقدية لمرحلة "اليساريين في زمنهم" وإنصافها للتجربة النسائية حاضرًا،....، غير أن إندراجها في إطار المقدمة، يحمل نوعًا من الإلتباس أو الإسقاط. كيف؟ ولماذا؟

- المقارنة بين مرحلة "اليساريون في زمنهم"، هذا الزمن غير المحدد بدقة، و17 تشرين الأول 2019 غير موضعي وغير منطقي، لا تاريخيًّا، ولا سياسيًّا، ولا في القضايا المطروحة....الخ. فالمرحلتين مختلفتين "جذريًا"، في الشكل والمضمون.

- إطلاق تعبير "ثورة" على ما حدث في 17 تشرين الأول 2019، يحمل نوع من الإسقاط.  فإلى أي مدى هذا الحدث هو "ثورة"؟ هل حقيقة هو ثورة؟ ما هي المعايير المعتمدة لاعتباره؟ ما معنى الثورة؟
- ما هي الـ "ثورة" أو "ثورات" التي قام بها اليساريون المعنيون في هذه الدراسة، لتتم المقارنة على أساسها؟
- هل حقيقة "ثورة 17 تشرين الأول"، "خرقت الطوائف؟....
- هل "البرنامج المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية" يندرج ضمن المسار اليساري؟
- هل نالت عناوين المقارنة ما تستحقه من تأصيل؟
- هل إعتماد تعبير "الناشط" بدلًا من "المناضل" فيه "ثورية"، أو تعبير عن "ثورية"، أو هو إكتشاف جديد؟
عديدة التساؤلات التي تثيرها "مقدمة الدراسة"، على أكثر من صعيد. لكنها تتضمن نوع من المغالاة، وتتصف بشيء من الإسقاطات غير المبررة. أو لعل المقارنة، بحد ذاتها، قد تحمل في بعض جوانبها الرغبة في "تعظيم" الحاضر، و"تضخيم" دوره، على حساب الماضي والاقتصاص منه....الخ. وفي الحالات كافة فإن لهذه البداية إنعكاساتها "السلبية" على مسار العمل برمته.

- مسألة الدراسة: إن طبيعة العنوان الرئيس وعدم تبلور "فكرة" المقدمة، ساهما، بشكل مباشر، في  تغييب المسألة المحددة التي ستتابعها الدراسة.. وقد عزز هذا الغياب، وساهم في تأصيله، فكرة الدراسة، بحد ذاتها وتحولاتها (وردت أعلاه)، الأمر الذي أبقى المسألة "ضبابية". من هنا التساؤلات العديدة التي يمكن أن تُثار، منه بالتحديد، مثلاً: ماذا تريد الدراسة أن تدرس؟ هل تهدف إلى بحث "أوضاع" اليساريين؟ أم تحولاتهم؟ أم مواقفهم؟ أم تريد استطلاع أرائهم حول جملة من القضايا، غير المحددة؟ أم إن الفكرة الأساس للدراسة لا تزال حاضرة، وتسعى لتحديد موقع اليساريين، ومواقفهم منها؟ أم.....؟

في غياب مسألة محددة وواضحة الحدود، النظرية والزمانية، جعل النص برمته أقرب لأن يكون مسارًا سرديًّا، بامتياز، يُتابع أكثر من "مسألة"، في الوقت ذاته، ويسعى لجمع مجموعة من الاجابات حولها.  هذه المجموعة من "المسائل" مهمة بالتأكيد، غير أنها، بالمقابل، متفرقة، وغير مترابطة، وتحتاج إلى نقطة إرتكاز تستند إليها . هذه "النقطة"، هي ما نعتبرها مسألة الدراسة. ورغم أهمية العمل "التوثيقي"- "السردي" الذي قد يسم الدراسة، غير أن غياب أو إرتباك مسألة الدراسة، ترك ثغرة في هذه السمة "الايجابية". خاصة وأن الدراسة لم  "تنجح" في التوثيق لمرحلة  محددة من مراحل نضال "اليساريون...." الذين تمت مقابلتهم. بل اكتفت بتجميع الاجابات. من هنا نلاحظ خلال متابعة الدراسة، إن الفصول، من حيث المبدأ، تكتفي في غالبية القصول، بإدراج عدد محدد جدًا، من اجابات اليساريين الذي عددهم (42) شخصًا. صحيح أن البعض لم يجب عن الأسئلة كلها، وهذا ليس مبررًأ بالضرورة لإنحصار عدد الاجابات في هذه الفصول. والسبب الرئيس يتمثل في أن مسألة الدراسة غير غير واضحة. وهما نتحدث عن مسألة الدراسة، ولا نتاول مسألية الدراسة، أي إشكالية الدراسة، لأن لهذه النقطة مراجعة أخرى قد لا تكون ضرورية في هذه المراجعة.

- تساؤلات الدراسة: يُقترض أن ترتبط التساؤلات التي تثيرها الدراسة، مبدئيًا، بمسألة الدراسة. من هنا طرحت الدراسة، ص. (29)، تساؤلات مهمة، وظهرت بوضوح أكثر على صفحة الأخيرة للغلاف. لكن هل أجابت الدراسة عن هذه التساؤلات؟ وكيف؟ هل كانت الاجابة في سياق الفصول؟ أم في الخاتمة العامة؟ ما يمكن الاشارة إليه، من وجهة النظر التي نراجع فيها الدراسة، إن التساؤلات التي تم طرحها بقيت دون إجابة، أو دون إجابات.

- المجال النظري: لم تركز الدراسة على المجال النظري. بمعنى لم "تشتغل" على المفاهيم التي وردت في سياق الدراسة. كما لم تعمل على توضيحها. بدءًا من مصطلح "اليساريون". وهذا ناتج، مبدئيًّا، عن غياب مسألة البحث. لهذا تتدامج المواضيع  وتتداخل. قد يعتبر البعض إن المجال النظري، في بعض الدراسات غير ضروري، وهذه وجهة نظر تحتاج إلى تدقيق. لأن الولوج فيها، موضوع قائم بذاته. وهنا يتبارد التساؤل التالي: هل اعتبار الدراسة أنها دراسة "تجريب" يُعفي من التطرق إلى المجال النظري؟ هذا ما سنتابعه في سياق المراجعة.

- المجال الزمني: إن غياب مسألة الدراسة، وعدم التركيز على المجال النظري، ترافق مع غياب المجال الزمني الذي تتابعه الدراسة، أو تنحصر ضمن حدوده. هذا الغياب ليس أمرًا شكليًّا مطلقًا. لماذا؟ لأن هذا الغياب يزيد المجال السردي، ويحول دون أن تستقرالدراسة على زمن محدد للتوقف عنده. كما أنه "يُعرقل"، أو يُعيق العمل التحليلي وإستخلاص النتائج، كما سيأتي ذكره. وقد كان هذا الغياب واضحًا في العديد من الفصول والصفحات. وإذا سلمّنا، جدلاً، أن الدراسة ترتبط، بالسينيات والسبعينيات، فهل إكتفت الدراسة بهذه المرحلة؟ وأين؟ وكيف؟

- عينة الدراسة: إن الأشخاص، (42) شخصًا، الذين تمت مقابلتهم لا يشكلون عينة، ولا هم عينة عشوائية. لأن عملية اختيار العينة لها قواعدها، غير المتوفرة في اختيار هؤلاء الأشخاص. كما أن الطريقة العشوائية تخضع لاجراءات محددة. لذلك كان من الأدق القول: إن هؤلاء الأشخاص "نماذج مختارة عمدًا"، ممّا يُحصّن عملية الاختيار، ولا يؤثر سلبًا عليها. لكن ما يُخفف من هذا الأمر هو ما ورد، ص. (35) إن لائحة الأسماء التي تمت مقابلتهم "أقرب إلى العينة العشوائية". وبالتالي فتعبير "أقرب" خفف من هذا الخلل، مبدئيًا".

لكن الخلل في أن الدراسة لم تستقر على رقم محدد و"ثابت" للعينة. وبالتالي فإن المقارنة بين بعض الصفحات تُبيّن هذا الخلل. وللتوضبح يمكن العودة في هذه المراجعة إلى ص. (3)، هامش رقم (3). وللمزيد من التوضيح يمكن الاشارة، مثلاً، إلى الآتي: المقارنة بين ص. (40) و ص. (41) في الدراسة، نلاحظ أن عدد الشيوعيين السُنة ص. (41) أصبح (6)، بينما كان العدد (8)، ص. (40)، والأمر نفسه بالنسبة لعدد المسيحيين. وإذا تابعت الملحق رقم (1) في الدراسة ستجد أن اليساريين السُنة أصبح عددهم (10)، والكاثوليك عددهم (5). ويبدو أن الدراسة لم توضّح هذا الارتباك، وهو دون شك له دلالاته السلبية على مسار العمل.

- طبيعة الدراسة: ورد في النص أنه تمت كتابة الدراسة "على طريقة التجريب". بل إن المؤلفة كانت "منحازة منذ البداية إلى هذا النوع من الكتابة، بصفتها متواضعة، جذابة، اختيارية، يختلط فيها الكاتب مع مادة كتابته...(....)....لأنها مثل مخترعها ميشال دي مونتين (1533-1592). وهذه الطريقة "تناسب الواقع اللبناني أيضًا، المستعصي على الوصف الشمولي غالبًا". ص. (54-55). من هنا فإن هذه "الدراسة هي من النوع "التجريبي" إذا لا هي تاريخ، الأفكار خصوصًا، ولا سوسيولوجيا، ولا علم نفس، ولا أنتروبولوجيا، إنما الجميع مصهور في بوتقة الواقع وموارده اللذين وحدهما يحددان المجال". هذا التوصيف لطبيعة الدراسة يعكس، ما ورد أعلاه، سواء لجهة فكرة الدراسة، أو لجهة غياب المسألة، أو للخصيصة السردية التي تسم للنص....إلخ.

إن هذا التوصيف لطبيعة الدراسة يفرض، بعد متابعتها، جملة من التساؤلات، من أبرزها الآتي: هل حقيقة يمكن تصنيف هذه الدراسة بأنها "تجريبية"؟ وكيف؟ هل ما قدمته، للقول: إنها دراسة طابعها "تجريبي" مقنعًا؟ هل يكفي القول أنها تجريبية ليتم التسليم والقبول؟ هل ينطبق هذا التصنيف مع المعايير العلمية للدراسات/الأبحاث التجريبة ؟ وأخيرًا و"الأهم"، كيف استطاعت دراسة واحدة أن تكون في الوقت عينه، تجريب، تاريخ الأفكار، سوسيولوجيا، علم نفس، أنتربولوجيا....؟

- غياب الوضع اللبناني: بعيدًا عن أي عملية إسقاط، أو فرض على الدراسة، لكن من خصيصة اليسار، واليساريين، في السيتينيات والسبعينيات، وما قبلهما، وما بعدهما، رؤيتهم للواقع اللبناني، وبالأخص للنظام السياسي في لبنان. وهذا الرؤية تكون من ضمن الحوافز الدافعة للإنخراط في صفوف اليسار وتنظيماته، أو الوقوف على ضفافه. لكن هذه المسائل تغيب عن الدراسة، دون مبرر، من حيث المبدأ.

- الخلاصات العامة والنتائج: إن متابعة الخاتمة العامة ونهايات الفصول الخمسة عشر فصلاً، لا يمكنك الاطمئمان إلى أن الدراسة وصلت إلى ما يمكن اعتباره خُلاصات أو نتائج عامة. وهذا ناتج عن مسلسل الارتباكات المنهجية التي إخترقت النص، بدءًا من العنوان الرئيس.

إن مجمل هذه الملاحظات تدخل في إطار النقاش والحوار، وليس في خضم "التصادم" و"النزاع". خاصة وإن موضوع الدراسة يٌفترض أن يفتح الآفاق لدراسات وأبحاث أخرى، لما تختزنه الحياة السياسية في لبنان عامة من تجارب ، ولما عرفته التجربة الحزبية خاص، بأشكالها المختلفة ومنابتها كافة من غنى، تحتاج  إلى المزيد من المراجعة.

___________________________________________________________________________________________________


1  - لائحة الأسماء كما وردت في الملحق رقم (1)، موزعين حسب العمر، من الأكبر سنًا إلى الأصغر، وحسب الطائفة، هم: غسان الرفاعي (العراق) ،كريم مروة (شيعي)، محمد كشلي (سني)، محمود سويد (سني)، نهاد حشيشو (سني)، وضاح شرارة (شيعي)، أحمد بيضون (شيعي)، الفضل شلق (سني)، جاد تابت (كاثوليكي)، عباس بيضون (شيعي)، توفيق الهندي (كاثوليكي)، محمد علي مقلد (شيعي)، زين رحمة شيعي)، فيصل جلول (شيعي)، كمال حمدان (شيعي)، وليد نويهض (درزي)، حسن منيمنة (سني)، أحمد الديراني (شيعي)، زكي طه (سني)، ملحم شاوول (كاثوليكي)، شربل داغر ماروني)، يوسف مرتضى (شيعي)، حسن داوود (شيعي)، موسى إدلبي (شيعي)، منى فياض (شيعية)، وديع حمدان (شيعي)، حازم صاغية (كاثوليكي)، رضا إسماعيل (شيعي)، جهاد الزين (شيعي)، طلال عتريسي (شيعي)، بول طبر (ماروني)، طلال طعمة (سني)، رياض الدادا (سني)، جمال القرى (سنية)، محمد بلوط (شيعي)، زياد صعب (درزي)، لقمان سليم شيعي)، حسام عيتاني (سني)، إبراهيم الأمين (شيعي)، حازم الأمين (شيعي)، زياد ماجد (شيعي)، خالد صاغية (كاثوليكي)، وسام سعادة (ماروني). سيتم العودة إلى هذه المعطيات في سياق المراجعة.


2  - يمثل الفصل الثاني وعنوانه، مجريات هذه الدراسة، ويقع في (36)، "ركيزة" أساسية لتوضيح مسار إعداد الكتاب من جهة، ويثير العديد من التساؤلات حول مجمل الدراسة من جهة أخرى.


3  - إن متابعة عدد "العينة" في الكتاب يختلف من صفحة لأخرى، حيث نجد ما يلي: على صفحة الغلاف الأخيرة العدد أكثر من (50) شيوعيًّا. صفحة (35) العدد (42). صفحة (40) إذا تم جمع عدد العينة حسب توزيعها الطائفي يكون العدد (41)، وهذا يعود لعدم احتساب اسم غسان الرفاعي من العراق. صفحة (41) إذا اعيد جمع الاعداد الواردة ص. (40)، أي الأعداد نفسها، لكن لتبيان توزريعها المناطقي (لم يُحسب العراق) العدد (38)، مع خلل في التوزيع الطائفي ص. (40).  صفحة (37) إذا تم جمع الأشخاص حسب شرائح الأعمار يكون العدد (44). الملحق رقم (1)، ص. (331-334) العدد (43)، غير أن الخلل قائم عند المقارنة مع ص. (40) و ص. (41)، كما سيرد في سياق المراجعة.

 

ثقافةالكتاب

إقرأ المزيد في: قضايا وكتب

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل